مناجاة بين عامين

عبدالله بن حسن القعود
عناصر الخطبة
  1. في انقضاء الأيام عبرة .
  2. محاسبة النفس .
  3. المرء بين يوم مضى ويوم بقى .
  4. بماذا نستقبل العام الجديد؟. .
اهداف الخطبة
  1. أن يعتبر المسلم بمضي الليالي والأيام
  2. أن يستشعر المستمع أهمية الوقت
  3. التذكير بمحاسبة النفس
  4. دعوة المؤمنين إلى التوبة

اقتباس

إذا كان أهل ُالأموال يعملون تصفيةً لحساباتهم وجرداً لها في أواخر كل عام مالي لهم, لينظروا الطرقَ التي استفادوا منها فيكثرِّوا منها, والطرق التي خسروا فيها فيجتنبوها، فما أحرى المسلمين ما أحرى الفرد المسلم أن يقف مع نفسه في مثل هذه المناسبة مذكِّراً لها, ومحاسباً لها عما أسلفتها بصدق وإخلاص ورغبةٍ في الاستزادة من الخير والإقلاع عن الشر، فليقفْ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار, أحمده سبحانه لا إله إلا هو العزيزُ الغفار, وأشكره وأثني عليه الخيرَ كلَّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, وأصلي وأسلِّمُ على أعدل الخلق وأكرم المرسلين, مَنْ أرسى اللهُ به قواعدَ الدين وأنار معالمه, محمدِ ابنِ عبد الله الذي وقف وقال: "من كانت عندي له مظلمة فليقف على قدميه وليقتص مني قبل يوم القصاص" وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

 فيا عبادَ الله: اتقوا الله وخذوا من تجاربكم وتصرُّمِ الأيام والأعوام أمامكم عبراً ودروساً, فكم في ممر الأيام والأعوام من عبر، وكم من تصرُّمِ الأزمان والأحوال من مدَّكر، كم في ذلك مما يذكِّرُ بأن لكل شيء من مخلوقات الله بدايةً ونهاية, فجمعتُكم هذه هي آخرُ جمعةٍ في هذا العام الهجري, وبعد أيامٍ قلائلَ سيُطوى سجلُّه ويختم عملُه, ويبقى شاهداً على الإنسان بما أودعه، وإذا كان أهل ُالأموال يعملون تصفيةً لحساباتهم وجرداً لها في أواخر كل عام مالي لهم, لينظروا الطرقَ التي استفادوا منها فيكثرِّوا منها, والطرق التي خسروا فيها فيجتنبوها، فما أحرى المسلمين ما أحرى الفرد المسلم أن يقف مع نفسه في مثل هذه المناسبة مذكِّراً لها, ومحاسباً لها عما أسلفتها بصدق وإخلاص ورغبةٍ في الاستزادة من الخير والإقلاع عن الشر، فليقفْ كلٌّ منا مع نفسه عند انتهاء عامها أو شهرها أو يومها الحاضر محاسباً لها ماذا أسلفت فيه، فإن يكن خيراً ازداد من الخير وسأل الله الثبات عليه, وألا يكله إلى عمله وحَذَرَ ما يبطله من الغرور بعمله, أو الإدلاء به على الله أو على الناس, فلا شيء خير من الخير إلا ثوابُ الخير وعاقبةُ الخير، وإن يكن غير ذلك أقلع وأناب واستغفر وتاب, فلا شيء أشرُ من الشر إلا الإصرارُ على الشر وعاقبةُ الشر، وإنما تمحى السيئةُ بالحسنة ليقف كلٌّ منا مع نفسه ليسألها عن موقفها من فرائض الإسلام وشعائرها وقضاياه, وما يتطلبه من تضحيات وأمر ونهى وبيان واتفاق وصمود, وما دورها في ذلك، ليسألَها عن موقفها من فريضة الصلاة, وماذا عملت في أداء الزكاة، وأين هي من المحافظة على حقوق الناس، ومن تمسكها بالصدق والوفاء وكريم الأخلاق ونبيل الفعال، ليسألَها عن شعورها حين يخطرُ بالبال ذكرَ الكبير المتعال، ليسألَها عن كسبها الحسي والمعنوي أهو حرامٌ خبيث, أم هو مما أحل الله من الطيبات؟

عبادَ الله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فأنتم اليوم أقدرُ على الحساب منكم غداً, وما ندري ما يأتي به الغد، حاسبوها فنِعْمَ الختامُ لعامكم أو لشهركم أو ليومكم, الحسابُ الدقيقُ والتوبةُ النصوح, والعزمُ الصادقُ والعملُ الصالح, وفي ذلك ليتنافس المتنافسون.

عبادَ الله: بعد أيام قلائل سيشعُّ فجرُ عامٍ هجري جديد, تستفتحُ به صفحاتٍ بيضاءَ من صفحات الحياة والتاريخ, لا يدري أحدٌ ماذا سيسطِّرُ فيها إلا اللهُ, فاتقوا الله فيما تستقبلونه من صفحاتٍ بيض, لا تلوثوها بالشر ولا تودعوها إلا خيراً, فهي خِزانكم وغداً ستوافون ما بها من خير أو شر, جاء في الأثر أن أبا بكر رضي الله عنه قال في خطبة: "تعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ اللَّهِ فَافْعَلُوا". ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ لَكُمْ عِلْمًا فَانْتَهُوا إِلَى عِلْمِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي كَيْفَ صَنَعَ اللهُ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي كَيْفَ اللهُ بِصَانِعٍ فِيهِ، فَلْيَتَزَوَّدِ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبَابِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ قَبْلَ السَّقَمِ، فَإِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ".

فاتقوا الله -عباد الله- وتذكروا ما أسلفتم تذكراً يدعوكم إلى التوبة من قبيح الفعال, والإنابة به الصادقةِ إلى ذي العزة والجلال, القائلِ جلّ من قائل: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة: 126].

 اللهم اختم لنا بالصالحات والخيرات الحسان, وأعذنا من الشك والشرك والشقاق والنفاق والطغيان, وهب لنا الخير والسعادة والأمان.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي