في بعض المنكرات الظاهرة

عبدالله بن صالح القصير
عناصر الخطبة
  1. السلامة والعافية لا بد لها من فعل طاعة وبعد عن معصية .
  2. بعض المعاصي الظاهرة .
  3. جرأة الكثيرين على تعدي حدود الله .
  4. إمهال من الله لا إهمال .

اقتباس

.. فمن أطاع ربه زال كربه، ومن توكل عليه فهو حسبه؛ فلو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، ولو صدقتم في عبادته لأغناكم عن الغير، ولكنكم اشتغلتم بالمخلوق عن الخالق، والمرزوق عن الرازق، فأصبحتم -وقلوب الكثيرين- بغير الله متعلقة، والمعاصي بينهم والمنكرات محبوبة نافقة ..

 

 

 

 

الحمد لله موقظ القلوب الغافلة بالتذكير والوعظ، المتفرد بتصريف الأحوال والإبرام والنقض، المطلع على خلقه فلا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، المحذر لعباده من هول الموقف يوم العرض (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) [الحاقة:18]. أحمده سبحانه على نعمه التامات، وأسأله للجميع التوفيق للباقيات الصالحات، والسلامة من كفران النعم والفتن المضلات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الشديد، يوم لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي قام لله في بطحاء مكة بنصرة التوحيد، ولم تأخذه في الله لومة لائم، من قريب أو بعيد، وحفظه الله من المشركين بدرع العصمة لا بدرع الحديد، حتى ظهر التوحيد لله، واستقام الناس على دين الله على رغم أنف المشرك العنيد، وعلى كره من اليهود والنصارى وكل منافق بليد.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سلُّوا على المشركين واليهود والنصارى سيوف الجهاد حتى طهَّر الله بهم جزيرة العرب من أرجاس الوثنية، وبغي اليهودية، وضلالة النصرانية، وكل منكر وفساد، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وسلك بهم سبيل الرشاد.

أما بعد:

فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، فإن أطعتموه لم يصل إليكم شيء تكرهونه، وإن عصيتموه عاقبكم بما لا تطيقونه؛ فاعتمدوا على ربكم في جميع الأمور فإنه يدفع عنكم جميع الشرور (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:38].

فمن أطاع ربه زال كربه، ومن توكل عليه فهو حسبه؛ فلو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، ولو صدقتم في عبادته لأغناكم عن الغير، ولكنكم اشتغلتم بالمخلوق عن الخالق، والمرزوق عن الرازق، فأصبحتم -وقلوب الكثيرين- بغير الله متعلقة، والمعاصي بينهم والمنكرات محبوبة نافقة؛ فأين ترجون الفرج والعافية وقد عصيتم عمداً من لا تخفى عليه خافية؟ ولذلك أخذكم الهم خوف الغلاء، وضيق المعايش، ونقص الأرزاق، ورأيتم أنموذجاً من عقوبات الله العامة التي يريها الناس في الأنفس والآفاق؛ قحط من السماء، وجدب من الأرض، وشدة في البرد، وأسراب من الجراد، ونقص في الموارد. وأيم الله ما كان قوم في رغد من العيش فأحسوا بتغيره ونقصه إلا بخطيئة اجترحوها وجريمة ارتكبوها (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال:53].

فتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المسلمون-، واستغفروه من سيء ما تقترفون، فإن الإصرار على الذنوب وإعلان المنكرات من أسباب زوال النعم وتبدلها بالنقم، ونزول البلاء، ومنع إجابة الدعاء (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].

أما جلبتم الكفار إلى هذه الجزيرة من أقاصي الديار، وأسكنتموهم معكم في المنازل، وخالطتموهم في المزارع والمصانع ومواطن الاتجار؛ فآكلتموهم، وشاربتموهم، وائتمنتموهم، وجالستموهم بالعشي والإبكار، وقد كفروا بالله الواحد القهار؟! فأين أنتم مما توعَّد الله به من فعل ذلك في أشرف الأذكار؟ (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود:113] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) [الممتحنة:1].

أما أتيتم بالفساق وأراذل البشر، ومكنتموهم منكم حتى وليتموهم المحارم ولم تخشوا الخطر، وائتمنتموهم ولم تكونوا منهم على حذر؟! وكم سمعتم في المجالس ما ارتكبوه من المآثم، وما ألحقوه بالناس من مغارم؛ فهل تريدون أن توعظوا بأنفسكم؛ فإن الشقي من وعظ بنفسه؟!

فاتقوا الله، واعلموا أنكم إليه تحشرون (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

أيها المسلمون: ما أجرأ الكثيرين على تعدي حدود الله مع الأمن من مكر الله!! وذلك في الحقيقة جرأة على النار وتعرض لسخط الجبار؛ وإلا فمن الذي أفتاهم بالبرهان أنه يجوز لهم استقدام المرأة الأجنبية من مربية وخادمة دون محرم، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بدون محرم؟ فأنتم تعينونها على ذلك، وتعرضونها وأنفسكم لأنواع المهالك.

ومن الذي أفتاهم بالبينات بحلِّ النظر إليها وهي أجنبية منهم، حين تقيم معهم في الدار، ويحل خروجها معهم إلى الأسواق سافرة دون خمار؛ لتجلب عليهم الشرور وسوء القضاء والمقدور؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله عن نظر الفجأة: " اصرف بصرك ".

ومن أذن بالحجة للمرأة أن تصاحب السائق إلى المدرسة والسوق أو غيرها من المواطن التي يحتمل أن يرتكب فيها المنكر وأنواع الفسوق، خالية به دون محرم وإياه، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؟!

ومن الذي أباح لها أن تنفرد بالبائع في المحلات التجارية، تحادثه وتمازحه وتسفر وجهها له، وقد يقع ما هو أعظم؛ فإن الوسائل الفاسدة تجر إلى النتائج الوخيمة.

وكذلك تدخل على الطبيب منفردة، وتكشف له ما أراد منها وكأنها أحد محارمه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " وبأي ذريعة تترخص الفتيات وغيرهن من الأمهات بركوب ما يسمى بسيارات الليموزين وغيرها دون محرم وكأنها على عرضها وشرفها من الآمنين (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].

أيها الناس: أتظنون أن الله لا يغضب لدينه، ولا يغار على حرماته، ولا ينتصر لسنة نبيه، ولا ينتقم لعباده؟ لقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه ".

ولقد هددكم ربكم بالعذاب، يقول سبحانه: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].

عجباً لبعض الناس؛ يطهر الله بفضله جزيرة العرب من الرجس والأوثان، ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج من بقي فيها لعهده من اليهود وذوي الصلبان؛ حتى لا يبقى في جزيرة العرب دينان، ثم يأتون فيجلبونهم إليها آخر الزمان، وما نقموا إلا أن أغناهم من فضله. وصدق الله العظيم إذ يقول: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7].

يا ويل من تعدوا حدود الله، وعرّضوا محارمه للانتهاك بالخلوة بالنساء، أو التخلية بينهن وبين الرجال الأجانب، وما أحراهم بالفتنة؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " وقال: " ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء " وعدَّ من أشراط الساعة أن تكثر النساء ويظهر الزنا.

فاتقوا الله -عباد الله-، وتنبهوا من غفلتكم رحمكم الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) [الأعراف:4-7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الكريم الودود، الملك المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه وهو الرب المحمود، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها من هول اليوم الموعود، وتدخله جنات تجري أنهارها بغير أخدود، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من أعطي الشفاعة والمقام المحمود في يوم الورود، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بالليل رهبان، وبالنهار على أعداء الله أسود، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس! اتقوا الله وخذوا بأسباب السلامة والنجاة، وإياكم والظلم فإن الظلم يوم القيامة ظلمات، ألا وإن مَن أمن مكر الله فقد خسر خسراناً مبيناً، ومن أعرض عنه قيَّض له شيطاناً يكون له قريناً، ومن تمسك بكتاب الله كان له سبباً متيناً.

عباد الله: السماع ضائع ما لم يصحبه من العمل رفيق، والعمل حابط ما لم يقوّمه الإخلاص على الطريق، والمخلصون على خطر ما لم يساعدهم من الله التوفيق.

عباد الله: هذه العبر تغدو عليكم وتروح، وطريق الخير للسالكين مفتوح؛ فمن عافاه الله مما وقع فيه كثير من الناس -مما أشرت إليه فيما سبق- فليحمد الله، ولا يفتح على نفسه باب بلاء ونافذة فتنة، فإن الفتنة إذا حلّت صعب منها الخلاص.

وإن وجود الأجانب في بيوت المسلمين فتنة عظيمة ومصيبة أليمة؛ فمن وُجد عنده شيء من ذلك فليعلم أن الله بهم ابتلاه لينظر هل يكون همه أمر آخرته أم أمر دنياه؟ فليعزم على الحق، وليعامل ربه وعباده بالصدق، وَلْيسع إلى طريق السلامة قبل أن يعيش الحسرة والندامة؛ فإن الرقيب من الخلق كثيراً ما يغفل، والدنيا للمرء عن أهم أموره تشغل.

فاتقوا الله -عباد الله-، ولا تظنوا هذا الإمهال إهمالاً، ولا تحسبوا هذا الإملاء إغفالاً (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].

عباد الله! عليكم بالفقه في الدين، واتباع سبيل المؤمنين (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:115].

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي