عَلَى مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ مِنْ عَوَاصِفِ الْفِتَنِ أَنْ يَجْعَلَ إِيمَانَهُ أَغْلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ مَهْمَا وَقَعَ لَهُ، وَأَنْ يَدْرَأَ عَنْ إِيمَانِهِ الْعَوَادِيَ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يُحَمِّلُ نَفْسَهُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ؛ فَإِنْ عُوفِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ. مَعَ التَّتَرُّسِ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنْجَاةٌ فِي الْفِتَنِ، وَتَكْرَارِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا الْهِدَايَةُ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعُهُ، وَمَعْرِفَةُ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابُهُ، وَسُؤَالِ اللَّهِ –تَعَالَى- الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيْئًا أَوْسَعَ مِنَ الْعَافِيَةِ. مَعَ ضَبْطِ اللِّسَانِ وَالْقَلَمِ، فَلَا يَحْكِي إِلَّا صِدْقًا، وَلَا يَنْطِقُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا عَدْلًا، فَلَا يُرَوِّجُ إِشَاعَةً، وَلَا يُثِيرُ فِتْنَةً، وَلَا يَنْشُرُ ظُلْمًا، وَلَا يَفْتَرِي كَذِبًا..
الْحَمْدُ للَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، الْقَوِيِّ الْمَتِينِ، جَبَّارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ؛ (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس: 3]، وَيَقْضِي الْقَضَاءَ حُلْوَهُ وَمُرَّهُ؛ فَيُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، نَحْمَدُهُ عَلَى أَفْعَالٍ أَحْكَمَهَا، وَنِعْمَةٍ أَتَمَّهَا، وَنِقْمَةٍ دَفَعَهَا، وَشَرِيعَةٍ أَكْمَلَهَا.
وَنَحْمَدُهُ عَلَى خَلْقٍ أَتْقَنَهُ، وَأَمْرٍ قَدَّرَهُ، وَقَضَاءٍ أَنْفَذَهُ، فَلَا مُلْكَ إِلَّا مُلْكُهُ، وَلَا أَمْرَ إِلَّا أَمْرُهُ، وَلَا خَلْقَ إِلَّا خَلْقُهُ؛ يَقْضِي فِيهِمْ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَيُعَامِلُهُمْ بِعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَكُلُّ مَا يَقْضِي فَهُوَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ بَدَا لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَتَرَدَّدُ فِي قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَاللهُ تَعَالَى يَكْرَهُ مَسَاءَةَ الْمُؤْمِنِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَخَالِقُ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَمُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ؛ هُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، يَخَافُونَ زَوَالَ نِعْمَتِهِمْ، وَتَحَوُّلَ عَافِيَتِهِمْ، وَلَا يَدْرُونَ مَا الْخَيْرُ فِي قَضَاءِ رَبِّهِمْ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ابْتُلِيَ بِعَظَائِمِ الْمُصِيبَاتِ، وَكَبَائِرِ الْمُدْلَهِمَّاتِ، وَتَحَزَّبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْزَابُ، وَأَحَاطُوا بِالْمَدِينَةِ إِحَاطَةَ السِّوَارِ بِالْمِعْصَمِ (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [الأحزاب: 10- 11]، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَابِتٌ لَا يَتَزَعْزَعُ، وَوَاثِقٌ بِوَعْدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لَا يَتَضَعْضَعُ، وَيَعِدُهُمْ فِي ذَلِكُمُ الْمَوْقِفِ بِكُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، حَتَّى قَالَ قَائِلُ الْمَرْضَى وَالْمُنَافِقِينَ: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12] فَوَقَعَ وَعْدُ اللَّـهِ تَعَالَى، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، وَخَسِئَ أَهْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ وَقَفَ الْحُجَّاجُ لَهُ بِالْأَمْسِ يَذْكُرُونَهُ وَيَدْعُونَهُ، وَصَامَ مَلَايِينُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا يَلْتَمِسُونَ ثَوَابَهُ، وَفِي عَشِيَّةِ الْأَمْسِ رُفِعَتْ أَكُفُّ الْمَلَايِينِ مِنَ الدَّاعِينَ يَتَحَرَّوْنَ سَاعَةَ الْجُمُعَةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُمْ بَيْنَ صَائِمٍ وَوَاقِفٍ بِعَرَفَةَ، فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ مَا أَعْظَمَ عُبُودِيَّةَ الدُّعَاءِ! وَمَا أَجْمَلَ الرَّجَاءَ! وَلَيْسُوا يَدْعُونَ وَلَا يَرْجُونَ إِلَّا رَبًّا كَرِيمًا، جَوَّادًا عَظِيمًا، عَفُوًّا حَلِيمًا، غَفُورًا رَحِيمًا، عَلِيمًا حَكِيمًا (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 110] (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ، يَسِيرُ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ الْآنَ إِلَى الْجَمَرَاتِ بَعْدَ أَنْ بَاتُوا الْبَارِحَةَ بِمُزْدَلِفَةَ، يَسِيرُونَ فِي جُمُوعٍ غَفِيرَةٍ مَهِيبَةٍ يُلَبُّونَ وَيُكَبِّرُونَ، وَللَّـهِ تَعَالَى يُعَظِّمُونَ وَيَعْبُدُونَ، وَلِفَضْلِهِ وَمَغْفِرَتِهِ يَرْجُونَ، وَمِنْ عِذَابِهِ يُشْفِقُونَ، فَاللَّهُمَّ أَعْطِهِمْ مَا يَرْجُونَ، وَأَمِّنْهُمْ مِمَّا يَخَافُونَ، وَاقْبَلْ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ تُقَدَّمُ الْيَوْمَ الْقَرَابِينُ للَّهِ –تَعَالَى- مِنْ هَدْيٍ وَأَضَاحٍ، فَتُذْبَحُ للَّهِ –تَعَالَى-، وَيُذْكَرُ عَلَيْهَا اسْمُهُ، فَمَا مِنْ عِبَادَةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَعْظَمُ مِنْ إِنْهَارِ دِمَاءِ الْقَرَابِينِ؛ شُكْرًا للَّهِ –تَعَالَى-، وَعُبُودِيَّةً لَهُ، وَتَعْظِيمًا لِشَعَائِرِهِ (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36].
اللهُ أَكْبَرُ؛ يَرْمِي الْحُجَّاجُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ وَيُقَصِّرُونَ، وَيُحِلُّونَ إِحْرَامَهُمْ، وَبِالْبَيْتِ يَطُوفُونَ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِمِنًى لِلْمَبِيتِ بِهَا وَرَمْيِّ الْجِمَارِ يَوْمَيِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ لِمَنْ تَعَجَّلَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ لِمَنْ تَأَخَّرَ، ثُمَّ يَطُوفُونَ لِلْوَدَاعِ وَيَنْصَرِفُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ حِينَ يَعُودُ وَقَدْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْجِعُ بِحَجٍّ مَبْرُورٍ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَنْصَرِفْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى قِيلَ لَهُمْ: "اذْهَبُوا مَغْفُورًا لَكُمْ".
فَاللهُ أَكْبَرُ، مَا أَكْرَمَ رَبَّنَا! وَمَا أَوْسَعَ حِلْمَهُ! وَمَا أَعْظَمَ مَغْفِرَتَهُ! وَمَا أَكْثَرَ عَطَاءَهُ! وَاللهُ أَكْبَرُ؛ مَا أَعْظَمَهَا مِنْ مَنَاسِكَ! وَمَا أَحْسَنَهَا مِنْ شَعَائِرَ! اشْتَدَّتْ مَشَقَّتُهَا فَكَثُرَ أَجْرُهَا، وَازْدَحَمَ الْمُؤْمِنُونَ لِنَيْلِ بَرَكَتِهَا، فَجَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ.
فَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِدِينِنَا، وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي عَلَّمَنَا مَنَاسِكَنَا، وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي تَوَلَّى جَزَاءَنَا، وَالْكَرِيمُ يَجْزِي عَلَى قَدْرِ كَرَمِهِ، وَرَبُّنَا لَيْسَ لِكَرَمِهِ حَدٌّ، وَلَا يُحْصِيهِ عَدٌّ، وَلَا تَبْلُغُهُ مَحْمَدَةُ حَامِدٍ، وَلَا ذِكْرُ ذَاكِرٍ، فَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، وَرِضَاءَ نَفْسِهِ، وَعَدَدَ خَلْقِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ..
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَعِيشُ الْمُؤْمِنُ زَمَنًا عَصِيبًا تَتَفَجَّرُ فِيهِ الْفِتَنُ، وَتَتَوَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمِحَنُ، الْقَابِضُ فِيهِ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، وَالْمُتَمَسِّكُ بِإِيمَانِهِ مُعَرَّضٌ لِعَظِيمِ الِابْتِلَاءِ، وَقَدْ نَجَمَ النِّفَاقُ، وَقَوِيَتْ سَطْوَةُ الْكُفَّارِ، يُرِيدُونَ تَبْدِيلَ شَرْعِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَإِخْرَاجَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِينِهِمْ، مِمَّا يُذَكِّرُ بِابْتِلَاءَاتِ السَّابِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُنْشَرُونَ بِالْمَنَاشِيرِ، وَيُمْشَطُونَ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، وَمَا يَرُدُّهُمْ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِمْ.
لَقَدْ ضَاقُوا ذَرْعًا بِالْإِسْلَامِ، وَضَاقُوا أَكْثَرَ بِدَعْوَةِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَحَمَّلُوهَا كُلَّ مَا يَجْرِي فِي الْأَرْضِ مِنْ عُنْفٍ وَبَلَاءٍ وَدِمَاءٍ، وَلَوْلَا أَنَّهَا دَعْوَةُ حَقٍّ، وَأَنَّ الْأُمَّةَ حَيِيَتْ بِهَا لَمَا تَكَالَبَ عَلَى رَمْيِّهَا أَعْدَاءُ الدَّاخِلِ وَأَعْدَاءُ الْخَارِجِ، وَلَمَا تَآزَرَتْ عَلَى النَّيْلِ مِنْهَا أُمَمُ الْكُفْرِ، وَكَتَائِبُ النِّفَاقِ، وَأَلْوِيَةُ الْبِدْعَةِ.
إِنَّنَا فِي زَمَنٍ أَضْحَى فِيهِ الْإِيمَانُ تُهْمَةً، وَصَارَ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ للَّهِ –تَعَالَى- جَرِيمَةً، فَيُؤْذَى مَنْ يَتَمَسَّكُ بِإِيمَانِهِ وَيُحَقِّقُ تَوْحِيدَهُ، وَوَدُّوا لَوِ اجْتَثُّوا مِنَ الْأَرْضِ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَأَخْلَوْهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ.
إِنَّنَا فِي زَمَنٍ تَحَوَّلَ فِيهِ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى سِلَعٍ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى، وَيُسَاوَمُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الزَّمَنُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِقَوْلِهِ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَبَيْعُ الدِّينِ هَا هُنَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ السُّجُودُ لِصَنَمٍ، أَوِ الطَّوَافُ بِقَبْرٍ، أَوْ دُعَاءُ غَيْرِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَبِيعُ دِينَهُ بِمَوْقِفٍ يَتَزَيَّنُ فِيهِ لِمَخْلُوقٍ، أَوْ كَلِمَةٍ يُرْضِيهِ بِهَا، أَوْ فِعْلٍ يُقَرِّبُهُ مِنْهُ، فَيَسْتَوْجِبُ سَخَطَ اللَّهِ –تَعَالَى-.
يَبِيعُ دِينَهُ بِكَلِمَةِ بَاطِلٍ تُؤَجِّجُ الْفِتَنَ، أَوْ يُسْتَبَاحُ بِهَا الدَّمُ، أَوْ تَجْلِبُ عَلَى النَّاسِ مِحْنَةً، فَيُمْتَحَنُ النَّاسُ بِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ أَشْعَلَتْ فِتْنَةً، أَوْ سَبَّبَتْ مِحْنَةً؛ فَهَذِهِ تُسْخِطُ اللهَ تَعَالَى، وَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ أُخْمِدَتْ بِهَا فِتْنَةٌ، أَوْ رُفِعَتْ بِهَا مِحْنَةٌ؛ فَهَذِهِ تُرْضِي اللهَ تَعَالَى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 191] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 217]، وَالْفِتْنَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَأَكْبَرُ مِنْهُ هِيَ فِتْنَةُ الشِّرْكِ، وَقَدْ يُشْرِكُ الْعَبْدُ بِكَلِمَةٍ؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ –تَعَالَى- فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي عَنِ الْكُفَّارِ: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217].
لَقَدْ رَأَيْنَا فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ مِنْ تَفَاقُمِ الْفِتَنِ، وَتَتَابُعِ الْمِحَنِ، وَتَوَالِي الْأَحْدَاثِ، وَتَبَدُّلِ الْمَوَاقِفِ، وَاضْطِرَابِ كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ مَا يُصِيبُ بِالْحَيْرَةِ، وَيَعْقِدُ اللِّسَانَ مِنْ شِدَّةِ الدَّهْشَةِ، وَهَذَا مَا يَزِيدُنَا إِيمَانًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مِنْ وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
وَقَدْ أَرْشَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زَمَنِ الْفِتَنِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا بَيْعُ الدِّينِ إِلَى أَمْرَيْنِ يَحْفَظَانِ عَلَى الْعَبْدِ إِيمَانَهُ فَلَا يَبْذُلُهُ وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَتَنَازَلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ: وَهُمَا الُمَبَادَرَةُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكْثِيفُهُ وَتَكْثِيرُهُ، وَإِمْسَاكُ اللِّسَانِ عَنْ قَوْلٍ بَاطِلٍ تَكُونُ بِهِ فِتْنَةٌ تُهْلِكُ النَّاسَ، وَتُوبِقُ صَاحِبَهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ.
فَعَلَى مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ مِنْ عَوَاصِفِ الْفِتَنِ أَنْ يَجْعَلَ إِيمَانَهُ أَغْلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ مَهْمَا وَقَعَ لَهُ، وَأَنْ يَدْرَأَ عَنْ إِيمَانِهِ الْعَوَادِيَ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يُحَمِّلُ نَفْسَهُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ؛ فَإِنْ عُوفِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ. مَعَ التَّتَرُّسِ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنْجَاةٌ فِي الْفِتَنِ، وَتَكْرَارِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا الْهِدَايَةُ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعُهُ، وَمَعْرِفَةُ الْبَاطِلِ وَاجْتِنَابُهُ، وَسُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيْئًا أَوْسَعَ مِنَ الْعَافِيَةِ. مَعَ ضَبْطِ اللِّسَانِ وَالْقَلَمِ، فَلَا يَحْكِي إِلَّا صِدْقًا، وَلَا يَنْطِقُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا عَدْلًا، فَلَا يُرَوِّجُ إِشَاعَةً، وَلَا يُثِيرُ فِتْنَةً، وَلَا يَنْشُرُ ظُلْمًا، وَلَا يَفْتَرِي كَذِبًا «.. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
وَإِذَا تَذَكَّرَ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَا مَنْجَاةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ؛ عَلِمَ أَهَمِّيَّةَ الْإِيمَانِ فَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ لِأَجْلِ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا مَهْمَا عَظُمَ، وَتَحَمَّلَ الْأَذَى فِي سَبِيلِ إِيمَانِهِ كَمَا تَحَمَّلَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ.
وَمَنْ غَرَّتْهُ دُنْيَاهُ خَسِرَ آخِرَتَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَخَافَ عَلَى إِيمَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَكَمْ مِنْ فَاقِدِ إِيمَانٍ لَا يَدْرِي أَنَّهُ فَقَدَهُ؟!
وَأَمَّا دِينُ اللَّهِ –تَعَالَى- فَمَنْصُورٌ؛ وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ تَخَلَّى عَنْهُ مَنْ تَخَلَّى عَنْهُ، أَوِ اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُدْرِكَ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ وَقْتَ الْعِزِّ وَالنَّصْرِ وَإِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ فِيهِ بِثَبَاتِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ وَصَبْرِهِمْ، وَاللهُ يُجْزِلُ لَهُمْ أَجْرَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَامِلًا؛ كَمَا قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ...» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَمُصْعَبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ، وَمِنْ بُنَاةِ النَّصْرِ الْمُبِينِ لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ النَّصْرَ وَالْفُتُوحَ.
وَكَمْ مِنْ أُنَاسٍ لَا يَثْبُتُونَ فِي الْفِتَنِ، وَلَا يُطِيقُونَ صَبْرًا عَلَى الْمِحَنِ؛ فَيَنْسَلِخُونَ مِنْ دِينِهِمْ، وَيَبِيعُونَ إِيمَانَهُمْ، وَيُبَدِّلُونَ انْتِمَاءَهُمْ، فَأُولَئِكَ مَا آمَنُوا قَنَاعَةً بِالْإِيمَانِ، وَإِنَّما لِيَنَالُوا بِإِيمَانِهِمْ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، فَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السَّرَّاءِ، وَمَعَ أَعْدَائِهِمْ فِي الضَّرَّاءِ، نَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ تَقَلُّبِ الْقُلُوبِ، وَتَبَدُّلِ الْأَحْوَالِ «اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للَّهِ خَالِقِ الْخَلْقِ، مَالِكِ الْمُلْكِ، مُدَبِّرِ الْأَمْرِ؛ امْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْصَرَفَتْ عَنْهُ قُلُوبُ الْمَفْتُونِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا سَخَّرَ لَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالْأَنْسَاكِ (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ إِلَّا لَهُ، وَلَا يُذْكَرُ عَلَى الذَّبِيحَةِ إِلَّا اسْمُهُ «وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ»، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ –تَعَالَى- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ –تَعَالَى-، وَأَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحُجَّاجِ فِيهِ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالضَّحَايَا، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا، وَأَخْلِصُوا للَّهِ –تَعَالَى- فِيهَا؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِرِ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].
وَالسُّنَّةُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَبْحَ أُضْحِيَتِهِ بِيَدِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيُهْدِيَ وَيَتَصَدَّقَ، وَلَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا يُعْطِي الْجَزَّارَ أُجْرَتَهُ مِنْهَا لَا لَحْمًا وَلَا جِلْدًا وَلَا غَيْرَهُ.
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَا الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ لَهُ؛ فَكُلُّهَا عِيدٌ، وَكُلُّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للَّهِ –تَعَالَى-، وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ الْيَوْمَ أَوْ خِلَالَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْقَادِمَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ خِلَالَ الْعَشْرِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ ذِكْرٍ للَّهِ –تَعَالَى-، وَأَخَصُّهُ التَّكْبِيرُ لِعَظَمَتِهَا وَكَثْرَةِ الشَّعَائِرِ فِيهَا (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: كَمَا يُوصَى الرِّجَالُ بِإِحْرَازِ الْإِيمَانِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ تُوصَى النِّسَاءُ بِهِ، وَبِزِيَادَتِهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَحْصِينِهِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ ضَحَايَا الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ هُمُ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، فَلْتَتَحَصَّنِ الْمُؤْمِنَةُ بِالْإِيمَانِ، وَلْتَتَرَّسْ بِالدُّعَاءِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ لِتَثْبُتَ فِي كُبْرَيَاتِ الْفِتَنِ، وَتَحْتَمِلَ شَدَائِدَ الْمِحَنِ، وَلْتُرَبِّ أَوْلَادَهَا عَلَى ذَلِكَ؛ إِرْضَاءً للَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبًا لِمَثُوبَتِهِ وَجَنَّتِهِ، قُدْوَتُهَا فِي ذَلِكَ الصَّحَابِيَّاتُ اللَّائِي تَحَمَّلْنَ شِدَّةَ الْأَذَى بِسَبَبِ إِيمَانِهِنَّ؛ كَسُمَيَّةَ أُمِّ عَمَّارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ فَإِنَّهَا عُذِّبَتْ فِي إِيمَانِهَا أَشَدَّ الْعَذَابِ، ثُمَّ قُتِلَتْ عَلَى إِيمَانِهَا، فَكَانَتْ أَوَّلَ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا الدُّنْيَا بِزَخَارِفِهَا فَيَرْحَلُ عَنْهَا الْإِنْسَانُ، وَهِيَ إِلَى زَوَالٍ، فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا الْفَرَحَ الْمَشْرُوعَ بِالْعِيدِ، وَأَدْخِلُوا الْفَرَحَ عَلَى وَالِدِيكُمْ بِبِرِّهِمْ، وَعَلَى أَرْحَامِكِمْ بِصِلَتِهِمْ، وَعَلَى جِيرَانِكُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَعَلَى أَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ بِاللَّهْوِ الْمُبَاحِ مَعَهُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ فَرَحٍ وَحُبُورٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاجْتَنِبُوا مُنْكَرَاتِ الْعِيدِ؛ فَإِنَّهَا تُنَافِي شُكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكُفْرَانُ النِّعَمِ يَكُونَ سَبَبًا فِي سَلْبِهَا، وَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لِإِخْوَانِكُمُ الْمَنْكُوبِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَسَلُوا اللهَ –تَعَالَى- أَنْ يَكْشِفَ الْغُمَّةَ عَنِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ يُبَدِّلَ ذُلَّهَا عِزًّا، وَتَفَرُّقَهَا اجْتِمَاعًا، وَضَعْفَهَا قُوَّةً.
أَعَادَهُ اللهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللَّـهِ الْحَمْدُ.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي