المجاهرة بالإفطار

محمود الطائي
عناصر الخطبة
  1. رمضان مدرسة ربانية عظيمة .
  2. المجاهرون بالفطر في نهار رمضان .
  3. ما أشدّ عذاب الله وعقابه لكل منتهكٍ لهذا الشهر من غير عذر .
  4. أعظم أسباب هزيمة الأمة وإذلالها .
  5. عدم حياء المجاهرين بالفطر .
  6. وجوب الأخذ على أيديهم .
  7. الحث على اغتنام ما بقي من رمضان والتوبة مما مضى .

اقتباس

المؤمنون في نهارهم خاضعون، من ربهم وجلون، لا يستطيعون أن يأكلوا، ولا يشربوا، فهم لأوامر الله ممتثلون، ولصيامهم فاعلون، ولعبادته مؤدون، يخافون رَبَهُم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، وبعد كل هذا مشفقون، لا يعلمون أَقُبِلُوا أم أنهم مردودون؟! فشتان بين هؤلاء وبين من هم لحرمات الله منتهكون، هم بالنهار مفطرون، بل وبالإفطار مجاهرون...

الخطبة الأولى:

عباد الله.. نعيش في هذه الأيام مع مدرسة ربانية عظيمة، أوجدها الخالق جل وعلا، لتطهير القلوب وتذهيب النفوس.

نقضي بها لحظات إيمانية وساعات ربانية، نتعرض خلالها للنفحات، وتغشانا فيها الرحمات، ما أجملها من ساعات، وأحلاها من لحظات، في النهار صيام وفي الليل قيام، المساجد مضيئة، وبالمصلين مليئة، تصدح بالآيات وترفع فيها الدعوات، وتسيل فيها العبرات، وتُقال فيها العثرات، البيوت معمورة بتلاوة الآيات، وإقامة الصلوات، يُسمع فيها سجع المسبحين وأنين التائبين والآيبين.

فأي أيام أفضل من هذه الأيام المعدودات؟!

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 183- 184].

فالمؤمنون في نهارهم خاضعون، من ربهم وجلون، لا يستطيعون أن يأكلوا، ولا يشربوا، فهم لأوامر الله ممتثلون، ولصيامهم فاعلون، ولعبادته مؤدون، يخافون رَبَهُم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، وبعد كل هذا مشفقون، لا يعلمون أَقُبِلُوا أم أنهم مردودون؟!

فشتان بين هؤلاء وبين من هم لحرمات الله منتهكون، هم بالنهار مفطرون، بل وبالإفطار مجاهرون، لا يستحون من صغير ولا من كبير يخجلون، إذا دعوتهم قالوا: أنتم أم نحن في قبورنا داخلون، نحن لا نستحيي من الله !!! أفمنكم نحن مستحون؟!

والله بسبب هؤلاء، ينزل البلاء، فما ظهرت المعاصي جهاراً في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها.

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]

ما أشدَّ عذاب الله وعقابه لكل منتهكٍ لهذا الشهر من غير عذر! فعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه-، قال: سمعتُ رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- يقول: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ أي تحت إبطي فَأَتَيَا بِي جَبَلا وَعْرًا، فَقَالا لِي: "اصْعَدْ" حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ، فَقُلْتُ : "مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟"، قَالَ : "هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ"، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، فَقُلْتُ: "مَنْ هَؤُلاءِ ؟"، فَقِيلَ : "هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ" أي : يفطرون قبل وقت الإفطار. فما بالك بالذي لا يصوم أصلاً؟! بل وما بالك بالذي يفطر أمام الناس؟! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".

إن من أعظم أسباب هزيمة الأمة وإذلالها من أحقر أعدائها هو الاستخفاف بأوامر الله تعالى.

يقول الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- : "والذي يفطر في رمضان أحد رجلين: إما كافر، لا يدينُ بالإسلام، وإما جهول لئيم ليس له من الإنسان إلا صورته، ولا من الدين إلا أنه من طائفة يسمون مسلمين".

يقول الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "ذنبان لم أجد أعظم منهما بعد الشرك بالله: رجل أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها، ورجل أفطر يوماً عامداً في رمضان".

والله إن بعض الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف لا يرضون بالإفطار في هذا الجو الحار، بل إن بعض النساء اليوم تستحي وهي مفطرة بعذر شرعي أن تأكل أو تشرب أمام أهل بيتها، بل وأكثر من هذا نرى بعض النصارى يستحون في هذه الأيام من الأكل والشرب أمام المسلمين، ولا يستحي هؤلاء المفطرون!!

أليس هناك من يأخذ على أيديهم لينتهوا، وليكونوا لغيرهم عبرة ظاهرة وعظة زاجرة، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53].

الخطبة الثانية:

عباد الله.. إن من حكمة الله -جل وعلا- أنه لم يجعل أيام الصيام يومًا واحدًا، بل جعلها ثلاثين يومًا أو تسعة وعشرين، فانقضى من هذه الأيام عشرة أيام، صامها من صام وأفطرها من أفطر، ولكن ما يزال رمضان موجودًا، والأمل بالله معقود، فيا من فرطت في هذه الأيام اعلم أن الفرصة مازالت سانحة، وأن باب التوبة مفتوح، وأن لك ربًّا "أفْرَح بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ".

«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"، فاستغل هذه الساعات الباقيات قبل تنتهي؛ ولات ساعة مندم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي