توكلنا على التورك، توكلنا على البنوك، توكلنا على الإيجار المنتهي بالتمليك، فوكلنا الله إلى ما توكلنا إليه، أما أولئك فتوكلوا على الله حقًّا وفوَّضوا الأمر إليه صدقًا فأتاهم رزقًا رغدًا من كل مكان.. فهل توكلنا على الأسباب، وأغرقنا في الأخذ بها ونسينا مسبب الأسباب جل وعلا، والنبي -عليه وآله الصلاة والسلام- يقول: "من نزلت به فاقة، فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل" رواه الترمذي.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: ما أحوجنا إلى هذا الإكسير الذي أود أن أذكِّر نفسي وإياكم به..
العالَم يشتكي أن الداء العضال الذي وقف عنده الأطباء والخبراء والعلماء، وقفوا عنده والحيرة تمتلكهم والدهشة هو نقص المناعة المكتسبة، لكنني أشعر أن أمتنا تشتكي من نقص مناعة أخرى، نقص قضية لا بد أن تكون قائمة بالقلب -أيها الإخوة- ولا شك، وهذا من باب الإقرار بالواقع، والتشخيص الصحيح لِنَصِفَ الدواء الصحيح، عندنا نقص في قضية مهمة ألا وهي قضية التوكل.
التوكل الذي هو أخص خصائص صفات المؤمنين، قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
قال الحافظ ابن كثير: "لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكان في مقدمة هؤلاء المؤمنين حقًّا والمتوكلين صدقًا الأنبياء والرسل الذين قالوا: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم: 12].
التوكل شعار الأنبياء، ودثار الأولياء، نوح -عليه السلام- يقول لقومه: (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) [يونس:71].
هود -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- يقول: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [هود:56]، شعيب يقول: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود:88].
ومن سادات المتوكلين ومن أئمة أهل التوكل إبراهيم -عليه وعلى نبينا أذكى الصلاة وأشرف التسليم-، خرج من أرض كنعان من بلاد الشام ولّى وجهه شطر أرض لا يعرفها إلا أن الله -عز وجل- بوأه ذلك المكان بوادٍ غير ذي زرع لا يُعرَف فيه، لا يرى فيه شجرًا، ولا يجد فيه ماء، لكن الله -عز وجل- أمره أن يترك زوجه وولده هناك، فتوكل على الحي الذي لا يموت، وترك هاجر وإسماعيل، ليس معهم إلا جراب فيه قليل من تمر، وسقاء فيه شيء من ماء، ثم تركهم إبراهيم ورجع.
هاجر تتبعه: يا إبراهيم! يا إبراهيم! وإبراهيم لا يلوي على شيء، يا إبراهيم، يا إبراهيم وإبراهيم لا يلتفت إليها، فلما أبعد في المسير قالت له هاجر: "يا إبراهيم آلله أمرك أن تتركنا ها هنا؟" لم يلتفت إليها إبراهيم، اللهم إلا أنه حرّك رأسه قائلاً: أي نعم، قالت هاجر -عليه السلام- "إذاً لا يضيعنا الله".
لا تدري أتعجب من توكل إبراهيم أم من تسليم هاجر، قالت: "إذاً لا يضيعنا الله".
كن عن همومك معرضاً *** وكِــلِ الأمور إلى القضـا
وأبشر بخير عاجل *** تنسى به ما قــد مضى
وربما ضـاق المضيق *** وربـما اتسع الفضـا
الله يفعـل ما يشـاء *** فـلا تكــن معتـرضـا
الله عـوَّدك الجميل *** فقـس على مـا قد مضى
ألله أمرك أن تتركنا هنا؟ أومأ برأسه أي: نعم، قالت: "إذا لن يضيعنا الله".
أورد الحافظ ابن كثير في السيرة أن جبريل نادى هاجر وهي على المروة قال لها: "من أنت؟" قالت: "أنا أم ولد إبراهيم"، لم تقل أنا هاجر؛ لأن هاجر لا تُعرَف، أما إبراهيم فله صوت في السماء معروف تعرفه ملائكة السماء ويعرفه رب السماء، قالت: "أنا أم ولد إبراهيم"، قال لها: "وإلى من وكلكم إبراهيم؟" قالت هاجر: "وكلنا إلى الله"، قال جبريل: "وكلكم إلى كافٍ، أليس الله بكاف عبده"؟!
أليس الله بكاف عبده؟ إي: والله بلى إنه كافٍ عباده، إنه ناصرهم ومؤيدهم..
قال منصور بن عمار "قلوب المتوكلين أوعية الرضا"، ومن المتوكلين وساداتهم أم موسى ابن عمران، أوحى الله لها أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم.
يا لله! إذا خفت عليه فألقيه في المخافة، إذا خفت عليه فألقيه في اليم مظنة الهلاك والمخافة، (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]، فأرضعته الأم الرءوف، ثم جعلته في تابوت، وألقته في البحر وهي تعلم أن فرعون لو وقع عليه فسيقتله أسوةً بأولاد بني إسرائيل، لكن هذا العلم السابق ذهب أدراج الرياح لم يعد شكًّا ولا ظنًّا، ذهب أدراج الرياح مع سفينة التوكل التي امتطاها موسى الرضيع الطفل الذي لا يحرّك ساكنًا ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا.
ذهبت السفينة بأمر الله، التقطه آل فرعون الذين يقتلون الأبناء ويستحيون البنات، فإذا بهم يكفلونه ويرعونه ويلتمسون له المرضعات.
وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نَمْ، فالحوادث كلهن أمان
وصدق الله موعوده وصدقت أم موسى في توكلها (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].
اليأسُ يقطعُ أحياناً بصاحِبِه *** لا تيأسنَّ فإنَّ الفارجَ اللهُ ..
اللهُ حَسْبُكَ مِمَّا عُذْتَ منهُ بهِ *** وأين أمنعُ مِمَّن حسبه اللهُ ؟!
اللهُ يُحْدِثُ بعْدَ العُسْرِ ميسرةً *** لا تجزعنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ
موسى -عليه الصلاة والسلام- أرضع التوكل قبل أن يُلقى في اليم، فسار من سادات المتوكلين، خرج مع بني إسرائيل، هرب من فرعون وجنوده فما لبث حتى أدركه فرعون يقول أهل التاريخ والسير بجيش عرمرم يُرى أوله ولا يُرى آخره، بل بالغ بعضهم في ذكر عدد هذا الجيش حتى قالوا: إنه يبلغ ألف ألف جندي.
نظر موسى بن عمران، فإذا البحر أمامه، ونظر من خلفه فإذا الجيش من خلفه، قال بنو إسرائيل: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء: 61]، موسى تذكر اليم وفرعون والسيف والقتل وأدرك أن عناية الله لاحظته منذ الصغر فقال: كَلَّا (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
ألا إن من وصايا لقمان لابنه: "يا بني الدنيا بحر عميق قد غرق فيه أناس كثير، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله، وحشوها العمل بطاعة الله -عز وجل-، وشراعها التوكل على الله لعلك أن تبحر".
توكل على الله في النائبات *** ولا تبغِ فيها سواه بديلا
وثق بجميل صنيع الإله *** فما عوَّد الله إلا جميلا
عن جابر -رضي الله عنه وأرضاه- يحكي سيرة إمام المتوكلين أصدق المتوكلين توكلاً، أكثر المتوكلين تفويضًا إلى الله محمد سيد المتوكلين -صلى الله عليه وسلم-، يقول كنا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في غزوة ذات الرقاع، فكنا إذا وجدنا شجرة ظليلة تركناها للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، نام النبي -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة وعلق سيفه بغصن من أغصانها، ولم ينتبه -صلى الله عليه وسلم- ورجل من المشركين وجد النبي نائمًا بدون السيف والسلاح، فأخذ السيف وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا محمد! من يمنعك مني الآن؟!
ترعد النبي عليه الصلاة والسلام! خاف -صلى الله عليه وسلم- ! استنجد بالأصحاب! كلا، وما ينبغي له ذلك، والله يقول له: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء: 81]، إن الله حسبك، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الله" لم يزد عليها، من يمنعك مني يا محمد؟ قال: "الله"، فسقط السيف من المشرك، فتناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أقبل على رأسه وقال "من يمنعك مني الآن؟" قال للنبي عليه وآله الصلاة والسلام "يا محمد حسن العهد" أو كما قال "كن خير آخذ يا محمد"، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤمن، فأبى الرجل وعاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يقاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطلقه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يسير وليس معه في طريق الهجرة إلا أبو بكر وعبد الله بن أريقط في رحلة طويلة تمتد من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة قريبًا من أربعمائة كيلو متر، وقريش قد أرسلت عيونًا والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسير بينما هو كذلك إذا بسراقة بن مالك يريد النَّيْل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل خاف النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! لا.
لا دروع سابغات لا قنـا *** مشرعـات لا سيوف منتضاة
قـوة الإيمـان تغنـي ربها *** عن غرار السيف أو سن القناة
ومن الإيمـان أمـن وارف *** ومن التقوى حصـون للتقـاة
لذا علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتوكل على الله في شأننا كله، كان من دعاءه " اللهُم لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَي الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِن وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ".
كان من سادات المتوكلين -عليه وآله الصلاة والسلام- حين جاء الناس وأقبلوا و(قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173]، قال الله: (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران: 174]، لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يبث آيات التوكل وأحاديثها هكذا بل كان يطبقها قولاً وعملاً فتلقف عنه الأصحاب هذا التوكل.
صاحَب النبيَّ -عليه وآله الصلاة والسلام- كظله الظليل أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- في موطن لا أشك أن الأمة كلها تجبن عنه إلا أبو بكر، دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس للنفقة جاء الناس بفضول أموالهم وفضول زادهم وفضول طعامهم وفضول مراكبهم حتى دخل من الباب أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- ليُسكت كل متكلم، وليقطع كل حجة نثر الذهب والفضة بين يدي النبي -عليه السلام- قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر ما تركت لأهلك؟" قال: "تركت لهم الله ورسوله".
توكلنا على الرحمن إنا *** وجدنا الخير للمتوكلينا
ومن لبس التوكل لم تجده *** يخاف جرائر المتجبرينَا
قال تركت لهم الله ورسوله، توكل في الرزق، اعتماد على الله في طلب المعاش "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا".
توكلنا على التورك، توكلنا على البنوك، توكلنا على الإيجار المنتهي بالتمليك، فوكلنا الله إلى ما توكلنا إليه، أما أولئك فتوكلوا على الله حقًّا وفوَّضوا الأمر إليه صدقًا فأتاهم رزقًا رغدًا من كل مكان.
إلى الرحمن ترتفع الأيادي *** وليس لغيره نفع العباد
وباب الرزق بالإيمان يُطرق*** إذا أيقنتَ فأبشر بازدياد
وثق بالرب رزاق البرايا *** كما وثقت به الطير الغوادي
إذا خرجت من الأوكار جوعى *** تعود بطونها ملأى بزاد
فهل توكلنا على الأسباب، وأغرقنا في الأخذ بها ونسينا مسبب الأسباب جل وعلا، والنبي -عليه وآله الصلاة والسلام- يقول: "من نزلت به فاقة، فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل" رواه الترمذي.
توكل في الرزق، شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله، فعلمه إبراهيم درسًا في التوكل قال له إبراهيم بن أدهم: "يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوّله إلى منزلي".
توكل على الله في التسليم لحكمه والرضا بقضائه (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) [يوسف: 67]، توكل على الله في دفع أذى المؤذين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين فاتخذه وكيلاً واصبر على ما يقولون، (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم: 12]، (وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب: 48]، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) [الزمر: 36].
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ حَاجَةٍ *** أَرَدْتَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْضِي وَيَقْدِرُ
مَتَى مَا يُرِدْ ذُو الْعَرْشِ أَمْرًا *** بِعَبْدهِ يُصِبْهُ وَمَا لِلْعَبْدِ مَا يَتَخَيَّرُ
وَقَدْ يَهْلِكُ الإِنْسَانُ مِنْ وَجْهٍ أَمِنَه *** وَيَنْجُو بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ يَحْذَرُ
المتوكلون حسبهم الله (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 173- 174].
ما أعظم الجزاء، قالوا حسبنا الله لدفع المضرة، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل، دفع عنهم الضرر وجاءهم الله بالنفع وزادهم على التوفيق توفيقًا، وزادهم على الإيمان إيمانًا، المتوكلون حسبهم الله يدفع عنهم أعين العائنين، ويدفع عنهم حسد الحاسدين ومكر الماكرين ووشاية الواشين؛ لأن حسبهم الله فهو كافيهم مما علموا من الشر ومما لم يعلموا.
بل هو حسبهم حتى من نزغات الشيطان وتوهينه (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99]، علمنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن إذا خرجنا من بيوتنا أن نقول "توكلنا على الله"، فإذا ما توكل على الله قال الشيطان لأخيه الشيطان: "كيف لك بعبد قد كُفي وهُدِي ووُقِيَ؟!".
المتوكلون يدخلون الجنة بغير حساب قال -عليه الصلاة والسلام-: "يدخل من أمتي سبعون ألفًا من غير حساب لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".
اللهم اجعلني وإياكم منهم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من المواعظ والآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يا طوبى للمستغفرين..
الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.
أما بعد: أيها الإخوة: أنا أؤمن أن الكلمة الصادقة تخترق الآفاق، وتصل إلى القلوب والمسامع حين نادى إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- وأذن في الناس بالحج، إنفاذًا لأمر الله -عز وجل- من على ذلك الصعيد لم يكن في العالم ممن يستمتع إليه أحد لكن الله نقل صوته حتى بلّغه الآفاق.
حين كان عمر بن الخطاب على المنبر وقال: "يا سارية الجبل"، نقل الله صوته إلى سارية فانحاز الجيش إلى الجبل فنجا بإذن الله تعالى.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي