إن أمتنا اليوم تعيش في دائرة الإحباط أفراداً وشعوباً ومجتمعات؛ بسبب كثرة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والابتلاءات بالفقر والمرض، والحروب والصراعات بين أبنائها ومع أعدائها، حتى أصبح الكثير من المسلمين في حالة يأس من تبدل الأوضاع وتغير الأمور، وبدأ البعض -ممن ضعُف إيمانهم- يشك في دينه ومعتقده، والعياذ بالله، وهذا من ضعف الإيمان وحب الدنيا ونسيان الآخرة، وعدم الفهم لسنن الله في هذه الحياة، والتي تقتضي وجود الابتلاء الذي لم يسلم منه أبونا آدم وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه...
الحمد لله المحمودِ بجميع المحامد تعظيماً وثناءً.. المتصفِ بصفات الكمال عزّة وكبرياءً.. الحمد لله الواحدِ بلا شريك.. القويِّ بلا نصير.. العزيزِ بلا ظهير.. الذي رفع منازل الشهداء في دار البقاء.. وحث عباده على البذل والفداء.. أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.. فهو الأول والآخر.. والظاهر والباطن.. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
عَزَّ فلا تـراه الظنـون *** وجـلَّ فلا يعتريه المنـون
تفـرَّد في مـلكه بالبقاء *** وكل الورى بالفناء ذاهبون
ويفعل في خلقه ما يشاء *** بغير اعتراض وهم يسألون
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد: عباد الله: لقد خلق الله الإنسان، وأمره بعبادته، وأنزل الكتب وأرسل الرسل لهدايته، وبيّن له الحق من الباطل، والخير من الشر، والحلال من الحرام، وجعل حياته ابتلاء وتمحيص لينظر في عمله قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ)[الملك:1-2].
وفي القرآن قُرن ذكر الابتلاء بخلق الإنسان؛ ليعلم العبد أنه منذ وُجد وهو في ابتلاء إلى أن يموت، وأن تكليفه بالدين ابتلاء، وأنه في سيره إلى ربه –سبحانه- يعيش مرحلة ابتلاء (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:2-3].. وجعل -سبحانه وتعالى- هذه الدنيا بما فيها من زينة ومتاع ميدان ابتلاء، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف:7].
والابتلاء قد يكون بالخير أو بالشر، وبالسراء والضراء، قال تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف:168]، وقال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]..
والإنسان يُبتلى بالدين والتزامه بما فيه من أحكام وعبادات وتكاليف، ويُبتلى بالشيطان ووسوسته، ويُبتلى بالنفس وشهواتها، ويُبتلى بالناس من حوله وبالعدو وسطوته، وبالزوجة والأهل والأولاد، ويُبتلى بالفتن والمصائب والكوارث، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155].
أيها المؤمنون، عباد الله: مع هذا الابتلاء وكثرة الفتن وتعدد المصائب تتولد دائر الإحباط حول الإنسان؛ بسبب ضعف إيمانه وسوء عمله وتقصيره، وربما البيئة التي يعيش فيها سبب ذلك، فلا يجد إلا متشائمًا أو يائسًا أو محبطًا، وقد تغيب النصيحة والتوجيه والتذكير ممن هم بجانبه، وفي هذه الحالة لا تزداد الحياة إلا سوءاً والنفوس إلا تعاسة وشقاء، فكان لا بد من العودة إلى تزكية النفس بالإيمان، وتدبر آيات القرآن، وفهم الحقيقة الشرعية للابتلاء، والنظر في سير الأولين من الأفراد والأمم والمجتمعات؛ حتى تتولد الثقة بالله التي بها نصنع الأمل والتفاؤل، مهما كانت الظروف، فسواد الليل يأتي بعده ضياء الصباح، وإن البرق والرعد مهما كانت شدتهما وخاف الناس من سطوتهما فإنه يأتي محملاً بالأمطار والخير، والبلاء مهما عظُم فبعده يأتي الفرج:
إذا اشتملت على اليأسِ القلوبُ *** وضاق لما بهِ الصدرُ الرحيبُ
ولم تر لانكشافِ الضرِ وجهُـاً *** ولا أغنـى بحيلتـِه الأريـبُ
أتاك على قنـوطٍ منك غـوثٌ *** يمـنُ به اللطيفُ المسـتجيبُ
وكل الحـادثاتِ وإن تنـاهت *** فموصـولٌ بها الفرجِ القريب
لما جاءت إبراهيم -عليه السلام- البشرى بالولد في سنٍ كبير أبدى تعجبه فقال: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر:54]، فماذا كان جوابهم: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ قال وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) [الحجر: 56]..
وهذا موسى -عليه السلام- وقومه وقد تبعهم فرعون وجنوده حتى إذا وصلوا إلى شاطئ البحر وفرعون من خلفهم قال اليائسون والمتشائمون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61], فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام- في ثقة وتفاؤل ويقين يريد أن يصنع حياتهم ومستقبلهم من جديد: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62]، فأمره الله –سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، وكان كل فرق كالطود العظيم، ومشى مع قومه في طريقٍ يبسا.. فما بعد العسر إلا يسرًا!! وما بعد الكرب إلا فرجًا!! وما بعد الضيق إلا سعةً!! قال تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110].
عباد الله: لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يصنع الأمل رغم دائرة الإحباط المحيطة به.. فهناك حرب شعواء على دينه وأصحابه، وصدّ وتكذيب وسخرية واستهزاء وتعذيب، وغير ذلك، ومع ذلك كان يصنع الأمل في نفوس أصحابه بالعمل والإصرار والعزيمة، والثبات على الحق، والثقة بالله، والتوكل عليه، واليقين بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يترك أولياءه ولا عباده دون رعاية وتدبير أمورهم حتى وإن ابتلاهم بصنوف الابتلاء، ولعل في ذلك خيرًا كثيرًا لا يدركه الإنسان..
والمتأمّل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يجد ذلك.. فعندما هاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وقد أرسلت في طلبه قريش، وقد أباحت دمه وهو في الصحراء لا طعام ولا شراب والموت يترصده في أيّ لحظة، فإذا بسراقة بن مالك أحد فرسان قريش خلفه قد غاصت قدما فرسه في التراب، فينظر إليه رسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً له بكل ثقة وتفاؤل: "يا سراقة لم تصنع هذا؟" قَالَ: إن قريشاً قد وعدوني بكذا من الإبل، قَالَ: "أوليس لك بخير منها؟" قَالَ: وما هما، قَالَ: سواري كسرى" (البخاري: 3906، ومسلم: 2009)..
ويوم معركة الأحزاب، ومع كل تلك الظروف العصيبة الشديدة التي أحاطت بالمسلمين من حصار جماعي من مختلف قبائل العرب واليهود، وبجيش يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ومن جوع وخوف وهلع وشدة برد..، لم ييأس المسلمون، ولم يفقدوا ثقتهم بالله –تعالى-، بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان في ظل تلك الظروف يعدهم بفتح الشام، وفارس، واليمن، وهي الدول العظمى في ذلك الوقت مع وجود دائرة الإحباط المادية المحسوسة بالحصار وأعداد الجيش المحاصر للمدينة من قبائل العرب، وقلة الإمكانات لدى المسلمين، والبرد والجوع والخوف...
إلى جانب دائرة الإحباط المعنوية داخل المدينة يتزعمها المنافقون، والذين كان عملهم التخويف والتثبيط، والسخرية، والاستهزاء والقعود، والهروب من المواجهة وتحمل المسئولية، حتى قال الله فيهم: (وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا) [الأحزاب: 12]..
فبمجرد موقف أو ابتلاء أو فتنة واحدة ظهرت الحقائق، وكُشفت الادعاءات واتضحت الصفوف.. ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يربي أصحابه على صناعة الأمل، وعدم اليأس لم يتأثروا بدائرة الإحباط، رغم أن القلوب قد بلغت الحناجر وضاقت النفوس؛ لأنها نفوس بشر لكن الإيمان بالله والثقة به وبمنهجه والتصديق بوعده ووعيده، وبذل المستطاع من الأعمال ثبتهم حتى ذهبت هذه الغمة، وخرجوا منها منتصرين قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب: 22].
فهكذا المؤمن يجعل من المحنة منحة بصبره ويقينه وثقته بالله الذي بيده الموت والحياة والرزق، يدبر الأمور ويجريها وفق إرادته ومشيئته، وبهذا يحصل العبد على الأمن النفسي.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أنا جنتي وبستاني في صدري أينما اتجهت.. إن نفي عن بلدي سياحة، وحبسي خلوة، وقتلي شهادة"، وصدق الله إذ يقول: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].
أيها المؤمنون: إن أمتنا اليوم تعيش في دائرة الإحباط أفراداً وشعوباً ومجتمعات؛ بسبب كثرة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والابتلاءات بالفقر والمرض، والحروب والصراعات بين أبنائها ومع أعدائها، حتى أصبح الكثير من المسلمين في حالة يأس من تبدل الأوضاع وتغير الأمور، وبدأ البعض -ممن ضعُف إيمانهم- يشك في دينه ومعتقده، والعياذ بالله، وهذا من ضعف الإيمان وحب الدنيا ونسيان الآخرة، وعدم الفهم لسنن الله في هذه الحياة، والتي تقتضي وجود الابتلاء الذي لم يسلم منه أبونا آدم وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه.
وقد يكون هذا الابتلاء إما عقوبة على ذنب ومعصية؛ فيطلب من العبد التوبة والرجوع إلى الحق حتى يرفع البلاء، وإما أن يكون على سبيل الامتحان والاختبار والتمحيص ورفع الدرجات والتمييز بين صدق الإيمان وقوة العقيدة يقول الحق سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ * ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2-3].
وفي هذه الحالة لا بد من الصبر وبذل الأسباب الشرعية والدنيوية المستطاعة، وفي كلتا الحالتين لا بد من شكر الله، والتضرع بين يديه، والاعتصام به، والتوكل عليه حتى يكتب الله الفرج بعد الشدة، والأجر بعد الصبر والثبات، قال رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ" (صححه الألباني)..
اللهم وفقنا للصبر والرضا واصرف عنا اليأس والسخط، وارزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة.. قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
عباد الله: نحتاج للثبات عند نزول الفتن وحلول البلاء إلى القيام بأعمال وواجبات وتكاليف شرعية ودنيوية، فمن ذلك تصحيح العقيدة، وتقوية الإيمان بالله، والتوكل عليه والمحافظة على العبادات والتضرع والدعاء بين يديه -سبحانه وتعالى- القائل: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى * وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) [طه: 128-130]..
ومن ذلك الصبر على طريق الحق مهما كانت المغريات والشهوات والشبهات قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )[الحج: 11].
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، فتنة يرقق بعضها بعضاً، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الأخرى فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" [مسلم: 1844].
إنه ثبات على الحق والإيمان رغم قوة البلاء وكثرة الفتن، وتلك مرتبة عظيمة في طريق السالكين إلى الله، ودليل على محبته ورضوانه.. ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر ثقافة الحب والتسامح والأخوة ونبذ العصبيات الجاهلية، وإصلاح ذات البين، وحفظ الدماء والأعراض والأموال، وتقديم مصالح الأمة والمجتمعات والأوطان على مصالح الأفراد والأحزاب والجماعات والتنافس في تطوير وازدهارها بالوسائل المتفق عليها.
عباد الله: اعلموا وثقوا يقيناً أن الله –تعالى- يرانا ويعلم أحوالنا، وأن ما يجري في الكون ما هو إلا من تدبيره واختياره، وهو أرحم بنا من أنفسنا، وإن ابتلانا فما ذلك إلا لحكمة هو يعلمها، وثقوا بأن بعد العسر يسراً، وبعد الشدة فرجاً، وأن الباطل إلى زوال، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن عاقبة الظلم والطغيان وخيمة في الدنيا والآخرة، وأن الآجال والأرزاق بيده -سبحانه-.
ولن يستطيع أن يتحكم بها بشر مهما عظمت قوته، وكثر أتباعه، وأن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن هذه الدنيا فانية وزائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، وفيها الحياة الأبدية، فلا تخاف ولا تحزن وتذل نفسك، ولا تبيع دينك وقيمك، ولا يرهبك باطل، ولا تستهويك شهوة، وكن مع الله يكن معك..
ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:
أنا إن عِشتُ لست أعدِمُ قوتاً *** وإذا مِتُ لستُ أعدِم قبرا
همتي همةُ الملوكِ ونفسي*** نفسُ حرٍ ترى المذلةَ كفرا
ورضي الله عن الإمام عليّ إذ يقول:
أيّ يومي من الموت أفر *** يوم لا يُقدَرُ أو يوم قُدِر؟
يوم لا يقدر لا أحذره *** ومن المقدور لا ينجو الحذر
اللهم اهد نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.. اللهم ادفع عنا كل بلاء وجنبنا كل فتنة، وثبتنا على الحق حتى نلقاك.. اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية..
هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي