ارض بما قسم الله لك، وظُن الخير فيما يصيبك، تُهْدَ لحمد الله وشكره.. احذر أن تحتقر نعمة أنعم الله بها عليك، وتنسى كثيرًا ما صرف عنك من البلايا، وعظيم ما وهبك من العطايا.. انظر في الدنيا إلى من هو دونك، فما احتقر عبد نعمة الله إلا سد عليه أبواب التوفيق لشكرها.. تذكر أحوال الضعف التي مررت بها، وكيف صيَّرك الله منها إلى القوة والغنى، تحمد ربك الكريم، وتشكر عطاءه الجزيل.
الحمد لله الذي لا تُعَدّ نِعَمه ولا تُحصَى، ولا تُحْصَر آلاؤه ولا تُسْتَقْصَى، حمدًا دائمًا كثيرًا وشكرًا..
أما بعد، فإن الإنسان وهو يصبح ويمسي، ويغدو ويروح في أنعم من الله كثيرة وعظيمة، جدير به أن لا يزال لإحسان الله إليه ذاكرًا، ولفضله وكرمه على الدوام مستشعرًا.
وفي غمرة الحياة التي تُنْسِي، وتشغل عن ذكر نعم الله وتُلْهِي، يخاطب الله عباده بذكر نعمه عليهم فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [فاطر: 3].
ربنا – عباد الله – يحب لعباده أن يشكروه، لا أن يكفروا فضله عليهم ويجحدوه، يقول تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
أمر عباده بشكره فقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]، لا ليتكثر بشكر العباد من قلة، ولا ليتمنع بهم من هلاك وشدة، سبحانه سبحانه، هو الغني عن عباده وهم الفقراء إليه، يقول تعالى: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40].
العبد إنما يشكر ربه، حين يعترف قلبه بنعم الله عليه محبة وتعظيمًا، حين ينطق لسانه تحدثًا بنعم الله؛ حمدًا له وشكورًا.
العبد إنما يشكر ربه، حين تنقاد جوارحه لأمر الله طاعة وامتثالاً.
الشاكر لربه حقًّا، من لا يستعين بنعم الله على معاصيه، ولا يتعدى بها على حدوده ومناهيه.
وما من عمل يعمله الإنسان إلا وهو شاكر فيه لنعم الله أو كافر لها، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3].
أمر الله نبينا بشكره فقال تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 66]، فكان أشكر الناس لربه، يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه ويقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا".
وإذا آوى إلى فراشه لينام يحمد ربه ويشكره ويعلم أمته فيقول: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي".
وإذا أفاق من نومه فكذلك يقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".
وكلما أصبح أو أمسى، يحمد ربه ويشكره فيقول: "اللهم ما أصبح بي – أو أمسى بي– من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر".
الشكر –عباد الله – وصية الله للإنسان أول ما عقل، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14].
الشكر وصية النبي –صلى الله عليه وسلم– لمن أحب، قال لمعاذ – رضي الله عنه – "إني أحبك؛ فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
الشكر نصف الإيمان، ففي الحديث: "الإيمان نصفان؛ نصف شكر ونصف صبر" فمن زاد شكره زاد إيمانه، ومن نقص شكره نقص إيمانه.
الشكر طريق العبودية لله جل وعلا، يقول سبحانه: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172].
الشكر طريق لنيل محبة الله ورضوانه، يقول تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
ومن رُزق الشكر رُزق الزيادة من النعم، بقول سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
الشكر أمان من العذاب، ونجاة من العقاب، يقول الله تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147].
الشكر سبب لنيل الأجر العظيم الذي لا تحده حدوده، والجزاء الأوفى الذي لا تقيده قيود، يقول تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 145]، فأطلق الجزاء إطلاقًا من غير تقييد ولا تحديد.
عباد الله، وكفران النعم مؤذن بزوالها، ونذير شر برحيلها، يقول تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
وإذا رأى العبد ربه يتابع عليه النعم وهو مقيم على معاصيه، فليعلم أنه إنما يستدرجه، قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 182- 183]. وقال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].
يقول الحسن البصري: "إن الله يمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذابًا".
ومن شكر الله: شكر الإنسان لمن أسدى إليه معروفًا من الناس، وأولى من شكر – بعد الله – الوالدان، فقد أمر الله بشكرهما بعد الأمر بشكره، فقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان: 14]، وفي الحديث: "لا يشكر اللهَ مَن لا يشكر الناس".
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله...
عبد الله، ارض بما قسم الله لك، وظُن الخير فيما يصيبك، تُهْدَ لحمد الله وشكره.
احذر أن تحتقر نعمة أنعم الله بها عليك، وتنسى كثيرًا ما صرف عنك من البلايا، وعظيم ما وهبك من العطايا.
انظر في الدنيا إلى من هو دونك، فما احتقر عبد نعمة الله إلا سد عليه أبواب التوفيق لشكرها.
تذكر أحوال الضعف التي مررت بها، وكيف صيَّرك الله منها إلى القوة والغنى، تحمد ربك الكريم، وتشكر عطاءه الجزيل.
احذر الشيطان أن يحول بينك وبين شكر الله على نعمه، فلقد أقسم ليصرفن عن الشكر من استطاع إليه سبيلا، قال تعالى حكاية عن إبليس: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16- 17].
احذر الجهل والكبر والغفلة والشح والطمع والحسد، فما بُلِيَ عبدٌ بها إلا قل شكره وكثرت شكواه.
فالجاهل لا يعرف فضل الله عليه، والكبر داء يحمل صاحبه على التعالي، ويخيل إليه أن ما حوله من النعم بحوله وقوته؛ كما خيل لقارون فقال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: 78].
اللهم اجعلنا لآلائك من الذاكرين، ولأنعمك من الشاكرين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي