ومن طعام أهل النار الذي ذكره الله في كتابه العزيز "طعام الغسلين والغساق"، والغسلين والغساق بمعنى واحد، وهو ما يسيل من جلود أهل النار من القيح والصديد، وما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم...
الحمد لله الذي جعل النار مثوى للكافرين، وعاقبة المجرمين والمتكبرين والمتجبرين، فهو الحكم العدل شديد العقاب وأحكم الحاكمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي حذر وأنذر، وأخبر أن جهنم مثوى الظالمين، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أئمة المتقين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: لقد أعد الله النار لتكون سجنه الذي يسجن فيه المجرمون المكذبون لدينه وشرعه، وعذابه التي يعذب فيها أعداءه المعاندين لأنبيائه ورسله . وهي العذاب الأكبر، والخسارة الأعظم، والخزي الأمر، الذي لا خزي أكبر منه، والخسارة التي لا خسارة بعدها، وكيف لا تكون كذلك وفيها من النكال ما تعجز الألسن عن وصفه، وتتفجر الأسماع من سماعه، وتخاف القلوب من ذكره.
ويكفي أن الله -جل جلاله- خوف منها، وحذر من شدتها، وذكر أوصافها على وجه الانذار والتخويف، فقال: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران : 131]، وقال عنها: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان : 66]، وقال: (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ) [ص : 56]، وقال: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى) [الليل 14: 15]. وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنه-, قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ" حَتَّى لَوْ كَانَ رَجُلٌ كَانَ فِي أَقْصَى السُّوقِ، سَمِعَهُ، وَسَمِعَ أَهْلُ السُّوقِ صَوْتَهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. [ أحمد (18399) ].
عباد الله: لو أردنا أن نستقصي الحديث عن النار وصفاتها لطال بنا المقام، ولكننا نريد اليوم أن نتحدث فقط عن طعام أهل النار وشرابهم، هذا الطعام الذي لا يغني والشراب الذي لا يروي، هذا الطعام الذي قال الله عنه: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ* لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الغاشية 6: 7].
إن الضريع هو نوع من الشوك من أسوأ الطعام وأبشعه، يأكله أهل النار فلا يفيدهم أكله، ولا تنتفع به أجسادهم، ولا يجدون له لذة البته، فأكله ما هو إلا نوع من العذاب، ومضغه ما هو إلا شقاء فوق الشقاء، كتب الله عليهم أن يأكلوه لا ليشبعهم أو يسد جوعهم، فضلاً عن أن يسمنهم أو يغنيهم من الجوع، ولكنه فقط لون من ألوان التعذيب.
لو قيل لأحدنا كُل من صندوق القمامة أو اشرب من المرحاض لتقزز ورفض بكل شدة وأنفه، فكيف لو قيل لك: إن أكلك هو شوك -إنه شوك تذكروا الشوك وإبره وقسوته- وليس أي شوك فهو شوك عظيم من نار يتجرعونه كالجمر، ويأكلونه كالمر، وغصباً عنهم يأكلونه، ولولم يأكلوه لجاعوا، فإذا ذاقوا مرارة الجوع وبلغ بهم أشده بحيث تلتهب أكبادهم وتتقطع أفئدتهم من الجوع اضطروا إلى أن يأكلوا هذا الشوك، فيزيدهم أكله نكالاً وعذاباً، لأن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد الجوع ويزيل عن صاحبه ألمه، وإما أن يسمن البدن من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه من هذين الأمرين شيء، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة, نسأل الله السلامة ولعافية.
وليس هذا الشوك هو طعامهم الوحيد، وإنما هناك ما هو أشد وأبشع من الشوك، إنها شجرة كاملة يأكلون منها سماها الله -سبحانه وتعالى- "شجرة الزقوم". هل سمعتم وصفها؟ هل سمعتم عن بشاعتها؟ هل قرأتم وصف الله -سبحانه وتعالى- لها؟ يقول الله -جل وعلا-: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) [الصافات62 : 67]. ويقول ترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ) [الإسراء: 60]، قَالَ: "هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ" [البخاري (3888) ].
ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه الله برؤوس الشياطين، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي الزيت، فيجدون لذلك الآماً مبرحة، فإذا بلغ الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، فعند ذلك يقطّع الحميم أمعاءهم، هذا نوع من طعامهم في ذلك اليوم العظيم، أعاذنا الله من النار وأهلها.
أيها المسلمون: هل تظنون أن أهل النار عندما يأكلون طعامهم يأكلونه بسهولة ويسر؟ كلا والله؛ إنهم يأكلونه وهو يغص في حلوقهم، ويقطع أمعاءهم، ويفتت أكبادهم، يغص غصاً في حلوقهم، ويقف في حناجرهم، فلا يهتضم لهم بسهولة، ولا يبتلعونه بيسر، فإذا ابتلعوه بشدة ومشقة بالغة عذبهم العذاب الأكبر، وقطع أمعاءهم إرباً إرباً، يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) [المزمل 12: 13].
ومن طعام أهل النار الذي ذكره الله في كتابه العزيز "طعام الغسلين والغساق"، والغسلين والغساق بمعنى واحد، وهو ما يسيل من جلود أهل النار من القيح والصديد، وما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم، فهو كما قال الإمام القرطبى -رحمه الله-: "عصارة أهل النار" [يقظة أولي الاعتبار (86) ]. "وَإِنَّمَا يطعم أهل النَّار الغسلين لأَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَا يرَيدون أَن يغتسلوا من الْجَنَابَة، وَلَا يتوضؤوا للصَّلَاة، فيحرق الغسلين مَوَاضِع الْوضُوء والاغتسال، وَمَا سقط مِنْهُ أطعموه إِيَّاه جَزَاء بِمَا ضيعوا فِي الدُّنْيَا من حُقُوق الله تَعَالَى" [ بستان الواعظين ( 1 / 115 ) ].
يقول الله -سبحانه وتعالى- في وصف هذا النوع من الطعام: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) [ص 57: 58]، ويقول: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الحاقة 35: 37]، نعوذ بالله من النار ومن طعام أهل النار. يقول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: الغساق: "القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهرق في المغرب، لأنتنت أهل المشرق، ولو أهرقت في المشرق، لأنتنت أهل المغرب".
وهناك قوم من أهل النار يطعمهم الله جمر النار، ويجعل أكلهم هو الجمر، وهم أصحاب الذنوب العظيمة الذين قال الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء : 10]، وأيضاً الذين يكتمون العلم ويخفون الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة : 174].
فاتقوا الله -عباد الله- واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، واحذروا من طعامها وشرابها، وكلوا في الدنيا كل ما هو حلال وطيب، حتى يجنبنا الله طعام النار المر، وشرابها الحار.
تفنى اللذاذة ممن نال لذتهــا *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتهــا *** لا خير في لذة من بعدها النــار
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف : 20] ويقول: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة : 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الغني الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحميد، شهادة نرجو بها النجاة من نار أخذها شديد، ونؤمّل بها من فضله المزيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من صالح العبيد.
عباد الله: تحدثنا في الخطبة الأولى عن طعام أهل النار وغصته وبشاعته، ونتحدث في هذا المقام عن شراب أهل النار الذي يشربونه في النار. إنهم يعيشون في النار، وطعامهم من نار، وشرابهم من نار، ولباسهم من نار، ومن فوقهم نار، ومن تحتهم نار، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر 36: 37].
لقد ذكر الله في كتابه العزيز أنواعاً من أشربة أهل النار، وتحدث عن عدد من المشروبات التي يشربها أهل النار في النار، فمن هذه الأشربة: شراب الحميم الذي يقول الله عنه: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد : 15]، ويقول: (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) [الأنعام : 70]، ويقول: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ) [الحاقة : 35]، وقال: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : 44].
والحميم هو الماء الحار الذي تناهى حره، واشتد غليانه، وارتفعت حرارته، لأنه يستخرج من عين آنية، أي من عين اشتد حرها وتناهت حرارتها، فليس بعدها ما هو أشد حرارة منها، (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان 48: 49].
ومن شراب أهل النار في النار الصديد، يقول الله -تبارك وتعالى-: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : 16] والصديد هو ما يسيل من لحم الكافر وجلده وما يخرج من جروحه من القيح والدم والعفن، وقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ" [ مسلم (2002) ].
ومن أنواع الشراب الذي يشربونه في النار شراب المهل، الذي قال الله عنه: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف : 29].يقول سعيد بن جبير -رحمه الله-: "إذا جاع أهل النار، استغاثوا من الجوع، فأغيثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فانسلخت وجوههم، حتى لو أن ماراً مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم، فإذا أكلوا منها، ألقي عليهم العطش، فاستغاثوا من العطش، فأغيثوا بماء كالمهل، والمهل: الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم، أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم، ويضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله، يدعون بالثبور" [ التخويف من النار (1 / 145) ].
فلنستعذ بالله من النار، ولندعو الله دائماً وأبداً أن يقينا النار، وأن يرزقنا الجنة ونعيمها، فإنه والله لا طاقة لنا بالنار ونكالها وجحيمها، ولهذا فإن سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- كان كثير منهم، إذا ذكر عنده طعام أهل النار وشرابهم نغص عليهم طعام الدنيا وشرابها، حتى يمتنعوا من تناوله أحياناً لذلك، فقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فلا أشتهيه"، وروى شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: "أتي عبد الرحمن بن عوف بعشائه، وهو صائم، فقرأ: (إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما) فلم يزل يبكي، حتى رفع طعامه، وما تعشى، وإنه لصائم". [ التخويف من النار (1 / 155) ] فرحماك ياربنا بنا.
ألا أيها المقصود في كل حاجتي *** شكوت اليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي *** فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
أتيت بأعمال قباح رديئة *** وما في الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى *** فأين رجائي ثم أين مخافتي
يقول عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" [ البخاري (1417) ].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي