إن المسلم يجب عليه أن يستسلم لله في كل شيء، حتى في لبسه وحركته ومشيته، ولا يخرج عن أحكام الإسلام ولا يخالفه في شيء، فكيف بالمخالفات العظيمة التي تحملها هذه الموضات، والجرائر الكبيرة الموجودة فيها، كالتعري وكشف العورات، وإثارة الغرائز، والبعد عن التستر والحشمة، وذبح الحياء والعفة...
الحمد لله الذي كرّم الإنسان، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وشرع له من الشرائع ما يصونه ويحفظه ويحقق له السعادة في الأولى والأخرى، وأشهد أن سيدنا ونبينا ومعلمنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
عباد الله: من البلايا العظيمة التي ابتلي الناس بها في هذا الزمن المعاصر بلية تتبع الموضات، والبحث بشكل مستمر عن آخر الموديلات، واتباع الطراز الحديث في كل شيء وخاصة في الملابس والأزياء.
وأشد من هذا وأعظم أن يظن المبتلون بهذه البلية أنهم متحضرون، وأنهم عصريون، وأن من لا يقلدهم ولا يتتبع الموضات مثلهم، ولا يسأل عن آخر الصرخات والصيحات؛ إنما هو قديم متخلف، لا يعرف الحضارة ولا يهتم بالتحديث والتطور.
مع أن الإنسان العاقل اللبيب لو تأمل في هذا البلاء لوجد أنه أتانا من الخارج، وتأثر به بعض شبابنا وفتياتنا بسبب ما يرون وما يسمعون في الإعلام الهابط من الترويج لهذه الموضات وتضخيمها، وبث الدعايات التي تدعو لاقتنائها والتأثر بها.
إنها أفكار أجنبية ومحدثات غربية يمليها علينا أعداء الإسلام في الشرق والغرب ونحن نقلد ونتبع، وإلا فليٍسأل الواحد من هؤلاء المبتلين بهذه الموضات نفسه: من أين تأتي هذه الموضات؟ ومن يُوردها إلى أسواقنا؟ وأين تعمل وتصنع؟ إن أكثرها موضات إما فرنسية أو أمريكية أو أوربية.
أيها الناس: إن الله -سبحانه وتعالى- أنزل علينا شريعة كاملة ومنهج متكامل علمنا فيه كل شيء؛ حتى الْخِرَاءَةَ وآداب الخلاء، ولم يترك شيئاً إلا وبينه للناس ووضحه لهم في كل ما يتعلق بأمور حياتهم.
علمهم ماذا يلبسون؟ وكيف يأكلون؟ وماذا يصنعون تجاه أجسامهم وشعورهم وأظفارهم؟ وماذا يدعون منها وماذا يحلقون ويزيلون؟ فهل نحن بعد هذا كله بحاجة إلى زبالات الغرب وأفكارهم وموضاتهم؟ والله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ المائدة : 2].
أين هؤلاء الذين يقلدون الغرب في لباسهم وزينتهم من قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26].
ألم ينعم الله علينا ويرخص لنا بلبس الملابس التي تحفظ أجسامنا وتستر عوراتنا وتقي أبداننا من الحر والقر؟ ألم ينهانا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن الملابس التي تعري الإنسان وتكشف مفاتنه، وتظهر عورته، وتشبهه بالنساء كما هو حال أكثر هذه الموضات؟.
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" [ البخاري (5885)]. ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، -وهو حلق شعر العانة- وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ" [البخاري (5889) مسلم (257)].
إن المسلم يجب عليه أن يستسلم لله في كل شيء، حتى في لبسه وحركته ومشيته، ولا يخرج عن أحكام الإسلام ولا يخالفه في شيء، فكيف بالمخالفات العظيمة التي تحملها هذه الموضات، والجرائر الكبيرة الموجودة فيها، كالتعري وكشف العورات، وإثارة الغرائز، والبعد عن التستر والحشمة، وذبح الحياء والعفة، وفتنة كل جنس بالجنس الآخر، فتنة الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، بل تسببت هذه الموضات في انتشار الفواحش والشذوذ الجنسي، وإثارة الغرائز حتى عمّ الفساد، وأصبح الناس المبتلين بها عبيدًا لشهواتهم وغرائزهم.
إن الجمال والتجمل لا يكون بتقليد أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم في ملابسهم وأزيائهم، وقصات شعورهم، وإطالة أظافرهم، وتخنثهم وتغييرهم لخلق الله.
ولا يكون الجمال في المرأة بوضع العباءة على الكتف، وكشف الوجه والرأس والصدر، وإظهار الجواهر والأصباغ والمكايج، وارتداء الثياب الضيقة والشفافة أمام الرجال الأجانب، وغيرها من المظاهر التي تتجدد تبعاً للموضة والترف.
هل تعلمون أنه في عام 1969م كان أحد (ملوك المكياج) يتنزه مع صديق له في حديقة الحيوانات، فرأى الصديق قردًا حول عنقه ألوان دائرية خضراء وزرقاء ورمادية، فأشار على القرد وظل يضحك, فنظر إليه (ملك المكياج) وقال له: ما رأيك لو جعلنا المرأة سنة (1970م) بهذه الصورة؟ فقال الصديق: هذا شيء غير ممكن، فمن من النساء تقبل بهذا؟ فرد (ملك المكياج): أنا أملك أن أجعلها تلهث وراء هذا الشكل. وكان رهانا بينهما.
ثم كانت حملات إعلامية دعائية مكثفة في جميع صفحات المرأة والإذاعة والتلفاز... ولم ينقض عام 1970م حتى كانت المرأة تضع حول عينيها ألوان قوس قزح, وكسب (ملك المكياج) الرهان..[زينة المرأة بين الطب والشرع لمحمد المسند (ص 5)].
إن المتأمل في حجاب الموضة الذي تلبسه كثير من نسائنا اليوم يجد أن فيه تبعية وتقليد واضح لأعداء الله؛ لأنه مخالف للشروط الشرعية للحجاب الإسلامي، مما يدل على أن الأمر ليس وليد المصادفة، فمصممو تلك الملابس والعباءات قد تعمدوا إخراج المسلمة عن حجابها الشرعي، وإيقاعها فيما حرم الله عليها من التبرج وإبداء الزينة، وفتنتها وإفسادها، وجعلها دمية يتحكمون في تفكيرها ويحركونها كيفما أرادوا باسم الموضة.
وهكذا الشباب جعلتهم الموضة يفكرون بتفكير معكوس وقلب منكوس والعياذ بالله، فترى الواحد منهم يشوه نفسه، ويغيّر شكله، ويفعل تصرفات غريبة مضحكة، وإذا قيل له: لماذا هذا كله؟ قال: الموضة!!.
حلاقات بهلوانية، وبنطلونات ضيقة، وملابس مفتّحة ومزركشة، ونظارات كبيرة أو سوداء، وأحذية تشبه أحذية النساء، ومشيات تكسرية يقلدون فيها مشية الفنان الفلاني أو اللاعب الفلاني، وضحكات وتقهقهات لا يريدون منها إلا التقليد والتبعية، ويرون هذا كله من الجمال والتزين والموضة.
إن التزين شيء وإتباع الموضة شيء آخر، والفرق بينهما أن التزين يكون في حدود العقل والاعتدال وعدم مخالفة شريعة الإسلام في أي شيء.
أما اتباع الموضة: فإنه يعني صرف معظم الأوقات في ترقب كل جديد من الأزياء والملابس والماكياج واقتنائها، وإن كانت مخالفًة لحدود الإسلام وتعاليمه الشرعية.
والتزين الصحيح هو الذي يكون مقصوده إرضاء وجه الله وطلب ثوابه، أما متبعو الموضات فإنهم يفعلون ذلك التزين إرضاء لغريزة حب الظهور واستجلاب أنظار الناس، والمفاخرة بتلك المقتنيات التي يقتنوها من أزياء جديدة وموديلات حديثة حتى يتميزوا عن الآخرين من بني جنسهم.
وفي جانب النساء حدث ولا حرج عن التبعية والتقليد واللهث وراء الموضات، فهذه تلبس حذاء أحدهما أحمر والآخر أخضر، فتظن المرأة العاقلة أنها أخطأت في لبسه أو أنها عمشاء لا ترى جيداً والأمر ليس كذلك وإنما هي الموضة!!.
والأخرى تجدها تلبس كل شيء فيها من لون واحد، فثوبها مثلاً أخضر، وحذائها أخضر، وحقيبتها التي معها خضراء، ومكيايجها أخضر، وتصبغ نفسها باللون الأخضر، إنها الموضة أيها المتخلفون!!.
وبعضهن تجدها تقص شعرها بقصات عديدة، فكلما خرجت قصة أسرعت إلى قص شعرها وفقاً لتفاصيل تلك القصة، حتى يرى عليها في السنة الواحدة قصات عديدة، والمصيبة أن أكثر تلك القصات هي قصات مستوردة من نساء الغرب الكافرات, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ
هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح، وعِبْرَةٌ تبدو
سبحانَ من أعطَى، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ
عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ، فأنتِ الزَّهر والوردُ؟
من أينَ أنتِ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي لهفةً تعدو
قالتْ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري، وفي كلماتها جِدُّ
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِـدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ، بالنفس أعتـدُّ
عربيّةٌ، فسألتُ: مسلمةٌ *** قالتْ: نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ
من أينَ هذا الزِّيُّ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت: أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ
فأجبتُها والحزن يعصفُ بي: *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم : 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الانسياق وراء الموضات والجري خلفها له أضرار كثير وكبيرة، فهناك أضرار دينية، ومن أهمها أنه يؤدي إلى التشبه بالكفار، ومحبتهم، والميل إليهم، والأخذ من طبائعهم، وكذلك التشبه بالرجال وهو محرم، كما أنه يؤدي إلى الكبر والغرور وحب الشهرة.
ويكفي أن الانسياق خلف الموضات يؤدي إلى تعريض النفس لسخط الله وعذابه وأليم عقابه، ويشغل الإنسان عن الطاعات والفرائض ويقتل في نفسه الحياء.
هذا من الناحية الدينية أما أضرارها الاجتماعية فإنها تؤدي إلى التحاسد والتباغض، وانصراف المرأة عن واجباتها المنزلية ووظائفها تجاه زوجها وأبنائها، مما يسبب المشاكل خاصة إذا كان الزوج فقيرًا لا يستطيع تلبية مطالب زوجته وموضاتها، وربما أصيبت المرأة بعقد نفسية إذا عجزت عن مجاراة غيرها من النساء في تتبع هذه الموضات.
كما أن لها أضرار صحية كثيرة منها: أن استخدام بعض هذه الموضات وخاصة أدوات التجميل الحديثة المصنعة من المواد الكيمائية تؤدي إلى كثير من الأمراض والتشوهات الجلدية.
كما أثبت الطب الحديث أن لبس الأحذية ذات الكعب العالي يؤدي إلى تصلب عضلات الساقين، وتشوه العمود الفقري، وحدوث دوالي القدمين وآلام الظهر، وأثبتت دراسات طبية حديثة أن ارتداء الملابس الضيقة في فترات المراهقة قد يسبب ما يُعرف بالتهاب بطانة الرحم، وهي حالة مؤلمة قد تسبب العقم، ونقصان الخصوبة عند النساء.
ومن الأضرار الاقتصادية لهذه الموضات أنها: تؤدي إلى إهدار أموال الأمة فيما يضر ولا يفيد، والمصيبة العظيمة أن هذه الأموال في معظمها تذهب إلى الغرب المصدرين لهذه الموضات، وهذا معناه أننا نساهم من حيث ندري أو لا ندري في تعزيز اقتصاد الكفار، والتبعية لكل ما هو أجنبي، وعدم الثقة في النفس والتصنيع المحلي.
فليحكم العاقل عقله، وليراجع نفسه، ولينظر إلى نفسه وأهله وأصدقائه وليراجعهم في هذا الشأن، ويحذرهم من الانخراط وراء هذه الموضات والتقليعات، فإنها والله تبعية لا خير فيها، وترف لا حاجة له، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء 26: 27].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم الذي أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم احمنا واحفظ بيوتنا وأهلنا، واعصمنا وإياهم من الوقوع في الزلل والخلل ومجاراة الأعداء في تتبع الموضات والخطل.
اللهم أعذنا من الفواحش والفتن ماظهر منها وما بطن.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي