التوسل إلى الله بما يحبه ويرضاه

فؤاد بن يوسف أبو سعيد

عناصر الخطبة

  1. عبادة التوسل إلى الله وبعض صور التوسل المشروع
  2. شرح قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
  3. أهمية عبادة الخوف والرجاء والمحبة لله
  4. بعض علامات المحبة

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)﴾ [الأحزاب: 70 – 71].

أما بعد:

فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أيُّها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السرِّ والعلن، وخشيتِه تبارك وتعالى في الغيبِ والشهادة، فقد جعلَ اللهُ -جلَّ وعلا- تقواه طريقاً لجناتِه، وسبيلاً إلى رحمته وفضله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35].

"فالتقوى، هي اجتنابُ الكفرِ والفسوقِ والعصيان.

وأما الجهادُ في سبيله، فهو بذلُ الجهدِ -في مقاومة النفس على طاعته سبحانه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم-، ومقاومةِ أهل الانحرافِ والإلحادِ والكفران.

وأما ابتغاءُ الوسيلةِ إليه؛ فهي التقرُّبُ إليه بأصولِ الإيمان، وشرائعِ الإسلام، وحقائقِ الإحسان.

من تَعبَّدَ له أو دعاه بأسمائِه وصفاتِه، فذاك أفضلُ الوسائل.

ومن توسَّلَ إليه بإحسانِه ونعَمِه وجودِه وكَرَمِه، فقد سلكَ مسلكَ الأصفياءِ الأفاضل.

ومن تقرب إليه بترِك معاصيه، والعملِ بما يرضيه، فهو الذي لا شكَّ إلى كلِّ خير واصل.

ومن توسَّلَ إليهِ بحاجتِه، وفقرِه وضرورتِه، فقد توسل إليه بخير الوسائل.

أمَّا مَن توسَّلَ إليه بذواتِ المخلوقِين وجاهِهم، فهو مبتدعٌ ظالم.

ومن دعا مخلوقًا أو استغاثَ به وزعمَ أنه يتوسَّلُ به إلى الله فهو مشرك آثم.

فتوسلوا إلى ربكمْ بكثرةِ السجودِ والركوع.

وتوسَّلوا إليهِ بتلاوةِ كلامِه بتدبُّرٍ وخشوع.

وتوسَّلوا إليه بالإحسانِ إلى الخلقِ: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].

وبِبِرِّ الوالدين، وصِلةِ الأرحام، فإن الله يصل الواصلين، ويقطعُ القاطعين.

توسَّلوا إليه بخوفِه ورجائِه، والتوكُّلِ عليه، فإنَّ اللهَ يحبُّ المتوكلين.

وتوسَّلوا إليه باللهجِ بذكرِه واستغفارِه، فيا سعادةَ الذاكرين.

توسَّلوا إليه بمحبةِ نبيِّكُم، وكثرةِ الصلاةِ والسلامِ عليه -صلى الله عليه وسلم-، فمن أكثرَ الصلاةَ عليه كفاه اللهُ همَّه، وقضى حاجتَه، ومن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه عشرَ أضعافها، ونالَ حبَّه وشفاعتَه.

توسَّلوا إليه سبحانه بالعطف والحنُوِّ على اليتامى والضعفاء، وتقرَّبوا إليه برحمة البهائم، فإنما يرحمُ الله من عباده الرحماء.

توسلوا إليه بسلامةِ الصدورِ من الفِسقِ والغِلِّ والحِقدِ على المسلمين، وبالنصيحةِ والشفقةِ على الخلقِ أجمعين.

توسَّلوا إلى الله بتركِ ما تدعو له النفسُ الأمَّارةُ بالسوءِ من الهوى والتَّبِعات، وبِغَضِّ الأبصارِ، وصيانة اللسان، والبعدِ عن جميع المحرمات.

توسَّلوا إلى اللهِ بكمالِ الإخلاص للمعبود -سبحانه-، والمتابعةِ للرسول -صلى الله عليه وسلم-، لتدركوا كلَّ مطلوب ومرغوبٍ ومأمول" [الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات، للشيخ السعدي، بتصرف].

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ! مَا نَجَاةُ الْمُؤْمِنِ؟" قَالَ: "يَا عُقْبَةُ! احْرُسْ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ".

قَالَ: ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: "يَا عُقْبَة بْن عَامِرٍ! أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ ثَلَاثِ سُوَرٍ أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ؟" قَالَ: قُلْتُ: "بَلَى! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ" قَالَ: فَأَقْرَأَنِي: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ وَ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾.

ثُمَّ قَالَ: "يَا عُقْبَةُ! لَا تَنْسَاهُنَّ، وَلَا تَبِتْ لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ" قَالَ: "فَمَا نَسِيتُهُنَّ قَطُّ مُنْذُ قَالَ: "لَا تَنْسَاهُنَّ"، وَمَا بِتُّ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى أَقْرَأَهُنَّ".

قَالَ عُقْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَدَأْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ؟" فَقَالَ: "يَا عُقْبَةُ! صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ" [مسند أحمد، ط الرسالة: 28/ 569، ح: 17334، وانظر: الصحيحة: 891].

أعمالٌ صالحة حقيق لمن توسَّل إلى الله بها أن يجيبه، ومن سألَه أن يعطيَه، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ" [صحيح مسلم: 1563].

توسلوا إلى الله بالإحسان إلى إخوانكم المسلمين، فلْيَسْلَمْ المسلمون من ظلمِ أيديكُم وألسنتِكُم وغِشِّ قلوبكم، وأمِّنوهم على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولتكونوا إخوانا وفي حاجة إخوانكم، فرجوا همومهم وكروبهم، وأطيعوا نبيكم -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [صحيح مسلم: 2580].

عبادَ الله: توسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فقد توسَّلَ الصالحون بصالحِ أعمالهم، فذاقوا حلاوةَ النتيجة، ولذةَ العمل.

انطبقت صخرةٌ على ثلاثةٍ من الرعاة، فسَدَّتْ عليهم باب الكهف فلا يستطيعون خروجًا ولا نجاة، فتوجَّهوا إلى التوسل إلى الله بصالح أعمالهم، أثناء السعَةِ والرخاء، فمنهم من توسل إلى الله بِبِرِّ الوالدين، وآخر توسل بعفته عن الزنى، وثالث توسل إلى الله بالحفاظ على حقوق العمال والأجراء، فانفرجت عنهم الصخرة. وذلك بسبب التوسل بالأعمال الصالحة الخالصة.

إنّ التوسُّلَ بدعاءِ الصالحين أمرٌ مطلوبٌ مندوبٌ إليه، فعَلَه الصحابةُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتوسلوا إلى الله بدعائه من قَحطٍ أصابهم، وجدْبٍ ألمَّ بهم، فدعا صلى الله عليه وسلم اللهَ لهم، فجاءهم الغيثُ من عند الله -سبحانه-.

أمَّا في عهدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -عمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا" قَالَ: فَيُسْقَوْنَ" [صحيح البخاري: 1010].

ومن التوسل بدعاء الصالحين أيضاً: ما رواه الحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى- في "تاريخه 18/151/1"، بسند صحيح عن التابعي الجليل؛ سليم ابن عامر الخبَائري: أنّ السماءَ قحطت -أي لم تمطر ذلك العام- فخرجَ معاويةُ بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- وأهلُ دمشقَ يستسقون، فلمّا قعدَ معاويةُ على المنبر، قال: "أين يزيد بن الأسود الجُرَشي؟" فناداه الناس، فأقبل يتخطّى الناسَ، فأمرَه معاويةُ فصعدَ على المنبر، فقعدَ عند رجليه، فقال معاوية: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرِنا وأفضلِنا، اللهمَّ إنا نستشفعُ إليكَ اليومَ بيزيدَ بنِ الأسودِ الجُرَشِيّ، يا يزيد ارفعْ يديك إلى الله" فرفع يديه، ورفعَ الناسَ أيديهم، فما كان أوشك أن ثارتْ سحابةٌ في الغربِ كأنها تُرسٌ، وهبَّتْ لها ريحٌ، فسقتنا حتى كادَ الناسُ أن لا يبلغوا منازلهم" [التوسل أنواعه وأحكامه، ص: 41].

فأهل الصلاح اليوم هم عامُّة المؤمنين الذين هم على الفطرة، أهلُ الخير والعطاء، وعلماءُ هذه الأمةِ، علماءُ الآخرة، الذين لا يحلِّلون ما حرَّم الله ورسولُه بالآراء، ولا يحرمون ما أحلَّ اللهُ ورسولُه حسبَ الأهواء، ليسوا علماءَ سفْكِ الدماء، وزهْق الأرواح، والإفسادِ في البلادِ والعباد، إنهم الذين: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: 50].

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد للهِ الربِّ العظيم، الرؤوفِ الرحيم، ذي الفضلِ العظيم، والإحسانِ العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، المـَلِكُ الكريم، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي قال الله فيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على محمَّدٍ وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في هديهم القويم.

أما بعد:

قال سبحانه: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا(56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا(57)﴾ [الإسراء: 56 – 57].

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا يعبدونهم كما يعبدون الله، ويدعونهم كما يدعونه -قل- ملزمًا لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين: ﴿ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ -وافتريتم وادعيتم فاتخذتموهم- آلهةً من دون اللهِ، فانظروا هل ينفعونكم؟ أو يدفعون عنكم الضرّ؟ فإنهم لا ﴿يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ﴾ من مرضٍ أو فقر، أو شدَّةٍ ونحوِ ذلك، فلا يدفعونه بالكلية ﴿وَلا﴾ يملكون أيضا تحويله من شخص إلى آخرَ من شدة إلى ما دونها.

فإذا كانوا -هؤلاء الأصنام والآلهة والأوثان- بهذه الصفة -وعدم تأثيرهم وعدم حولهم وانعدام قوتهم- فلأي شيء تدعونهم من دون الله؟! فإنهم لا كمالَ لهم ولا فعالَ نافعة، فاتخاذهم آلهةً نقصٌ في الدين والعقل، وسَفَهٌ في الرأي.

ومن العجبِ: أن السفهَ عند الاعتيادِ والممارسةِ، وتلقيهِ عن الآباءِ الضالين بالقبول يراه صاحبه هو الرأيُ السديد، والعقلُ المفيد.

ويرى إخلاصَ الدين للهِ الواحدِ الأحدِ، الكاملِ المـُنعِمِ بجميع النعمِ؛ الظاهرة والباطنة هو السفهُ، والأمرُ المتعجَّبُ منه، كما قال المشركون: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5].

ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم؛ باهتمامهم بالافتقار إلى الله، وابتغاء الوسيلة إليه، فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ -فيا من تدعون وتستغيثون بالأنبياء والصالحين والملائكة، فإن هؤلاء- الأنبياءَ والصالحين والملائكة: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي: يتنافسون في القُرْبِ من ربهم، ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله -تعالى- وإلى رحمته، ويخافون عذابه؛ فيجتنبون كلَّ ما يوصل إلى العذاب ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ أي هو الذي ينبغي شدةُ الحذرِ منه، والتوقي من أسبابه.

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾.

وهذه الأمور الثلاثة؛ الخوف والرجاء والمحبة، التي وصفَ الله بها هؤلاء المقربين عنده، هي الأصل والمادة في كل خير، فمن تمَّت له تمَّت له أموره، وإذا خلا القلب منها ترحَّلت عنه الخيرات، وأحاطت به الشرور.

وعلامةُ المحبَّةِ؛ ما ذكره الله أن يجتهدَ العبدُ في كلِّ عملٍ يقربُه إلى الله، وينافس في قُربِه بإخلاصِ الأعمالِ كلِّها لله -سبحانه-، والنصحِ فيها، وإيقاعِها على أكملِ الوجوهِ المقدور عليها، فمن زَعمَ أنه يحبُّ الله بغير ذلك فهو كاذب" [تفسير السعدي، ص: 460، بتصرف].

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57] قَالَ: "نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَنَزَلَتْ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57]. [صحيح مسلم: 3030].

فتقربوا -عباد الله- إلى الله بالتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

وتوسلوا إليه بأعمالكم الصالحة الخالصة، التي تنفع في الشدائدِ، والكُرُبات، وتوسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من عباد الله -سبحانه-، فدعاؤهم مجاب -إن شاء الله تعالى-.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمّدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهمَّ إنا نتوسل إليك بتوحيدنا لك، وإخلاصنا لك، وإيماننا بك؛ ونتوسلُ إليك بأننا نشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- عبدُك ورسولُك، وأننا نؤمنُ باليومِ الآخر، والقدرِ خيرِه وشرِّه.

اللهمّ إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن تغفرَ لنا ذنوبنا، وتنفِّسَ عنَّا كروبَنا، وتفرَّج عنَّا همومنا، وتسكِنَنَا برحمتِك وفضلِك أعاليَ جنتِك.

اللهمَّ وحِّد صفوفَنا، وألِّفْ بين قلوبِنا، وأزلْ الغِلَّ والحقدَ والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرْنا على عدوِّك وعدوِّنا، ياربَّ العالمين.

اللهُمَّ إِنّا عَبيدُكَ، وَبْنُو عَبْدِكَ، بْنُو إمائك، نَواصِيَنا بِيَدِكَ، مَاضٍ فِينا حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِينا قَضَاؤُكَ، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قلوبنا، وَنُورَ صدورِنا، وَجِلَاءَ أحزنِنا، وَذَهَابَ همومنا. 

﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع