إنّ الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ففي خدمة الناس بركةٌ، بركة في الوقت، وبركة في العمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
أما بعد: أيها الأحبة في الله: ما خلق الله حقا ولا باطلا، ولا خيرا ولا شرا، إلا لحكمة الابتلاء والامتحان، قال -سبحانه وتعالى-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35].
فمَن علم منا مآرب الدين، ومقاصد شريعة رب العالمين، أدرك أنما هو سبب تجرى عليه حتوم الخير والشر؛ فطوبى لمفاتيح الخير، مغاليق الشر؛ وأسعد الله قلوبا تتقطع لمواجع الآخرين، ورحم الله أنفسا تسعى على حوائج المحتاجين.
أيها الأحبة في الله: نحن في خضم هادر لا يهدأ، ومعترك لا تسكن له رحى؛ وإنّ تمازج الخلق، واختلاف موارد الرزق، دوّامة يبرز فيها صفاء الأنفس، ونقاء السرائر، وخلاصة الفطرة.
ألا وإن نفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرسل. أشرف الخلق محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إذا سئل عن حاجة لم يردَّ السائل عن حاجته، يقول جابر -رضي الله عنه-: "ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط فقال: لا" أخرجه البخاري في صحيحه. والدنيا أقل من أن يُردَّ طالبها!.
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة -رضي الله عنهم- والصالحون من بعدهم، لأن السعي في حاجة الناس ومسايرة المحتاجين والمكروبين دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة؛ وربنا يرحم من عباده الرحماء، ولله أقوامٌ يختصهم بالنعم لمنافع العباد.
وجزاء التفريجِ في الدنيا تفريجُ كربات يوم القيامة، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" رواه مسلم، وفي لفظ له: "من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلْينفِّسْ عن معسر أو يضع عنه".
أيها الناس: إنّ الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ففي خدمة الناس بركةٌ، بركة في الوقت، وبركة في العمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن يسَّر على مُعْسِرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يسعى سعيًا شديدًا لقضاء حوائج الناس". بهذا جاء الدين، علمٌ وعمل، عبادةٌ ومعاملة.
أخي الحبيب: لا تدري، لعلك بدعوة صالحة، ممن فرجت كربته، وأعتقت رقبته، وقضيت دينه، تسعد أحوالك؛ والدنيا محن، والحياة ابتلاءات، فالقوي فيها قد يضعف، والغني ربما يُفلس، والحي فيها يموت، وصاحب الحق قد يصبح عليه الحق؛ لكن مواقف الرجل الإيمانية الرجولية، التي يلتمس فيها ما عند الله، ويثني عليها عباد الله، هي التي تبقى للدنيا والآخرة، فالسعيد من اغتنم جاهه وماله في خدمة الدين ونفع المسلمين، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَن مشى بحقِّ أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة".
والمعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شؤون الناس زكاة أهل المروءات، ومن المصائب عند ذوي الهمم عدم قصد الناس لهم في حوائجهم، يقول حكيم بن حزام: "ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب".
ويقول الشافعي -رحمه الله-:
الناس بالناس ما دام الحياء بهم *** والسعد لا شك تارات وهبّات
وأفضل الناس ما بين الورى رجل *** تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد *** ما دمت مقتدرا فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعل *** إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
وأعظم من ذلك أنهم يرون أن صاحب الحاجة منعم ومتفضل على صاحب الجاه حينما أنزل حاجته به، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسَّع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليَّ إرادة التسليم عليَّ، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي.
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من المصلحين، واعلموا أن الله -عز وجل- أثنى على أهل الخير وأهل المعروف من عباده، فقال -سبحانه-: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم.
عباد الله: هذه العطلة الصيفية، موسم خصب لإصلاح ذات البين، وقضاء حاجات المسلمين، هناك الكثير من المشكلات، والعديد من الخصومات، التي لو تشاور الأقارب في شأنها، وبحثوا في جلساتهم ولقاءاتهم كيفية حلها، وشغلوا أوقاتهم بها، وعملوا للقضاء عليها، عن طريق الزيارات، والجاهات، لأثمرت العطلة الصيفية.
لو تشاور الأقارب في أمر الضعفاء والمحتاجين منهم، وكيفية إيجاد مصدر رزق لهم، أو السعي في إيجاد عمل لمن لا يعمل منهم، لأثمرت العطلة الصيفية.
لو تشاور الأقارب في أمر مَن انحرف منهم إلى منكرات ومخدرات، أو ما شابه ذلك، وبحثوا عن السبيل إلى إصلاحه، ومحاولة إعادة هذا المنحرف إلى طريق الصواب، لأثمرت العطلة الصيفية.
لو بلغ الناس بأفهامهم هذا المستوى، لبلغت العطلة الصيفية حد الإثمار والإنتاج والتسويق، ولصرنا أنموذجا يحتذى به.
فما المانع أن نكون كذلك؟ كثير من أصحاب الحقوق، لو طرق أهل الجاه أبوابهم، وشفعوا في الأمر، وطيبوا خواطرهم، لانفضت كثير من المشكلات من ساحة المجتمع، ولعادت نسائم الألفة والمحبة.
فإلى متى ومجالسنا تعج بذكر مثالب الآخرين، وتفتقر إلى السعي في الإصلاح، تفتقر إلى التفكير في تقويم هذا المجتمع الضالع؟ ليسأل كل واحد منا نفسه: كم مرة طرحنا القضايا على بساط الإصلاح؟ وكم مرة طرحنا ذات القضايا على مشرحة التجريح والغيبة؟.
فنسأل الله أن نكون نوى خير وإصلاح، ومنابع رشد وفلاح.
صلوا وسلموا على خير البرية محمد -صلى الله عليه وسلم-...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي