أهمية وفضيلة الزواج, وعوائقه, وأهمية الدورات التأهيلية قبل الزواج

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. النكاح آيةٌ من آيات الله وسنةٌ من سننِ أنبيائه .
  2. في النكاح فوائد عظيمة وغايات حميدة .
  3. أهم العوائق والعراقيل أمام الزواج .
  4. مساوئ تأخير الزواج .
  5. مصائب عضل النساء لأسباب واهية .
  6. أسباب كثرة الطلاق مؤخرًا .
  7. مميزات الدورات التي تُعطى للمقبلين على الزوج. .

اقتباس

إن تأخيرَ الزواج مخالفٌ للشرع وللفِطرة، وقد قرّر المتخصّصون في علم النفس والاجتماع, أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات, وأنه سببٌ لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، هذا بالإضافة إلى اكتمال الدين والعَفاف, وحصولِ الإحصان في بداية الحياة.. وبعضُ الآباء والأمهات: عندهم بُرودٌ في هذا الجانب, فلا يُطالِبُون أبناءهم من الذكور بالنكاح, ولا يسعون في إقناعهم وحوارهم.

الخطبة الأولى:

الحمد لله عالمِ السرِّ والمكنون، المطلع على عبده أينما يكون، المحصي للحركات والسكون، يعلم ما كان وما يكون, (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه إلى يوم يُبْعَثُون.

أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ النكاحَ آيةٌ من آيات الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

وهو سنةٌ من سننِ أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) [الروم: 21].

وهو من الأمور الْمُحبَّبَة إلى نبيِّنَا ورسولِنا -صلى الله عليه وسلم-, فقد ثبت عنه أنه قال: "حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"، فأمرٌ مُحبَّبٌ إلى أفضل البشرية, لا شكَّ أنّ الخيرَ كلَّه فيه.

بل إنه -صلوات ربي وسلامه عليه-, غَضِبَ غضبًا شديدًا على من امتنع من النكاح, ليتفرغ للعبادة والطاعة, فقد جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَته -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا- أي: رأوها قليلة- فَقَالُوا: "وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (متفق عليه).. إنَّ سنَّتَه ومَنْهَجَه -صلى الله عليه وسلم-, النكاحُ والتعدُّدُ أيضًا.

معاشر المسلمين: ومع ما في النكاح من فوائدَ عظيمة, وغاياتٍ حميدة, إلا أنه في هذه الأزمنة المتأخرة, أحاطتْ به عوائقُ كثيرة, جعلته صعبًا مُتعسّرًا على كثيرٍ من الشباب, وأذكر منها: غلاءُ المهور, والواجب على العقلاء ألا يُغالوا فيه, وأنْ يشتروا الكُفْء, لا أنْ يشتروا ماله وثروته, فالمال يذهب ويفنى, ويبقى الخُلُقُ والوفاء والدين.

ومن العقبات أيضًا: المبالغةُ في الولائم والأعراس؛ حيث يتفاخرُ بعض الناس في ذلك, وهذا من الخطأ, بل ينبغي ألا يكونَ فيه إسرافٌ وتبذير.

وربما بُذل في الأعراس عشرات الآلاف, كثيرٌ منها يذهب سُدى, ولو أُعطيَ مُحتاجاً للزواج لكان أولى, ولكان بركةً عليه وعلى أهله.

ومن العقبات أيضًا: تأخيرُ الزواج لدى كثيرٍ من الذكور والإناث, بحجة إكمال الدراسة، أو الحصولِ على الوظيفة، أو القدرة المالية، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكّر، أو غير ذلك من الأسباب الخاطئة, التي تجرَّع أصحابُها الندمَ بعد كِبر سنهم, وفواتِ فرصة النكاح لديهم.

إنَّ من المحزن حقًّا, أن يصلَ بعضُ الشباب والشابات إلى سن الثلاثين والأربعين، وهم لم يفكروا بعدُ في الزواج, أو لم يسعوا هم ولا أولياؤُهم في نكاحهم.

إن تأخيرَ الزواج مخالفٌ للشرع وللفِطرة، وقد قرّر المتخصّصون في علم النفس والاجتماع, أنّ الزواج المبكّر هو أنجح الزِّيجات, وأنه سببٌ لاستقرار الصحة النفسية والجسدية، هذا بالإضافة إلى اكتمال الدين والعَفاف, وحصولِ الإحصان في بداية الحياة..

وبعضُ الآباء والأمهات: عندهم بُرودٌ في هذا الجانب, فلا يُطالِبُون أبناءهم من الذكور بالنكاح, ولا يسعون في إقناعهم وحوارهم.

وكذلك الحال مع البنات, فإذا لم يَطْرُقْ أحدٌ بابه فليس له خيارٌ آخر, والواجب عليه أنْ يسعى بكلِّ الطرق لزواجها, وذلك بعرضها على الكفء من الرجال, وذكرِها عند أهل الأمانة والثقة.

فهذا الفاروقُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- يقول: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فأجابه عُثْمَانُ بأنه لا يرغب في النكاح, فهل توقف ويئس, لا, بل عرضها على أبي بكرٍ أيضًا.

قال الحافظ -رحمه الله-: "فِيهِ عَرْض الْإِنْسَان بِنْته وَغَيْرهَا مِنْ مَوْلِيَّاته عَلَى مَنْ يُعْتَقَد خَيْرُه وَصَلَاحه؛ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْع الْعَائِد عَلَى الْمَعْرُوضَة عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا اِسْتِحْيَاء فِي ذَلِكَ" ا.هـ.

ومن العقبات أيضًا: عضلُ النساء, وهو منع المرأة من النكاح لأسبابٍ غير وجيهة, منها الرغبة في رجلٍ يُعطيها مهرًا أكثر, أو الرغبةُ في راتبها ومَصْروفها, أو غيرِ ذلك من الأسباب, ومثل هذا وإنْ كان قليلاً, إلا أنْه موجودٌ في مُجتمعاتنا, فالواجب على مَن علم أنَّ أحدًا يمنع بناته من الزواج, ألا يسكت على هذا المنكر الخطير, ولْيرفع أمره إلى الجهة المختصة لرفع الولاية عنه.

ومن العضل, تعليقُ المرأة المتزوجة, الكارهةِ لزوجها, فالمرأةُ قد تكره زوجها لأسبابٍ وجيهة, ولا تُطيقُ الْمُكث, فلا تُجبر على العيش معه, وحينئذٍ لا يجوز للزوج -بعد أنْ يتَّخذَ الأسباب في إرجاعها- أنْ يتركها مُعلَّقةً بلا طلاق, فهذا ظلمٌ وعدوانٌ والعياذ بالله, وهذا ما كان عليه أهل الجاهلية, فمن فعل ذلك فقد شابههم في فعلهم, ومن تشبه بقومٍ فهو منهم.

وهذا ما يُعرف بتعليق الزوجة الناشز, وهو إجبارُ الزوجة التي خرجت عن طاعة زوجها، على العودة إلى بيته، فإما أنْ ترجع راغمة، وإما أنْ يمتنع من طلاقها, للإجحاف بحقها, وبقائها في عصمته سنين طويلة، لا هي زوجة ولا هي مطلقة.

وهذا حرامٌ وظلمٌ ومنكرٌ عظيم, يعارض قواعد الشريعة, وينافي الفِطَر السليمة, لا يقره دين الإسلام, ولا يرضى به أصحابُ الضمائر الحيَّة.

وقد دل على تحريمِ العضل قولُه -تعالى-: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة: 231].

فهذا نهيٌ صريحٌ عن إمساك الزوجةِ التي تكره زوجَها ولا تُطيقه, وحكم الله -تعالى- وهو أحكم الحاكمين, بأنَّ فاعلَ ذلك ظالمٌ لنفسه.

وروى البخاريُّ في صحيحه, أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي لَا أُطِيقهُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟»- أَيْ بُسْتَانه -, قَالَتْ: نَعَمْ، فقَالَ لزوجها: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».

تأمل قولَهَا: "مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ", أَيْ: لَا أُرِيدَ مُفَارَقَته لِسُوءِ خُلُقه وَلَا لِنُقْصَانِ دِينه, قال الحافظ ابن حجرٍ -رحمه الله تعالى-: "وَهَذَا ظَاهِره أَنَّهُ لَمْ يَصْنَع بِهَا شَيْئًا يَقْتَضِي الشَّكْوَى مِنْهُ بِسَبَبِهِ" ا.هـ

فالمرأة قد تكره زوجها لا لسببٍ واضح, من بغضٍ لزوجها, أو سوء مُعاملتها, فمن حقِّها طلبُ الطلاق أو الخلع, ولكن بعد بعثِ الحكمين للإصلاح بينهما.

وهنا وصيَّةٌ للمرأة وأوليائها: لا تسكتوا على هذا الأمر الخطير, حيثُ ترون ابنتكم وأُختكم ممنوعةً من الزواج, الذي هو حقٌّ مشروعٌ لها, لأجل زوجٍ لا يخاف الله فيها.

فقوموا بالإصلاح قدر المستطاع, فإنْ لم يُجْدِ ذلك, فاذهبوا إلى المحكمة وخلِّصوها منه, أمَّا أنْ تبقى حبيسة الجدران, فلا يحق لكم ذلك أبدًا.

نسأل الله -تعالى-, أنْ يحفظ أعراض أبنائنا وبناتنا, وأنْ يُوفقهم في دينهم ودُنياهم, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .

عباد الله: إنّ ممَّا يبعث على الفرح والتفاؤل, مُبادرةُ الشباب إلى الزواج, وحرصُهم على تحصين فُروجِهم, تطبقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ, مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ".

وهاتان فائدتان عظيمتان, وغايتان شريفتان للزواج, الأولى : غضُّ البصر, والثانية: إحصانُ الفرج.

ولكنْ يُلاحظ في الآونة الأخيرة, كثرةُ الطلاق, وأسبابُ ظاهرة الطلاق عديدة، من أهمها: عدم السؤال عن الخاطب, فبعضُ الناس يأتيه الخاطب, فيُزوجه دون السؤال عنه, والتحققِ من دينه وخُلقه.

ومن أعظم الأسباب: عدمُ الخبرة الكافية لدى الزوجين عن الزواج, وعن كيفيَّة تعامل أحدهما مع الآخر, فتنشأُ الخلافات, وتنهي كثيرٌ منها بالطلاق.

وإنه من الأمور المفرحةِ جدًّا, وجودُ دوراتٍ تأهيليَّةٍ للْمُقبلين على الزواج, وقد أثبتت الدراساتُ انخفاضَ نسبة الطلاق, لدى الملتحقين بهذه الدورات.

وهذه الدورات تُعطي المقبلين على الزوج: كيفيةَ التعامل الناجحِ بين الأزواج في إدارة الأسرة، وكيفيةَ تربية الأبناء, وحلَّ الخلافات الأسرية، بالإضافة إلى دوراتٍ مرتبطةٍ بالقضايا النفسية، مثل التوتر قبل ليلة الزواج, التي من شأنها تحقيقُ قدرٍ كبيرٍ من التوافق بين الزوجين.

فاحرصوا على هذه الدورات المباركة, ففيها خيرٌ ونفعٌ عظيم.

نسأل الله -تعالى- أنْ يُيَسِّرَ أُمور الزواج, وأنْ يُعفَّ أبناءنا وبناتنا, إنه على كلّ شيءٍ قدير.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي