قوا أنفسكم وأهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم، وتوجيههم إليها، وتشجيعهم عليها، وأن تكونوا قدوة صالحة لهم فيها، بينوا لهم الحق ومنافعه، ومروهم به، وكونوا لهم أئمة في السبق إليه والمداومة عليه، وحذروهم من الباطل وبينوا لهم سوء عواقبه ومضاره وشؤمه على أهله وأخطاره ..
الحمد لله الذي منَّ على عباده بالأموال والأولاد، وابتلاهم بذلك ليتبين من يشكره على هبته إياهم، فيأمرهم بطاعة الله، ويصونهم من الفساد، ممن يهملهم ويفرط فيهم، فيشقى بهم في الدنيا ويخسرهم يوم التناد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العفو الغفور (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49-50].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعباد، الذي دعا في كل أمر إلى الهدى والرشاد، وحذّر من كل قول أو عمل أو اعتقاد يفضي بصاحبه إلى الفساد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان في القول والفعل والحال، وسلّم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى في كل حال، واشكروه على ما آتاكم من الأنعام والأفضال، واشكروه سبحانه على أن وهبكم أزواجاً وأولاداً، وأمركم أن تجاهدوهم في الله جهاداً، فإنكم رعاة فيهم ومسؤولون عنهم، فجاهدوهم على ما يصلحهم في الدنيا ويوم الدين، ويجعلهم لكم قرة عين، تكونوا لله شاكرين، ولأنفسكم ناصحين، وبثمرات جهادكم متمتعين في الدارين.
لعل الله تعالى أن يجعلكم ممن قال الله فيهم: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24].
أيها الناس: إن الله تعالى قد أوجب عليكم وقاية أنفسكم وأهليكم من النار، وذلك بتقواه سبحانه في سائر الأحوال، والقيام بحسن الرعاية والتأديب بأحسن الأقوال والأعمال والأحوال فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
فامتثلوا ما أمركم به الله، ونصحكم في حق أنفسكم وأهليكم، ولا تسوِّفوا فتفرطوا فيفاجئكم الموت على حين غرة وأنتم على غير استعداد فتكونوا عرضة لجهنم، فإنها بئس المهاد، بل اجعلوا لكم دونها وقاية من تقوى الله بامتثال أمره واجتناب نهيه فإنها نعم الوقاية وخير الزاد.
عباد الله: قوا أنفسكم وأهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم، وتوجيههم إليها، وتشجيعهم عليها، وأن تكونوا قدوة صالحة لهم فيها، بينوا لهم الحق ومنافعه، ومروهم به، وكونوا لهم أئمة في السبق إليه والمداومة عليه، وحذروهم من الباطل وبينوا لهم سوء عواقبه ومضاره وشؤمه على أهله وأخطاره، ولا تقترفوه أنتم أو تتسامحوا فيه بعبارة أو إشارة.
لقنوا أولادكم وأهليكم أصول الإيمان المذكورة في القرآن وما جاء عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من بيان، فعلموهم الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح والأركان.
وألزموهم بأركان الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج مرة مع الاستطاعة إلى بيت الله الحرام.
مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وعلموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون، وماذا يقولون في صلاتهم، وماذا يفعلون، وهكذا في سائر أمور الدين في كل مناسبة وحين، بينوا لهم ماذا يفعلون، وماذا يجتنبون، وكيف يفعلون، وكيف يتركون.
أيها المسلمون: اغرسوا في قلوب أبناءكم وأهليكم محبة الله وتعظيمه، وبينوا لهم نعمه على الجميع الظاهرة والباطنة، العامة والخاصة، وعظيم ألطافه عند الشدائد، وأنواع جوده وآلائه؛ لترسخ في قلوبهم محبة الله ويرسخ فيها الإيمان به، فإن ذكر النعم يحبب المنعم إلى القلوب.
وحدثوا أبناءكم وأهليكم بسيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من الخلق العظيم، وما جاء به من الدين القويم، وما حصل على يديه لأمته من الخير العظيم، والتخصيص بمزيد التكريم من الرب الكريم، وبينوا لهم أنه صلى الله عليه وسلم هو الرسول المطاع والإمام الواجب الاتباع، وأنه يجب تقديم محبته وأمره على جميع المخلوقين، فلا يؤمن أحد حتى يكون صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، ولا يؤمن أحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به، ومن عمل عملاً ليس عليه أمره فهو رد.
واذكروا لأبنائكم وأهليكم سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا عليه رضي الله عنهم من صدق الإيمان بالله تعالى، وكمال الإتباع لرسوله المصطفى، وما كانوا عليه من الأخلاق الكريمة، وما قاموا به من الأعمال العظيمة من العبادة والجهاد، وبذل المال طلباً لمرضاة رب العباد، حتى أظهر الله بهم الإسلام، وحقق بهم الإيمان، وكسر بهم الأوثان والأصنام، فقد جاهدوا رضي الله عنهم المشركين كافة، حتى لا تكون فتنة وكان الدين كله لله، فهم حقًّا العظماء النبلاء الذين فازوا بقصب السبق في أعمال الدنيا والآخرة، وحسبهم شهادة الله لهم بقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].
أيها المؤمنون: وعلموا أولادكم الصدق في الأقوال والأعمال، فإذا حدثتموهم فاصدقوا، وإذا وعدتموهم فأوفوا، ولا تقروهم على كذب أو خلف، ورغبوهم في أداء الأمانة، وازجروهم عن الخيانة، وعودوهم الإحسان إلى الخلق، وفعل المروءة، وحذروهم من الاعتداء والظلم، وأصِّلوا في قلوبهم محبة المؤمنين، ومحبة الصلح بين المتخاصمين، والنجدة إلى إغاثة الملهوفين ونصرة المظلومين، وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا متحابين متآلفين متوادين، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. وأصِّلوا في قلوبهم بغض الأخلاق الذميمة؛ كالبخل والجبن والكسل والغش والخيانة ونحو ذلك من سجايا الأشرار.
ونشِّؤوهم على بغض وعداوة الكفار لما هم عليه من الكفر والشرك والإلحاد، وفروع تلك العقائد من أخلاق أهل الفساد، ولما يسعون إليه من الإفساد، واذكروا لهم النصوص على ذلك من الكتاب والسنة، وبينوا لهم عداوة الكفار لأهل الإسلام، وما فعلوه من العظائم والفتن في مختلف الأيام، وحذروهم من التشبه بالكفار وسائر الأشرار، فإن التشبه في الظاهر ينتج عنه ميل في الباطن، ومن تشبه بقوم فهو منهم، ومن تشبه بقوم حشر معهم.
عباد الله: اجتهدوا في تربية أبنائكم على نحو ما جاء في الكتاب والسنة، وما أثر عن السلف الصالح من هذه الأمة، وليعلم الله منكم الإخلاص لوجهه، وحسن الظن به، والصدق في طلب فضله، يؤتيكم الله من فضله فوق ما تأملون، ويؤمنكم مما تحذرون، ويجمعكم بأولادكم وأهلكم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ورزقنا الاهتداء بما فيه من النور والبينات، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين، فإنه سبحانه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي