الكذب مظاهره ودوافعه

سالم بن عبد الكريم الغميز
عناصر الخطبة
  1. ذم الكذب .
  2. بعض صور الكذب .
  3. الدوافع المؤدية للكذب .

اقتباس

الكذب جماع كل شر، وأصل كل ذم، لسوء عواقبه، وخبث نتائجه؛ لأنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج عنها البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة، ولذلك قيل: "من قل صدقه قلّ صديقه". وقيل في ذم الكذاب: "لا تطلبوا الحوائج من كذاب فإنه يقربها وإن كانت بعيدة، و...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقواه وراقبوه ولا تعصوه، وقوموا بما أوجب الله عليكم من الواجبات وانتهوا عن المنهيات تفوزوا برضاه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].

أيها المسلمون: لا شك أن الكذب عمل مرذول، وصفة ذميمة، فهو من خصال النفاق، ومن شعب الكفر.

والكذب من أسباب رد القول، ونزع الثقة من الكاذب، والنظر إليه، بعين الخيانة.

والكذب دليل على ضعف النفس، وحقارة الشأن، والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها، فالكذاب يقلب الحقائق، فيقرب البعيد، ويبعد القريب، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، قال صلوات ربي وسلامه عليه محذراً من الكذب: "وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".

قال الماوردي -رحمه الله-: "والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذم، لسوء عواقبه، وخبث نتائجه؛ لأنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج عنها البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة، ولذلك قيل: "من قل صدقه قلّ صديقه".

وقيل في ذم الكذاب: "لا تطلبوا الحوائج من كذاب فإنه يقربها وإن كانت بعيدة، ويبعدها وإن كانت قريبة".

ومما يؤسف له -أيها المسلمون-: ذهاب الصدق في هذه الأزمنة المتأخرة وكثرة الكذب في الأعم الأغلب، فما أقل من يصدق في حديثه، وما أقل من يصدق في علاقاته ومعاملاته.

أيها المسلمون: وللكذاب صور كثيرة، قد يجهلها كثير من الناس، نذكر بعضاً منها، لعلنا نحذرها؛ فمن صور الكذب: الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ كحال من يفتي بغير علم ويقول على الله ورسوله الكذب، فيَضل ويُضل ويَهلك ويُهلك، قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)[النحل:116].

وكحال من يكذب على رسول الله =صلى الله عليه وسلم-، قال صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

ومن صور الكذب: الكذب في البيع والشراء؛ كحال من ينفق سلعته بالحلف الكاذب، ومن يغش المشتري في بضاعته، فما أكثر ما يقع هذا بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "اليمين الكذابة منفقة للسلعة ممحقة للكسب".

وقال صلوات الله وسلامه عليه: "من غشنا فليس منا".

ومن صور الكذب: الكذب لإضحاك السامعين.

ومن صور الكذب أيضاً: الكذب في المطالبات والخصومات، وهذا يحدث كثيراً بين الناس، فقل من يصدق حال المطالبات، وهذا ما يشاهد مراراً وتكراراً عند الخصومات في المحاكم وغيرها، وعند حوادث السيارات، فقل من تجده ينصف بنفسه ويقر بخطئه، بل تجد من يكذب كي لا يكون الحق عليه فيتحمل تبعته.

ومن صور الكذب: الكذب للتخلص من المواقف المحرجة، كحال من يكذب على والديه أو مسئوليه خوفاً من العقاب.

ومن صور الكذب أيضاً: الرجل الإعلامي الذي يقلب الحقائق، ويلبس على الناس، فيرفع الأمر، ويضع الأعلام، ويغري بالرذيلة، ويزري بالفضيلة، فكم برأ من مفسد محرم؟! وكم نال من مصلح بريء؟! وكم رفع من وضيع؟! وكم وضع من رفيع؟!.

ومن صور الكذب: الكذب على الأولاد، فكثيراً ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار رغبة في التخلص منهم، أو تخويفاً لهم كي يكفوا عن العبث واللعب، أو غير ذلك، فنجد من الوالدين من إذا أراد ولده الخروج معه أحب الوالدان أن يتخلص من الولد، تجده يعده ببعض الهدايا ثم لا يفي بذلك، وتجد منهم من يكذب على الولد يخوفه بأشياء وهمية، فينشأ الولد جباناً رعديداً، يخاف مما لا يُخاف منه.

ومن صور الكذب أيضاً: التوسع في باب المصلحة، فتجده يتأول لنفسه الكذب باسم المصلحة، فيبطل الحق، ويحق الباطل.

ولا شك أن الذي يصلح بين الناس، ويقول الخير، أو ينمي الخير ليس بكذاب.

أما من توسع في هذا الباب، ويرخص لنفسه الكذب فيما هو مصلحة خاصة له، أو فيما هو ضرر على الآخرين، فلا شك أنه قد وقع في المحذور، شعر أو لم يشعر، قال صلوات الله وسلامه عليه: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيراً، أو ينمي خيراً".

هذه بعض صور الكذب الشائعة أحببنا ذكرها، لعلنا نحذرها، ونحذر منها.

فاحذروا -إخواني-: الكذب، فإنه لو لم يكن في الكذب عيب إلا أنه منقصة للقدر بين الناس ورد للحديث لكفى، فكيف وفيه من الوعيد ما فيه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، جعل العاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقواه وراقبوه ولا تعصوه.

أيها المسلمون: ذكرنا في الخطبة الأولى صور الكذب، فيا ترى ما هي الأسباب المؤدية إلى الكذب؟ فإن من أراد الحذر من شيء، فإنه يجب عليه أن يحذر أسبابه ودوافعه.

أما دوافع الكذب فكثيرة؛ نذكر منها: الخوف من العقاب والعتاب، فإن الخوف من العتاب يدفع بالمرء إلى الكذب تخلصاً من هذه المواقف.

ومنها إيثار: المصلحة الخاصة التي تدفع بالشخص إلى الكذب لينال مطلوبه.

ومنها أيضاً: قلة مراقبة الله -عز وجل- وقلة الخوف منه، فلو أنه تذكر وعيد الله للكذاب ووصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للكذاب بصفة النفاق، وأن الكذب بضاعة المنافقين ومن قل دينهم، ولو أنه تذكر ذلك ما أقدم على الكذب.

ومنها أيضاً: اعتياد الكذب وإلفه، فإنه إذا كذب المرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، عند ذلك اعتاد الكذب وأصبح عادة يصعب التخلص منها.

ومنها أيضاً: سوء التربية من قبل الأولياء، فتجد الأب يكذب على أبنائه ولا يتورع عن الكذب، ولا  يربي أولاده على الصدق، واعتياد الصدق.

هذه بعض الأسباب التي تدفع بالمرء إلى الكذب، ذكرناها لعلنا نحذرها ونتجنبها.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وكونوا مع الصادقين.

اتقوا الله وذروا الكذب في الحديث لو لم يكن في الكذب إلا أنه طريق إلى النار لكفى بذلك زاجراً: "إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار".

ألا وصلوا -عباد الله- على خير خلق الله...

اللهم أبرم لهذه الأمر أمراً رشيداً...

اللهم عليك بالطغاة...

اللهم عليك باليهود والنصارى...

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

عباد الله؛: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي