إن حاجة الناس إلى إرسال الرسل، وإنزال الكتب، بل ضرورتهم إلى ذلك؛ أعظم من حاجتهم وضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء، فإن الله خلقهم أول ما خلقهم على الفطرة، وأوحى إلى أبيهم آدم بما تتوقف عليه مصلحتهم في ذلك الوقت، ثم لما طال الزمن، و...
الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، نحمده على إحسانه الكامل، ونشكره على فضله الوافر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإن رغم أنف الكافر.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من دعا إلى الله وجاهد في سبيله وصابر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم يجمع الله فيه بين الأول والآخر، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعرفوا نعمته على خلقه بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فإن حاجة الناس، بل ضرورتهم إلى ذلك أعظم من حاجتهم وضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء، فإن الله خلقهم أول ما خلقهم على الفطرة، وأوحى إلى أبيهم آدم بما تتوقف عليه مصلحتهم في ذلك الوقت، ثم لما طال الزمن، وكثر بنو آدم اختلفوا فيما بينهم: (فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ)[البقرة:213].
فأول رسول بعثه الله نوح -عليه الصلاة والسلام-، وما زال الله -تعالى- يبعث الرسل من حين لآخر بحسب ما تتطلبه مصلحة عباده، حتى ختم الله أنبياءه ورسله بخاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان عدة الأنبياء مئة وعشرين ألفا، منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا، فآمنوا بهذه الكتب، وآمنوا بهؤلاء الرسل: و(قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136].
فالإيمان بالكتب: أن تؤمنوا بما سمى الله لكم وعينه باسمه، فتؤمنوا بالصحف التي أنزلها على إبراهيم، وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى، وبالزبور الذي آتاه الله داود، وبالإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، وبالفرقان وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين-.
وأما ما لم يعينه الله لكم من الكتب فتؤمنون به على وجه الإجمال، أي تؤمنون بكل كتاب أنزله الله على كل نبي من الأنبياء.
ومن الإيمان بالكتب: الإيمان بأن هذا القرآن الذي أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- كلام الله، تكلم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل القوي الأمين، ثم نزل به جبريل على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوعاه لفظا ومعنى، وبلغه إلى أمته بلغه الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم أكمل هذه الأمة إيمانا، وأحفظهم أمانة، فلم يمض بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- زمن الخلفاء الراشدين، حتى جمعوه وحفظوه، وأدوه إليكم كاملا من غير زيادة ولا نقص، على الوجه الذي تقرؤونه، حفظوه وجمعوه قبل زمن التفرق والأهواء.
وهذا من عناية الله بكتابه المبين، فإنه تكفل بحفظه، حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9].
أما الإيمان بالرسل والأنبياء، فالواجب أن يؤمن العبد بكل نبي، وبكل رسول، أرسله الله، فمن سماه الله لنا منهم آمنا به بعينه، ومن لم يسمه آمنا به عموما، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78].
فالذين قص الله علينا؛ محمد وإبراهيم، وموسى وعيسى، ونوح وداود وسليمان، وأيوب ويوسف، وهارون وزكريا، ويحيي وعيسى، وإلياس وإسماعيل، واليسع ويونس، ولوط وهود، وصالح وشعيب، وإدريس وإسحق ويعقوب.
ومن الإيمان بالرسل والكتب: أن تصدق بأخبارها، وتعتقد أنها حق، وأن تعمل بما أوجب الله عليك العمل به من أحكامها، وتعتقد أنها أحسن الأحكام وأنفعها للخلق في دينهم ودنياهم.
فمن كذب رسولا أو كتابا، أو كفر به، فهو كافر بالجميع، ومن رفض الأحكام التي شرعها الله لعباده، وحكم بغير ما أنزل الله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: 44].
ومن حقق قول الله -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة:285].
من حقق ذلك كان من المؤمنين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي