مبادئ الإسلام في الحرب والسلام (1)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. ضلالات إعلامية كاذبة عن الحضارة الغربية .
  2. مآسي الحروب الغربية وافتقادها للمبادئ والأخلاق الإنسانية .
  3. حقد الإنسان الغربي ورغبته في الانتقام .
  4. انهيار في المبادئ الأخلاقية الإنسانية .
  5. كذب الإعلام وتشويهه للحقائق .
  6. مفهوم الإسلام ومنهجه في العلاقات بالناس في السلم والحرب.
  7. كراهية الإسلام للحروب .

اقتباس

الحضارة الغربية المعاصرة في شكلها الظاهر جميلة ومرتبة ومنظّمة ومتطورة ومؤدبة، مظهرها جميل في الخارج، لكن ما أن تمس مصالحها أو يفوتها شيء من المصالح أو تقوم حسب قاموسها دواعي الحرب إلا وتحولت وحشًا كاسرًا لا يعرف الرحمة ولا شيء منها. ولكن سيطرة الإعلام على الذهن الإنساني تجعله يرى الأشياء على غير حقيقتها، الإعلام اليوم إلا من رحم الله يشوّه الحقائق ويكذبها ويكذب ويتحرى الكذب ويكرره حتى يقنع الناس بصدق الكذب وفي النهاية فعلا يصدقونه.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: يتعجب كثيرًا من الناس من مستوى الهمجية والوحشية التي يمارسها اليهود في غزة ويتعجب الكثير منهم من الرضا الغربي والسكوت عما يرتكبونه من مجازر، وما هذا التعجب إلا بسبب الظن الحسن لما يتمتع به الغرب من عدالة وإنسانية وهو ما ثبته الإعلام الغربي في العقلية العربية حتى وصل الكثيرون إلى مثل هذا الظن الحسن بالحضارة الغربية.

وفي ظل النفوذ الإعلامي الذي شكّل وما زال يشكّل عقول الناس وأفكارهم وتصورهم للأمور وتصورهم للأحداث تشكيلاً محكمًا ومتوارثًا نحتاج أن نخرج من دوامة الإعلام ونتأمل في الحقائق التاريخية الحيادية التي تحكي الواقع كما هو على الطبيعة بدرجة مقبولة من المصداقية، ومن ثَم يكون تصورنا أصح وأعقل.

أيها الأخوة: يمتد تاريخ الحروب بين البشر لآلاف السنين يقصد من وراء تلك الحروب كما هو المعهود فيها جني المصالح المادية المتعددة، وتحقيق التفوق السياسي أو الاستحواذ على السلطة أضف على ذلك ما صاحبته العديد منها من أغراض دينية.

ولكن المتأمل يلحظ أن معظم تلك الحروب افتقدت للمبادئ والأخلاق الإنسانية قتل فيها ملايين البشر بحق وبغير حق، حروب الرومان وما قبل الرومان، حروب المغول، حروب الصينيين واليابانيين، الحروب الصليبية، حروب المهاجرين الأوروبيين مع سكان أمريكا الأصليين ما يسمون بالهنود الحمر والمذابح الرهيبة التي ارتكبها الرجل الأبيض في حق أولئك.

عشرات الملايين من الهنود الحمر رجالا ونساءً وأطفالاً وعلى رفاتهم وأشلائهم تشكلت أمريكا، وكذلك ما تعرض له سكان أستراليا الأصليون ما يسمون الأبوريجين من شبه الإبادة من قبل البريطانيين المحتلين من أستراليا.

وشهد القرن المنصرم شهد كذلك حربيين عالميتين استغرق في الأولى أربعة أعوام والثانية ستة أعوام أي عشرة أعوام كاملة من الحرب الوحشية الطاحنة أُبيد فيها عشرات الملايين من البشر، في الأولى أكثر من 16 مليون إنسان منهم أكثر من 7 ملايين إنسان مدني لا علاقة له بالحرب، وفي الثانية أكثر من 80 مليون إنسان، ولم يكن القتلى من المحاربين فقط بل حتى من الأطفال والرجال والنساء غير المحاربين.

وتميزت الحرب الثانية من الحربين بأفظع عمليات التدمير التي لم تكن كلها لغرض حربي بل كان بعضها بسبب حقد الإنسان ورغبته بالانتقام.

فعلى سبيل المثال حتى بعد أن تقررت نتيجة الحرب وبان الجانب المنتصر فيها جرى قصف مدمر شامل دون تمييز لمدن مثل درسدن الألمانية وهيروشيما ونجازاكي اليابانيتين.

لقد كان استخدام القنبلة النووية في تدمير هيروشيما ونجازاكي إيذاناً بحلول عصر جديد من الرعب يواجه البشرية، ولما رأى العالم رأي العين أكثر من 140 ألف من المدنيين يقضى عليهم بضربة واحدة في هيروشيما أدرك مدى الخطر الذي يهدد وجود الإنسان، وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى اتفق الناس على أن الإنسان أشرف على عصر جديد من عصور الحضارة، عصر أزمة مفزعة شاملة قربت بين شعوب العالم لكن بشعور الخوف المستتر الذي يستولي على القلوب.

قد تمثل بعض من ذلك فيما حصل في فيتنام من حرق للبشر بقنابل النابالم وارتكاب مذابح رهيبة للمدنيين.

البشر ما لم تحكمهم شريعة سماوية ترتقي بهم وتهذّب أخلاقهم وتبعث الخوف في نفوسهم من حساب يوم القيامة وعاقبة الظلم الوخيمة فلن تتروض نفوسهم ولن تكفّ عن الظلم ولا عن القتل بغير حق ولا عن الاغتصاب ولا سحق الضعفاء بكل وحشية.

ولقد قال تعالى (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]، لقد رأى كثير من مفكري الغرب أنه بسبب اختلال التوازن بين التقدم المادي والتقدم الروحي حصل انهيار في المبادئ الأخلاقية الإنسانية.

في هذا المعنى كتب الفيلسوف اللاديني برتراند رسل: "لم يعد للمذاهب العقدية ولا القواعد التقليدية للأخلاق والسلوك سلطانهما الذي كان لهما من قبل، كثيراً ما يستولي الشك على قلوب الناس فيما هو خير وما هو شر"، ليس هناك سلطان أصلاً على الأخلاق والسلوك.

هكذا هي الحضارة الغربية المعاصرة في شكلها الظاهر جميلة ومرتبة ومنظّمة ومتطورة ومؤدبة، مظهرها جميل في الخارج، لكن ما أن تمس مصالحها أو يفوتها شيء من المصالح أو تقوم حسب قاموسها دواعي الحرب إلا وتحولت وحشًا كاسرًا لا يعرف الرحمة ولا شيء منها.

هذه هي الحضارة الغربية المعاصرة إلا ما قل وندر ممن لهم ضمير ممن يتكلمون خلاف ذلك.

ولكن سيطرة الإعلام على الذهن الإنساني تجعله يرى الأشياء على غير حقيقتها، الإعلام اليوم إلا من رحم الله يشوّه الحقائق ويكذبها ويكذب ويتحرى الكذب ويكرره حتى يقنع الناس بصدق الكذب وفي النهاية فعلاً يصدقونه.

ولهذا ينبغي للحقيقة أن تظهر على وجهها، ولعلنا في هذا الصدد نعرض لمفهوم الإسلام ومنهجه في العلاقات بالناس بالسلم والحرب حتى ندرك الفرق بيننا وبينهم.

معاشر الإخوة: العدل هو القاعدة الأساسية في تنظيم علاقة المسلم بغيره.

في القرآن ورد الأمر بالعدل والإشادة بالمنصفين والمتصفين به، والنهي عن الظلم والتشنيع على مرتكبيه في أكثر من ثلاثمائة وخمسين موضعًا، وقد يعبّر عن العدل أحيانًا بالقسط وإقامة الميزان، أو ما يدل على هذا المعنى، كما يعبر عن الظلم بالبغي والعدوان والبخس والطغيان.

العدل في الإسلام -أيها الإخوة- قيمة مطلقة ذات ميزان واحد يلتزم به المسلم كواجب أساس مستقر في المنشط والمكره، وفي حالة الصداقة والعداوة، وفي القول والعمل، وفي الفعل والترك، الله –تعالى- يعلم ما طبع النفوس عليه وجعل للإنسان الخيار في تهذيب نفسه أو إفسادها، هو يختار (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) [الشمس: 7]، وابتلاه بما يخالف هواه فحذّره من الحيف، وأمره بالعدل في كل حال، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].

ولم يكن أحد أعدى للمسلمين من الذين صدوهم عن المسجد الحرام وقاتلوهم وأخرجوهم من ديارهم ومع ذلك قال تعالى في آية أخرى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].

يهددهم يحذرهم الله -عز وجل- مع أنهم أخرجوا من المسجد الحرام لكن العدوان لا، إنما هو العدل، العدل مطلوب في القول والعمل (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام: 152]، تتكلمون بما يخالف هوى ذا القربى إذا كان هذا عدل.

بل إن الإسلام ليسموا إلى ما هو أكبر من العدل، فإن العدل في الحقيقة هو الحد الأدنى في معاملة المسلم لغيره؛ ولذلك فإن الإسلام يدعو أهله إلى مجاوزة العدل إلى درجات أعلى منه، فإذا كان العدل يتحقق بالمعاملة بالمثل، فإن المسلم مدعو في القرآن والسنة إلى الصبر والعفو ومقابلة السيئة بالبر بالإحسان.

قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:39- 43].

لاحظوا كيف قال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، ثم أعاد المعنى مرة أخرى في نهاية الآيات فقال: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:109]، وقال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34- 35].

وفي وصف عباد الرحمن قال سبحانه (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان: 63]، هذا هو الإسلام في أنموذجه الأكمل الكامل، عدل في جميع الظروف لا بل فوق العدل، الإسلام إحسان وعفو وصفح ما لم يكن حدًّا أو حكمًا شرعيًّا.

وعلى هذه القاعدة الأساسية –أي: العدل- تُبنَى أحكام العلاقات الدولية في الإسلام سواء في حالة الحرب أو في حالة السلم.

أيها الإخوة: أما في حالة الحرب فإن نصوص القرآن تدل على أن أشنع عمل للإنسان في علاقته بغيره هو سفك الدماء وإرادة العلو في الأرض والفساد فيها، قال سبحانه (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) [البقرة: 30]، وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32]، وقال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء:4]، وقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة:205]، وقال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [الإسراء:33].

وفي وصف المستحقين للجزاء الأخروي الحسن قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]. وقال تعالى: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:85]، وفي التشنيع على فرعون قال تعالى: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس:83]، وقال أيضًا جل جلاله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:4].

الفساد منهي عنه في الإسلام وبشدة (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) [الرعد: 25]، وفي ذم اليهود قال سبحانه: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:64]، وهناك آيات أخرى مشابهة.

فذم القتل بغير حق والعلو في الأرض والفساد فيها ورد في القرآن في أكثر من مائة وعشرين موضعًا بعد كل ما سبق كان من الطبيعي أن تكون الحرب في الإسلام مكروهة في الجملة ينبغي ما أمكن تفاديه، وفي المعنى جاء الحديث الشريف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- جاء بهذا المعنى قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا" (متفق على صحته).

وكان من الطبيعي أيضًا ألا يسمح الإسلام بالحرب إلا في حال الضرورة الشرعية في هذا الحال تحكم الحرب مبادئ ترتكز على القيمة الأساسية وهي العدل فما هي هذه المبادئ؟!

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا إنه سميع مجيد، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

وبعد: فإن المبادئ التي تحكم الحرب في الإسلام تتلخص في ثلاثة مبادئ تضمنتها الآية الكريمة: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190].

بالنظر إلى الآية نرى أن المبدأ الأول أن يكون القتال في سبيل الله، ولذلك يجب أن يكون القصد خالصًا صافيًا من كل شائبة، وأن تكون كلمة الله هي العليا والمصلحة الشخصية أو القومية لا تبرر الحرب ولا الغزو الذي كان يجري قديمًا بين القبائل المسلمة في جزيرة العرب.

كل هذا كان من الظلم والعدوان الجاهلي ومن السلب والنهب المحرم، ولذلك نرى ذلك المبدأ واضحًا في القرآن عند الحديث عن موضع القتال والجهاد، ونادرًا ما يرد في القرآن هذا الموضع دون تقييده بأن يكون في سبيل الله وأحيانًا يكون مقرونًا بالتقوى كما قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:36].

التقوى اصطلاح قرآني لا يوجد له مرادف في اللغة العربية، وربما لا يوجد في غيرها في اللغات على حد سواء.

حقيقة التقوى أنها درجة عالية من الحساسية الخُلقية تجعل الإنسان يتصرف في حياته وأوامر الله ونواهيه أمام عينيه، هكذا يتصرف بحيث يشعر أن الله يراقبه في تصرفه ويراه وأنه تعالى إليه المآب والمصير، فكيف سيكون تصرفه مع عدوه إلا بالعدل حينئذ بلا إسراف ولا غلو.

وللحديث تتمة إن شاء الله..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح قلوبنا يا رب العالمين..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي