فهم كثير من المسلمين خطأ أن المسلم ينبغي أن يكون شديدًا وقاسيًا وغليظاً في تعامله مع الناس من حوله، وخاصة غير المسلمين، حتى أوجد له في هذه الحياة أعداء كُثر على جميع الأصعدة وفي مختلف الجبهات فصَدّ بهذا السلوك عن سبيل الله وعن دينه، ووصلنا مرحلة الإفراط في اعتبار العلاقة مع غير المسلم علاقة حرب يصنع توتراً في النفوس ونفرة شديدة، وانفصالاً وقطيعة لا محل معها لحديث، ولا حوار، ولا شراكة، ولا مصالح متبادلة، ولا تزاوج، ولا جوار...
الحمد لله المتفرِّدِ بالعظمة والبقاء والدوام، يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، ويصرّف الشهور والأعوام، لا إله إلا هو، الخلقُ خلقه، الأمر أمرُه، فتبارك ذو الجلال والإكرام، أحمده –سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه أستغفره، وَالَى علينا نعَمَه، وتابع علينا آلاءه، وبالشكر يزيد الإنعام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدّر الأمور بإحكام، وأجراها على أحسن نظام، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسوله، أفضل الرسل وسيّد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمـــا كثــيرا على الدوام.
أما بعد: عباد الله: يعيش العالم اليوم الكثير من الأحداث والصراعات والفتن، وأصبح الإنسان يبحث عن الراحة والسعادة والأمن والأمان بشتى الطرق، وغدت الحياة الآمنة مطلبًا وغاية صعبة المنال، والمسلم جزء من هذا العالم، ويتأثر بما فيه، ويعاني مما يحدث ويقع فيه، وقد يكون هذا جزءًا من الابتلاء والتمحيص، وقد يكون جزءًا من العقوبة بسبب البعد عن الدين وقيمه وأخلاقه، وأصبحنا جميعاً في خضم ذلك نبحث ونفتش عن إنسانية الإنسان التي فقدها الكثير، فتحولت الحياة إلى غابة وحلبة من الصراع تفتك بكل شيء دون رحمة أو وازع من دين أو خُلق أو إنسانية.
وإذا كان غير المسلم لا يحتكم إلى دين أو لا يلتزم بشرع فتظهر منه الصفات الحيوانية كالقتل والفتك والتدمير وقتل الحياة؛ من خلال الحروب، وافتعال الأزمات بحثاً عن المنفعة والمصلحة، بغض النظر عن الشعارات التي تُرفع، فإن الواقع يكذّبها والأحداث تشهد على ذلك مع وجود بذرة من خير لا تخلوا منها الحياة هنا أو هناك .. فأين هي إنسانية المسلم؟ وهل تصرفاتنا وسلوكياتنا تعكس هذه القيم في نفوسنا؟ وهل اعتنى الإسلام بالمحافظة على إنسانية الفرد حتى لا يتحول رغبة في تحقيق شهواته إلى حيوان مفترس لا يقدر الحياة الإنسانية وكرامة الإنسان؟..
لقد كان من أهداف الإسلام في تحقيق رسالته السامية بناء الروابط ومد الجسور وتقوية العلاقات الإنسانية بين البشر، والدعوة إلى التعارف والتعاون بينهم على اختلافهم في الدين والعقائد والبلدان والجنس؛ لأنه دين عالمي للناس كافة وختم الله به الرسالات فقال –تعالى- مخاطباً جميع الخلق (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
فتَعَدُّد هذه الشعوب ليس للخصومة والهدم؛ وإنما هو مَدْعَاة للتعارف والتوادِّ والتحابِّ، ويؤيد ذلك العديدُ من الآيات القرآنية التي أَمَرَتْ بالسّلْم مع غير المسلمين إنْ أَبْدَوُا الاستعداد والميل للصُّلْحِ والسلام؛ فيقول الله -تعالى-: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [الأنفال: 61]، وهذه الآية الكريمة تُبَرْهِنُ بشكل قاطع على حُبِّ المسلمين وإيثارهم لجانب السّلْم على الحرب، ما لم يكن من وراء هذا الأمر ضياعُ حقوقٍ للمسلمين أو سلبٍ لإرادتهم ..
إن الجهاد والقتال لم يفرض على المسلمين إلا عندما بلغ الأذى منتهاه، وحُورِب الدين وقُتل الإنسان وأُهينت كرامته، وشُرد في الأرض، وظهر الطغيان والظلم واستُعبد الإنسان من أخيه الإنسان، فكان القتال وسيلة من الوسائل لدفع ذلك كله أو بعضه، وإلا فإن الإسلام ينحاز إلى الحياة، ويسعى للسِّلْم الذي يحفظ الحقوق ويصون دين الإنسان وكرامته وماله وعرضه ..
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بمكة بغير قتال، ودخل المدينة بغير قتال، وفتح مكة في نهاية المرحلة النبوية بغير قتال، وسمى الله صلح الحديبية فتحاً مبيناً مع أنه لم يكن فيه قتال ليؤكد رسالة الإسلام السمحة والتي تبحث عن الخير وتقيم الحق بأخف الأضرار وتدفع المفاسد بأفضل الوسائل لتبني حياة آمنة وعلاقات بين البشر تقوم على التعاون والتعارف وتبادل المصالح ..
فالمسلم ليس عدوًّا للناس من حوله، ولا ينبغي أن تكون حياته وتصرفاته وسلوكياته حرباً وجحيماً وعذاباً وعدواناً عليهم أو ظلماً لهم ..لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجسّد السمو الإنساني لهذا الدين، فيخاطب أتباعه ومخالفيه باللين من القول تأليفًا لهم، كما تظهر سماحة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع غير المسلمين في كتبه إليهم حيث تضمنت هذه الكتب دعوتهم إلى الإسلام بألطف أسلوب وأبلغ عبارة ..
وذكر كُتّاب السيرة أن أهل نجران -وكانوا نصارى- لما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخلوا مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوهم واستقبلوا القبلة يصلون صلاتهم".
أيها المؤمنون: عباد الله: لقد جعل الإسلام المعاملة الحسنة واحترام إنسانية الإنسان وتقدير مشاعره وسيلة وطريقة للتعريف بهذا الدين والترغيب به، والدعوة إليه، وكان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على أن يصل هذا الخير لكل إنسان .. روى البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان له غلام يهودي يخدمه فمرض فآتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار"..
وتمر جنازة والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس مع أصحابه فيقف احترامًا وتقديرًا لها فقال أحد الصحابة: إنها جنازة يهودي يا رسول الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أليست نفسًا"(البخاري: 1250) ..
فماذا نقول لمن انحرفت أفكاره وساءت تصرفاته، وغدا نذير شؤم ومعول هدم ليس على غير المسلمين وحسب، ولكن على المسلمين أبناء دينه وجلدته وأمته، فسُفكت الدماء وأُزهقت الأرواح وهُتكت الأعراض وأُهينت كرامة الإنسان، وأصبح التفنن في القتل والتعذيب وإلحاق الأذى وبث الرعب ونشر الخوف والجرأة على الله وحرماته صفةً تُمَارس وسلوكًا ينبئ عن انحطاط قيمي وأخلاقي وإنساني أصاب هذه النفوس ..
لقد قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه وقِيَمه كلها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحِفْظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة، وأمر الإسلامُ أتباعَه بالمحافظة على كرامة الإنسان المسلم وغير المسلم، ووجّه لمراعاة غير المسلمين في مشاعرهم، ونهى عن جَرْح عواطفهم؛ فقال الرب - عز وجل-: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46]، وقال - عز وجل-: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 108]..
نهي صريح عن النيل من الآلهة التي يَعبُدها المشركون من الوثنيين والبوذيين، وكل هذا صونًا لكرامة الإنسان، وحِفاظًا على حريَّته، واحترامًا لمشاعره؛ يقول الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية الكريمة: "لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية .." (تاريخ الرسل والملوك؛ الطبري) ..
وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "وستمرون على قوم في الصوامع رهبانًا يزعمون أنهم ترهبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم" ...
تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : "العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سُمح لهم جميعًا -دون أيّ عائق يمنعهم- بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى".
أو ليس هذا منتهى التسامح؟! وانظروا إلى هذه الصورة الناصعة من تاريخنا تبين الجانب الإنساني في دين الإسلام .. يمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أسواق المدينة فيلقى رجلاً ضريرًا يسأل الناس. ويسأله أمير المؤمنين: من الرجل؟ ويجيب: يهودي من أهل الذمة لا يجد طعامًا .. ويستشعر عمر، الحاكم المسلم، مسؤوليته عن إنسان من أبناء الدولة من أهل الذمة.. ويقول: "ما أنصفناه؛ أكلنا شبابه.. وتركناه في عجزه"، ويجعل له عطاءً من بيت مال المسلمين يكفيه حاجته هو وأمثاله. (الخراج لأبي يوسف ص126) .. ليكون عوناً للإنسان في شيخوخته.. عندما لا يقدر على العمل فيحفظ كرامته.. ويصونه عن الحاجة ...
وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر مَن قِبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه". (الأموال (1/170) ..
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].. هكذا قدر الإسلام إنسانية الإنسان مهما كان دينه أو عقيدة أو جنسه أو لونه.. لقد فهم كثير من المسلمين بسبب سوء التفسير لأحكام الدين وقلة العلم وضعف الالتزام الحقيقي بهذا الدين وعدم دراسة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من مصادرها المعتبرة أن المسلم ينبغي أن يكون شديدًا وقاسيًا وغليظاً في تعامله مع الناس من حوله، وخاصة غير المسلمين، حتى أوجد له في هذه الحياة أعداء كُثر على جميع الأصعدة وفي مختلف الجبهات فصَدّ بهذا السلوك عن سبيل الله وعن دينه، ووصلنا مرحلة الإفراط في اعتبار العلاقة مع غير المسلم علاقة حرب يصنع توتراً في النفوس ونفرة شديدة، وانفصالاً وقطيعة لا محل معها لحديث، ولا حوار، ولا شراكة، ولا مصالح متبادلة، ولا تزاوج، ولا جوار، ولا مجادلة بحسنى ولا بغير حسنى، حتى أصبح البعض يؤصل لعدم جواز النظر إلى وجه الكافر، وكيف كان الرسل إذاً يخاطبون أقوامهم؟!
عباد الله: الإنسان المسالم في أي بقعة من هذا الكون بغض النظر عن دينه وجنسه ولونه الذي لم يعتدِ عليك ولم يحاربك أو كان يعيش في أرضك وبلادك ولم تلقَ منه أذى أو شر أو عداوة يجب أن تحترم إنسانيته وتعامله بالحسنى وتحافظ على دمه وماله وعرضه قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، ولقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قتَل مُعاهَدًا، لم يَرَح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" (البخاري (3166)..
إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض ..
ومن جمال الإسلام وسموه الإنساني أن اختلاف الدين لا يُلْغي حقَّ ذوى القربى .. عن أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنهما- قالت: قدمت على أمي وهى مشركة فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت على وهى راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صليها». (متفق عليه) ..
وإن البرّ والإحسان والعَدْلَ حقٌّ لكل مْنْ لم يقاتل المسلمين أو يُظاهر على قتالهم .. قال الله -تعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8].. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .. قلت قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
عباد الله: إذا كان مطلوب من المسلم أن يحترم إنسانية غيره من أمم الأرض وشعوبها وأن يبني علاقات تقوم على تبادل العلوم والمعارف والمصالح ووسيلة للدعوة والبلاغ فإن المسلم مطالب أشد وأقوى من ذلك بحسن تعامله مع إخوانه المسلمين ويكون أكثر تسامحاً معهم وألين جانباً وأحسن كلاماً وألطف معاملة وأصدق مشاعر معهم .. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) [الحجرات: 10] .. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (مسلم: 2564)..
فأين نحن من هذه التوجيهات الربانية .. لقد نسينا وتساهلنا في تطبيق قيم ديننا وشغلنا بالدنيا فكثرت الصراع والمشاكل والحروب بين المسلمين وسفكت الدماء وحلت العداوة والبغضاء وضاقت علينا الحياة، وتجرأ المسلم على أخيه المسلم طمعاً في مغنم أو تحقيقاً لهوى في النفس أو إرضاءً لرغبات وتنفيذًا لطلبات أعداء هذا الدين الذين يتربصون به ..
وأصبحنا في كثير من الأحيان نهدم الدين باسم الدين، ونمزق الوطن باسم الوطنية، ونزرع التفرقة، ونوجد الخلافات باسم المصلحة، ويقتل المسلم أخاه المسلم ويدمر الحياة باسم الواجب والمسئولية ..
إنه يجب أن نعود إلى الصواب ونغلّب مصالح أمتنا وأوطاننا على مصالحنا وأحزابنا ومذاهبنا، وعلينا أن نتوب إلى الله ونحفظ أخوتنا كمسلمين ونقوي علاقاتنا بالحب والعفو والتسامح ولن يكون للجنة طريقاً نسلكه طالما وقلوبنا ممتلئة بالأحقاد والضغائن والحسد والبغضاء والعداوة .. قال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"( مسلم: 54) ..
طريق الحياة الحب وطريق الجنة كذلك الحب، وفتشوا جيداً عن الإنسانية بين جوانحكم وتعاملوا بها في حياتكم .. فأحسنوا العمل وأخلصوا النيات وثقوا بربكم الذي يقلب الليل والنهار ويحكم في خلقه ويغير من حال إلى حال، وهو أرحم بنا من أنفسنا يحفظ عباده ويدافع عنهم وينتصر لهم ..
نسأل المولى عزّ وجلّ أن يهديَنا جميعاً إلى الحق المبين، وأن يصلح أحوالنا، وينصرنا على أنفسنا وأعدائنا، وأن يحقن دمائنا ودماء المسلمين، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين وأن يتولانا برحمته الواسعة، إنه سميع مجيب.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي