يشكو الناس هذه الأيام من تأخّر نزول المطر، ومن ارتفاع درجات الحرارة عن معدّلها العام في مثل هذه الأيام، فنقول: إن الذي يُنزل الغيث هو الله، قال تعالى: (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[النحل: 65]. وقال: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ)[الواقعة: 68-69]. والمطر لا يملكه أحد إلا الله، قال...
الحمد لله: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)[إبراهيم: 32].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمان: 34].
وأشهد أن محمداً عبد الله و رسوله القائل -صلى الله عليه وسلم-: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله"[رواه البخاري].
اللهم صلّ وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن: 16].
أما بعد:
يشكو الناس هذه الأيام من تأخّر نزول المطر، ومن ارتفاع درجات الحرارة عن معدّلها العام في مثل هذه الأيام، فنقول:
إن الذي يُنزل الغيث هو الله، قال تعالى: (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[النحل: 65].
وقال: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ)[الواقعة: 68-69].
والمطر لا يملكه أحد إلا الله، قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22].
أي لا تملكون خزائنه.
فنزول المطر عند احتياج البشر إليه رحمة من الله، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28]
ثم إن تأخّر نزول المطر نوع من أنواع العذاب، وما نزل عذاب إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة وإنابة، فما هي الأمور التي تكون سبباً لنزول الغيث رحمة من الله وفضلاً؟
1- التوبة والاستغفار: فقد جعل الله -تعالى- الاستغفارَ من الذنب وسيلة لنيل رحمة الله، ونزول الخير في الحياة الدنيا، فقال في قول هود -عليه السلام- لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هود: 52].
وقال في قول نوح -عليه السلام- لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً)[نوح: 10-13].
في هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار.
قال الشعبي: "خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً).
وقال الأوزاعي: "خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)[التوبة: 91].
وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟
اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم، فسقوا.
وقال ابن صبيح: "شكا رجل إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله.
وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله.
وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله.
وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله.
فقلنا له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله -تعالى- يقول في سورة نوح: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً)[تفسير القرطبي].
2- الإيمان والطاعة والاستقامة على الإسلام: قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96].
وقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ)[المائدة: 66].
وقال: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً)[الجن: 16].
أي كثيرا من السماء وذلك بعدما رفع المطر عنهم سبع سنين.
3- إخراج الزكاة والصدقة: عن عبد الله بن عمر قال: "أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"[رواه ابن ماجة].
4- الدعاء عموماً، وفي خطبة الجمعة خصوصاً: عن أنس قال: "بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله هلك الكراع، وهلك الشاء، فادع الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا".
وفي رواية: "فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، فقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا".
قال أنس: "ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستاً".
وفي رواية: "قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"[متفق عليه].
5- صلاة الاستسقاء: عن عباد بن تميم عن عمه قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة، وحوّل رداءه، ثم صلى ركعتين"[متفق عليه].
وفيما يلي ذكر بعض الأحكام المتعلّقة بصلاة الاستسقاء:
1- أجمع العلماء على أن الاستسقاء سنة، واختلفوا هل تسن له صلاة أم لا؟
فقال أبو حنيفة: "لا تسن له صلاة، بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة".
وقال سائر العلماء من السلف والخلف الصحابة والتابعون فمن بعدهم: تسن الصلاة، ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة، وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة.
واحتج الجمهور بما في الصحيحين، وغيرهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى للاستسقاء ركعتين.
2- الاستسقاء ثلاثة أنواع:
أحدها: الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة.
الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة، وهو أفضل من النوع الذي قبله.
والثالث: وهو أكملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبة، ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة، وإقبال على الخير، ومجانبة الشر، ونحو ذلك من طاعة الله -تعالى-.
3- استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء؛ لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع، ولأنها أوسع للناس لأنه يحضر الناس كلهم فلا يسعهم الجامع.
4- استحباب تحويل الرداء في أثنائها للاستسقاء.
والتحويل شُرع تفاؤلاً بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته.
وقال الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء في استحباب تحويل الرداء، ولم يستحبه أبو حنيفة.
ويستحب أيضا للمأمومين كما يستحب للإمام، وبه قال مالك وغيره، وخالف فيه جماعة من العلماء.
أما كيف يحوّل الرداء؛ فعن أبي بكر عن عباد بن تميم قلت له: أخبرنا جعل أعلاه أسفله أو أسفله أعلاه أم كيف جعله؟ قال: "لا بل جعل اليمين الشمال والشمال اليمين"[رواه ابن خزيمة].
5- صلاة الاستسقاء ركعتان بإجماع المثبتين لها، ويجهر فيها بالقراءة.
6- هل هي قبل الخطبة أو بعدها؟
فذهب الجمهور إلى أنها قبل الخطبة، وقال الليث: "بعد الخطبة".
7- هل يكبّر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء، كما يكبر في صلاة العيد، فقال به الشافعي.
وقال الجمهور: لا يكبر.
8- أجمع العلماء على أنه لا يؤذن لها ولا يقام، لكن يستحب أن يقال: الصلاة جامعة.
عباد الله: بالتوبة والاستغفار، والطاعة والاستمرار، نستنزل الأمطار، من الله الغفّار.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفّارا، فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي