اعلموا أن كل أحد لا يخلو من إحدى حالتين: إما سراء، وإما ضراء، وأن على العبد في كليهما وظيفة يجب عليه أن يؤديها، ليتمم بذلك إيمانه. فوظيفة العبد عند الضراء: أن يكون من الصابرين: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)[البقرة:156]. فإن الله خالق العبد، ومالكه، ومدبره، والمقدر عليه ما يشاء يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. فالعبد عبد الله عليه أن يستسلم له، وأن لا...
الحمد لله الذي وعد الصابرين أجرهم بغير حساب، وبشر الشاكرين لنعمته بالمزيد، ووعد الكافرين بالعذاب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عليه توكلنا وإليه المتاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من شكر لربه وأناب، وأصبرهم على أحكام الله بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن كل أحد لا يخلو من إحدى حالتين: إما سراء، وإما ضراء، وأن على العبد في كليهما وظيفة يجب عليه أن يؤديها، ليتمم بذلك إيمانه.
فوظيفة العبد عند الضراء: أن يكون من الصابرين: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)[البقرة:156].
فإن الله خالق العبد، ومالكه، ومدبره، والمقدر عليه ما يشاء يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
فالعبد عبد الله عليه أن يستسلم له، وأن لا يتسخط من قضائه وقدره، فإن المرجع إليه، ولا مفر منه إلا إليه.
ومن أصيب بمصيبة، وأراد أن تسهل عليه، فليتذكر ما في الصبر عليها من الأجر والثواب، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا أذى، إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة"[البخاري (5318) مسلم (2573) الترمذي (966) أحمد (3/19)].
ومما يهون المصيبة أيضا: أن يذكر نعم الله عليه التي لا تحصى، وأن يقرن تلك المصيبة بما هو أعظم منها مما ابتلى به هو أو غيره، فإنه ما من مصيبة إلا فوقها أعظم منها.
وهناك صبر آخر، وهو: الصبر عن معاصي الله، فإن الصبر عن المعاصي يحتاج إلى معاناة ومجاهدة، فإن: (النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[يوسف:53].
وقد يصبر بعض الناس عن شيء من المعاصي، ولكنك تراه منهمكا في غيره.
فتجد بعض الناس يمنع نفسه مثلا من أكل أموال الناس، والخيانة فيها، ولكنه لا يمنع نفسه عن أكل لحومهم، والوقوع في أعراضهم، مع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرن الدماء والأموال والأعراض في حكم واحد، حيث قال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام"[البخاري (105) مسلم (1679) ابن ماجة (233) أحمد (5/37) الدارمي (1916)].
وهناك صبر ثالث، وهو: الصبر على طاعة الله، فإن طاعة الله -تعالى- بفعل أوامره تحتاج إلى مجاهدة النفس، وعمل الجسم، وكل هذا يحتاج إلى صبر.
فالصبر ثلاثة أنواع: صبر على الأقدار، وصبر عن المعاصي، وصبر على الطاعات.
وأما الحال الثانية، وهي: حال السراء والرخاء والنعم، فإن على العبد فيها وظيفة الشكر، وذلك بأن يعلم أن هذه النعمة من فضل الله عليه، وأنه لولا لطف الله وتيسيره ما حصلت له. تلك النعمة، ثم بعد ذلك يثني بها على ربه بما أنعم به عليه من نعم ظاهرة وباطنة دينية ودنيوية، ثم يقوم بطاعة من أنعم بها عليه.
فالشكر لا بد له من اعتراف بالقلب، واعتراف باللسان، وعمل بطاعة النعم في الجوارح والأركان.
فمن حقق مقام الصبر، ومقام الشكر؛ كمل بذلك إيمانه ونجا، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر، فكان خير له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"[مسلم (2999) أحمد (6/16) الدارمي الرقاق (2777)].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الحج: 34- 35].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي