ومن مقاصد الحج وأهدافه أن يتذكر الحاج تاريخ الإسلام العريق وماضيه الإسلامي المشرق، فالبيت العتيق له تاريخ عريق يذكرك بأنبياء الله السابقين ورسله الأولين، بدءً من عهد نبي الله آدم -عليه السلام-، مروراً بعهد سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، إلى عهد خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد...
الحمد لله الذي جعل الحج ركناً من أركان الإسلام، وعملاً تغفر به الذنوب والآثام، وطريقاً موصلاً إلى الجنة دار السلام، ومذكراً بحقيقة الدنيا وما فيها من الزينة والحطام، ومعلقاً القلوب بالآخرة, مذكراً بيوم الحشر والزحام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله -جل وعلا- ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه رحمة للعالمين، وأرسله كافة للناس أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من اتبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: لقد فرض الله الحج على المستطيعين من أمة الإسلام، وجعله ركناً من أركان الإسلام، وحث على أدائه والقيام به حال حصول القدرة والاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران : 97].
إن الله -سبحانه وتعالى- شرع الحج وأمر به وذلك لتحقيق مقاصد سامية، وأهداف عظيمة، والوصول إلى درجات عالية، لا تتحقق إلا بالوصول إلى تلك البقاع المقدسة, والقيام بأداء تلك المشاعر العظيمة, في تلك الأماكن الطاهرة النقية، (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران 96: 97].
عباد الله: إن من أعظم مقاصد الحج وأهم غاياته: تحقيق العبودية والخضوع والاستسلام لله رب العالمين، وإظهار العجز والفقر والمسكنة له -جل جلاله وعز كماله-، وتحقيق التوحيد الخالص لوجهه الكريم -سبحانه وتعالى-. حيث إن من أعظم شروط الحج الإخلاص لله، وأداء فريضة الحج لوجه الله، لا يريد الحاج بذلك رياء ولا فخراً ولا سمعة؛ من أجل أن يقال حج فلان، أو ذهب للحج فلان، أو يسمى بالحاج فلان، كل هذا يجب على الحاج أن يتخلص منه ويبتعد عنه، لأن من حج بهذه النية وهذا القصد فإن حجه مردود غير مقبول.
وفي كل مناسك الحج يتحقق التوحيد والإخلاص لله وحده، فعند الإحرام يجب على الحاج أن يصحح النية ويخلصها لله رب العالمين، وعند التلبية يرفع صوته بتلبية التوحيد وإعلان البراءة من كل شريك مع الله، فيقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" والطواف كالصلاة يجب فيه الإخلاص لله، فتوحيد الله والإخلاص له من أسمى مقاصد الحج وغاياته.
ومن مقاصد الحج وأهدافه أن يتذكر الحاج تاريخ الإسلام العريق وماضيه الإسلامي المشرق، فالبيت العتيق له تاريخ عريق يذكرك بأنبياء الله السابقين ورسله الأولين، بدءً من عهد نبي الله آدم -عليه السلام-، مروراً بعهد سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، إلى عهد خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين-، يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران 96: 97]. وأخرج البخاري ومسلم عن أَبَي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ المَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ" [البخاري (3366) مسلم (520)].
إن الحج يذكرك بهذا التاريخ العظيم وذلك الماضي الجميل، ويربطك بتاريخ الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، عندما وضِع هذا البيت المبارك في العهد القديم، قبل عهد سيدنا آدم -عليه السلام-، ثم جاء بعده سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بعد أزمان طويلة، فنزل بأهله في ذلك المكان الذي أمره الله بالنزول فيه، وترك أهله هناك، وحصل لزوجته ما حصل من القصص الجميلة والذكريات الشيقة، التي على إثرها رفع البيت وبني، وشرع السعي بين الصفا والمروة، والشرب من ماء زمزم، وذبح الأضحية، ورمي الجمرات، وغير ذلك من الذكريات، (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].
إن لهذا البيت العتيق تاريخ مضيء وذكريات رائعة في عهد النبي --صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام-، فالحاج إلى هناك سيتذكر عند دخوله إلى الحرم ورؤيته للكعبة المشرفة وضع الصحابة -رضي الله عنهم- عندما كانوا مستضعفين في مكة، وكان المشركون يأتون إليهم وهم يصلون عند البيت فيضعون على ظهورهم سلاء الجزور والقاذورات، ويتذكر ما حصل للمسلمين بعد ذلك من عز ونصر وتمكين بدخول مكة وفتحها، وما حدث للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيها من إسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وما في ذلك من الحكم والعبر في تلك الرحلة العجيبة، رحلة الإسراء والمعراج.
كل هذه مقاصد من مقاصد الحج على الحاج أن يتذكرها ويتأمل فيها ليعلم أن له تاريخ طويل، وأنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بخير الأقوام وسادات البشر من النبيين، والصديقين، والصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ومن مقاصد الحج العظيمة أنه يغرس في نفسية المسلم تعظيم الحرمات وتقديس المشاعر والمقدسات، فللحرم خصوصيات لا يختص بها غيره من سائر البقاع والأمكنة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا" [البخاري (1834 ) مسلم (1353) ].
فلم تقتصر حرمته على حرمة القتال فيه فقط، وإنما تجاوزت حرمته إلى أبعد من ذلك، فلا يكفي أن يأمن الناس فيه على أنفسهم وأرواحهم فقط، وإنما أيضاً جعل حرمته شاملة وأمنه عام حتى على الممتلكات والأموال والحيوانات والنباتات، فلا يقطع شجره، ولا ينفر صيده فضلاً عن اصطياده، ولا يحصد عشبه وكلأه، ولا تؤخذ لقطته إلا من أخذها ليعرفها ويشهرها، ويحفظها لمالكها.
وإذا كان الحيوان في مكة المكرمة يبقى في أمن وأمان, والنبات لا يَعتدي عليه أحد، فكيف بحرمة المسلم داخل الحرم؟! لاشك أنها مضاعفة, وانتهاكها جريمة عظيمة، وإذا كانت لقطته لا تؤخذ إلا لمن أراد أن يعرفها ويشهرها، فكيف بمن يتعمد أخذ أموال الحجيج، ويقوم خلسة ليغير عليهم، ويسرق أموالهم، وينهب أموالهم، بكل جرأة وتعمد؟ لا شك أن هذا وقع في الإثم العظيم، والوزر الكبير، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج : 25]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة : 217].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله:
من المقاصد الجليلة والغايات النبيلة للحج: أنه يظهر عزة الإسلام ورفعته، وشموخه وشموخ أهله وقوتهم، فالحج يؤكد بكل قوة أن عزم المسلمين عزم قوي شديد، فهذه الجموع جاءت من كل فج عميق، تحملت عناء السفر ووعثائه بعزم يفل الحديد، وصبرت وصابرت حتى وصلت إلى تلك البقاع المقدسة لأداء هذه الفريضة العظيمة، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المسلمين أهل قوة وعزيمة، وأصحاب جلد وتحمل.
حتى في الحج عناء شديد وجهد جهيد، طواف سبعة أشواط، وسعي بين الصفا والمروة سبع مرات، وتنقل بين المشاعر هنا وهناك، فهذا كله يظهر قوة المسلمين وشموخهم وعزتهم، وهذا ما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤكد عليه؛ حيث أمر المسلمين بإظهار القوة والعزة عندما أمر الصحابة أن يسرعوا في المشي عند الرمل، يقول ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ" [البخاري (1602) مسلم (1266) ].
ومن مقاصد الحج وأهدافه تثبيت الأخوة الإسلامية وتقويتها, فالحج هو القمة العليا لتكوين الأخوة الإسلامية، وهو الملتقى الأكبر الذي يلتقي فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، يأتي المسلمون من شرق الدنيا وغربها، وجنوبها وشمالها، فيلتقون هناك، فيتعرف بعضهم على بعض، ويستفيد بعضهم من بعض، وينصح بعضهم بعضاً، ويضعون لبنات إسلامية عامة وأصول إسلامية ثابتة تغرس هناك، وتثبتت في ذلك الموسم العظيم، ثم ينقلها الحجيج إلى بلدانهم وديارهم، ومن تأمل في الأسباب التي أدت إلى انتشار دعوة التوحيد في العالم الإسلامي كله خاصة في الزمن القديم؛ وجد أن الحج كان له الحظ الأكبر في انتشارها.
في الحج تتثبت الأخوة والمساواة بين المسلمين، فلا فضل لأحد على أحد، ولا فرق بين أحد وأحد، فالجميع يلبسون ثياباً واحدة، ويؤدون مناسك موحدة، ويلبون تلبية واحدة، ويهتفون بصوت واحد، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا فرق بين أسود وأبيض، ولا تمايز بين سائل ومسؤول.
ومن أعظم مقاصد الحج أنه موسم عظيم من مواسم الطاعة والعبادة، يزيد المرء إيماناً، ويقوي علاقة العبد بربه، ويربطه به ارتباطاً وثيقاً؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات، والحج أعظم موسم للازدياد من الطاعات والإكثار من فعل الخيرات، ويكفي في ذلك أن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي لا يضاهيها في الفضل فضل، ولا يعدلها في الأجر أجر، يقول النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ " [البخاري (1190) مسلم (1394) ].
ومن أسباب كون الحج دافعا إلى ارتفاع مستوى الإيمان: أنه يشتمل على أدعية كثيرة، وأذكار عظيمة، ومناسك جليلة، وشعائر كبيرة، من أداها وحرص في حجه على القيام بها والمحافظة عليها، وحاول بكل ما يستطيع من جهد أن يحج كما حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، بحيث لا يترك سنة ولا شعيرة من شعائر الحج إلا وقام بها، فهذا لا شك أنه كان ممن أخذ من الحج زاده، وتزود منه بخير الزاد الذي قال الله عنه: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة : 197].
وانظروا إلى سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وحرصه على أداء الحج أداء كاملاً كما حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث يقول -رضي الله عنه- عندما جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" [البخاري (1597) مسلم (1270) ].
ومن مقاصد الحج أنه يربي الحجيج على حسن الخلق، ويبعث في نفوسهم محاسن الأخلاق، ويغرس في قلوبهم حسن المعاملة، حيث يذكر الله -سبحانه وتعالى- أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، فمن انضبط بهذه الآداب وسار عليها، وأخذ القصد منها في الحج وبعد الحج، فإنه إن -شاء الله- يكون ممن قال فيهم -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " [البخاري (1521) مسلم (1350) ].
عباد الله: ومن أعظم مقاصد الحج وأعلى خصاله: أنه يذكر المسلم بالآخرة، ويربطه ارتباطاً مباشراً بالقيامة، ويذكره بها، ويريه مناظر مصغرة منها، فالموقف الأعظم الذي يجمع الله فيه الخلائق جميعاً يرى الحاج نسخة مصغرة منه في اجتماع الحجيج في موقف عرفات، ولباس الإحرام يشبه ملابس الأكفان, والطواف بالبيت العتيق يذكره بلقاء رب البيت, فإن من زار بيتًا طمع في لقاء صاحبه.
فاغتنموا هذا الموسم العظيم، واستفيدوا من مقاصده وغاياته، واجعلوه فرصة لكم في طي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة مع الله، فتعودوا منه كيوم ولدتكم أمهاتكم.
هذا وصلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي