أيها المسلم: احذر نفسك والشيطان، فإنهما يوقعانك في نار جهنم أخبث المواقع. واغتنم ما بقي من عمرك، واجتهد في الأعمال الصالحة، فإنها أربح البضائع، وصل الأرحام وافش السلام، وتابع الصيام، وصل بالليل والناس نيام، وأحسن إلى الفقراء والأيتام، وأكس العريان، وأطعم الجائع، فليس لك مما جمعت إلا ما قدمت يداك، وما أبقيت فما هو لك بنافع، فقدم لنفسك خيرا تجده عند الله فعند الله لا...
الحمد لله المنفرد بالوحدانية، فلا شريك له ولا منازع، المنزه عن الشركاء والأنداد، فلا راد لما قضاه ولا مانع، ولا مزيل لما قدره بقدرته، وعلمه وحكمته، ولا مانع ولا خافض لمن رفعه وأعزه، ولا لمن أذله وأهانه رافع، ولا ضار لمن نصره ونفعه، ولا لمن يضره المولى نافع، أحمده سبحانه وتعالى حمدا يليق بجلاله ولا ينحصر ولا يتقطع، دائما متتابع حمد في عرف الله، واعترف بنعمه المتتابعة، شاركا لها، طالبا من الله -تعالى- من فضله الواسع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا منازع، شهادة خالصة تنجي قائلها يوم الفزع الأكبر، وكل لله خاشع، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، اللهم صل على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وسيوفهم القواطع، فهم هداة الأنام للإسلام، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- حق تقاته، فإن تقوى الله وطاعته هي أربح البضائع، وأخلصوا له الأعمال، فإن لم تخلصوها له فليس العمل بنافع، واجتهدوا في الأعمال الصالحة تفوزوا بالنعيم المقيم، فإنه خير المطامع.
ولا تتكلوا على الأسباب، فإنها مع الاتكال عليها ولو كثرت لم يجعل الله لكم فيها منافع، واجعلوا الاعتماد على الله فهو الخالق الرازق، الضار النافع، الغني القوي، يعطي من شاء ما شاء، ويمنع من شاء بحكمته تعالى المعطي المانع، يحيى ويميت، ويعز ويذل، ويحفظ من شاء، وهو لمن شاء بقدرته رافع.
فسبحان المتصرف بملكه وخلقه، وما قدره في علمه السابق الأزلي واقع.
قسم خلقه قسمين:
عاصين، أعمى الله قلوبهم عن الحق واتباع الشرائع، فاتبعوا أهواءهم، وارتكبوا المعاصي، وطبع الله على قلوبهم عن الحق، فكانوا لا يعرفون المعروف، وكأنهم لم يسمعوا المواعظ بالمسامع، فباعوا دينهم بدنياهم الفانية.
فسيندمون غدا على تفريطهم، فإذا دخلوا النار ندموا حينئذ على ما فرطوا في زمن الحياة، وليس ذلك الندم بنافع.
وأما الطائعون المتقون، فوفقهم الله لعبادته وطاعته بفضله الواسع، فاتبعوا الحق وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، واتبعوا الرسل والشرائع، وجاهدوا أنفسهم عن المعائب، واتباع الهوى، وعملوا بكتاب الله وشرعه الحق الساطع، وقلوبهم وجلة ممتلئة من خشية الله جوامع، مديمين لذكر الله -تعالى- في قلوبهم وألسنتهم، وأعينهم من خشة الله دوامع.
فجازاهم الله -تعالى- جنة عرضها السموات والأرض، لا يبد نعيمها ولا يفنى، وفضله تعالى عليهم فيها دائما متتابع.
ابن آدم لا تغرنك الحياة الدنيا وجمع حطامها، فإنك لا تدري لمن أنت جامع، فقد أتعبت نفسك في حلال وحرام ومشتبه، فتحملت الآثام، وتركت للورثة المنافع، فتسببت عليهم بما جمعت لهم بالشحناء والتباغض بينهم والتقاطع.
لقا غلب حب الدنيا وطلبها، فأعمى القلوب والأبصار، فكأنها لم تسمع الوعظ بالمسامع، أو كأنها مكذبة بما تسمع، هيهات هيهات: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ)[الذاريات: 5- 6].
فيا أيها المسلم: احذر نفسك والشيطان، فإنهما يوقعانك في نار جهنم أخبث المواقع.
واغتنم ما بقي من عمرك، واجتهد في الأعمال الصالحة، فإنها أربح البضائع، وصل الأرحام وافش السلام، وتابع الصيام، وصل بالليل والناس نيام، وأحسن إلى الفقراء والأيتام، وأكس العريان، وأطعم الجائع، فليس لك مما جمعت إلا ما قدمت يداك، وما أبقيت فما هو لك بنافع، فقدم لنفسك خيرا تجده عند الله فعند الله لا تضيع الودائع: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)[النبأ:40].
فتوبوا إلى الله توبة نصوحا، فالتوبة أنفس البضائع، واذكروه يذكركم، واشكروه يزدكم، فهو الكريم الجواد، يقبل توبة التائبين، ويعفو عن السيئات، وهو لدعاء من دعاه مجيب سامع.
جعلني الله وإياكم ممن أقلع عن الذنوب، وكان لله مطيعا راجع، وعفا عنا موبقات الذنوب المهلكات القواطع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى)[النازعات: 34- 36].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي