اليوم كم نحن بحاجة إلى مراجعة أخطائنا وأعمالنا وسلوكياتنا، وعلاقاتنا مع بعضنا البعض كمسلمين!! وكم نحن بحاجة إلى إعادة بناء النفوس بالإيمان وقيم الخير والحب والتراحم والتسامح!! وكم نحن بحاجة إلى بثّ الأمل في النفوس ونشر التفاؤل!! لذلك يأتي العيد كمحطة تبث الفرح والسرور، وتعيد للأرواح الأمل والتفاؤل، وتوحي للنفوس أن بعد العسر يسرًا، وبعد الشدة فرجاً ومخرجاً، ويطرق في أذهان المسلمين أنهم أمة واحدة.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.. الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً، عنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر ما ذكره الذاكرون، والله أكبر ما هلل المهللون، وكبر المكبرون، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر عدد ما أحرم الحجاج من الميقات، وكلما لبّى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر عدد ما طاف الطائفون بالبيت الحرام، وعظموا الحرمات، الله أكبر عدد من سعى بين الصفا والمروة من المرات..
والحمد لله عدد حجاج بيته المطهر، وله الحمد أعظم من ذلك وأكثر، الحمد لله على نِعَمه التي لا تُحصر، والشكر له على آلائه التي لا تُقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك فقهر، وتأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر، تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده مقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، طاهر المظهر والمخبر، وأنصح من دعا إلى الله وبشر وأنذر، وأفضل من صلى وزكى وصام وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مديداً وأكثر..
أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله: هذا هو يوم عيدكم، عيد الأضحى المبارك، جعله الله للمسلمين كافة في جميع بقاع الأرض يوم فرح وعبادة، وشكر وزينة، وتسامح وأخوة، وتصافح وصلة رحم، وبذل للمعروف، وإطعام وتوسعة على الأهل والجيران والفقراء والمساكين والمحتاجين.
واختص الله به المسلمين دون غيرهم من أمم الأرض، وإن من نعم الله على المسلمين أن أعيادهم تأتي بعد عبادات عظيمة، فعيد الفطر يأتي بعد صوم رمضان وقيامه، وعيد الأضحى يأتي مع فريضة الحج، والوقوف بعرفة، وصيام يوم عرفة لغير الحاج.
وفي ذلك إشارة إلى أن الله -سبحانه وتعالى- يكافئ عباده بالإحسان إحساناً وبالشكر تفضلاً وعرفاناً، فكيف بيوم القيامة يوم يكون الجزاء عظيم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : 57-58]..
فأكثروا في هذا اليوم من ذكر الله وشكره، تهليلاً وتكبيراً وحمداً وثناءً فهو المستحق سبحانه، وكم نحن بحاجة لعطفه ورحمته وفضله وتوفيقه في زمن كثرت فيه المشاكل والصراعات والفتن والابتلاءات في بلاد المسلمين، حتى غدت بلاد المسلمين وأرضهم وديارهم مسرحًا للحروب والصراعات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فسُفكت الدماء، ودُمرت الأوطان وتشرد الملايين، وعمت الفوضى، وانتشرت العصبيات المذهبية والطائفية والعِرقية والحزبية، ولم يعد هناك في بلاد العالم وشعوب الدنيا من حروب أو قتل أو دمار وخراب أو مخيمات ولاجئين أو فقر وجوع وبطالة إلا في بلاد العرب والمسلمين.
وما حدث ذلك إلا بتقصيرنا وضعف إيماننا وتنافسنا على الدنيا، وأخطر من ذلك الركون إلى أعدائنا، وتنفيذ مخططاتهم، والسير وراء توجيهاتهم؛ ترغيباً وترهيباً، وهذا كله ابتلاء وتمحيص للحق من الباطل والخير من الشر والإيمان من النفاق.. قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
وقال سبحانه وهو أصدق القائلين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة : 214]..
وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) [آل عمران : 186].
عبـاد الله: ومع ذلك فإنه ينبغي للمسلم أن يدرك طبيعة الحياة، وعليه أن يستعين بمن خلقها وأوجدها وهو المولى -سبحانه وتعالى- فيقوّي إيمانه، ويؤدي ما افترضه عليه ويبذل من الأسباب ما يستطيع، ويكون عنده أمل ويقين بأن الله يبتليه بالضراء وهو أرحم به من نفسه، وأنه هو القادر على كشف الضر ودفع البلاء، وتبديل الأحوال، وما من شيء يقع أو يحدث في الأرض أو في السماء إلا بأمره -سبحانه وتعالى- القائل (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59]، وأن هذه الحياة إلى زوال، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن سعادة الدنيا رغم ما فيها لا يحصل عليها العبد إلا بإيمان صادق وعمل خالص..
وهذه القيم والمفاهيم والمعاني تغيب على الكثير بسبب ضعف الإيمان ومع قوة البلاء وكثرة الفتن وضيق الحال يكون السقوط في فتنة هي أعظم وأشد قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) [الحج: 11]..
ولا بد من الصبر على الحق والخير، وحسن العمل، والرجوع والتوبة إلى الله، والثقة والأمل به –سبحانه-، فقد مرت هذه الأمة على فترات من تاريخها بفتن ومصائب وكوارث وصراعات كادت أن تذهب بالدين والقيم والأرض والإنسان، فعاد الناس إلى دينهم وقاموا بواجباتهم واستشعروا مسئولياتهم حكاماً ومحكومين رجالاً ونساءً، فعادت الخيرية لهذه الأمة، وانتشر الأمن وتتابعت النعم، وقويت الأخوة، وزادت الألفة بين المسلمين.
اليوم كم نحن بحاجة إلى مراجعة أخطائنا وأعمالنا وسلوكياتنا، وعلاقاتنا مع بعضنا البعض كمسلمين!! وكم نحن بحاجة إلى إعادة بناء النفوس بالإيمان وقيم الخير والحب والتراحم والتسامح!! وكم نحن بحاجة إلى بثّ الأمل في النفوس ونشر التفاؤل!! لذلك يأتي العيد كمحطة تبث الفرح والسرور، وتعيد للأرواح الأمل والتفاؤل، وتوحي للنفوس أن بعد العسر يسرًا، وبعد الشدة فرجاً ومخرجاً، ويطرق في أذهان المسلمين أنهم أمة واحدة.
جعل الله -سبحانه وتعالى- الأخوة بين المسلمين قوام هذه الأمة الواحدة بعد الإيمان بالله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وجعل الإسلام الأخوة وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان التي فقدتها القلوب فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" (البخاري ومسلم).. وهي طريق المؤمنين وسبيلهم إلى الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم- "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؛ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (رواه مسلم)..
فكيف لحلاوة الإيمان أن تمتلئ بها قلوبنا، وقد ظهرت الخصومات والأحقاد والحسد وفساد ذات البين بين المسلمين؟! حتى تجرأ المسلم على أخيه المسلم، فسفك دمه، وأكل ماله، واستطال في عرضه دون وجه حق!!
وتفرق المسلمين إلى جماعات ودول، ومذاهب ورايات، وعصبيات، والفخر بالأحساب والأنساب، والمال والجاه والسلطان، والدول والأحزاب والقبائل، وجعلوا هذه العصبيات بديلاً عن رابطة الإيمان؛ فحل الشقاء، وظهرت الصراعات، وفسدت الأحوال..
لكن المسلم الحق ينظر في هذا العيد وهذه الأيام ليجد الحقيقة فيرى حجاج بيت الله وقد تخلى كل واحد منهم عن زيه الوطني ولبسه المعتاد ليلبس الجميع ملابس واحدة ذات لون واحد في صعيد واحد، يلهجون بذكر واحد، فيتذكر أن المسلم أخو المسلم وأنه لا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن المصير المحتوم بعد هذه الدنيا هو لقاء الله والحساب والعقاب والجنة والنار..
فلتكن الأخوة الإيمانية رابطة كل مسلم مع إخوانه، وليسعى كل مسلم لجعلها سلوكاً عملياً في الحياة يُرضي بها ربه، ويقوّي بها صفّه، ويحفظ بها أمته ومجتمعه ووطنه.. قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92]، وقال تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52]..
اللهم وفقنا لما يرضيك، وجنِّبنا ما يسخطك، اللهم اقبل عملنا، واشكر سعينا، واغفر ذنبنا، وتجاوز عن جهلنا، فنحن عبيدُك وأنت ربنا.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطــبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهل الثناء والمجد، لا رب لنا سواه، ولا خالق غيره، ولا رازق إلا هو، مستحق للشكر والحمد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفى أثرهم..
أما بعد: عباد الله: ألا فليقم كل من ضحى إلى أضحيته، فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخلوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحِّ لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن فقد ضحى عنه وغيره من المسلمين رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرناً من الزمان..
واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجدّدوا إيمانكم وحسّنوا أخلاقكم، واحفظوا دماءكم، واجتنبوا الفتن، وحافظوا على صلاتكم وسائر عباداتكم، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وقولوا كلمة الحق، واعملوا على ازدهار أوطانكم وتطور مجتمعاتكم، وأخلصوا في أعمالكم تفوزوا برضا ربكم..
فهنيئاً لكم بالعيد يا أهل العيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء. ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً... ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولمّ شعثهم، وألّف بين قلوبهم واحقن دمائهم..
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم تقبل من حجاج بيتك أعمالهم وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، واغفر لنا ولهم أجمعين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي