هل يُقبلُ عَقْلاً أنْ يعملَ شيعةُ الحسينِ -رضي اللهُ عنهُ- عليه المآتمَ وهم الذين أغروهُ وخذلوهُ وأَسْلَمُوه؛ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ.. ثمَّ لِماذا على مقتلِ الحسينِ رضي اللهُ عنهُ فقط؟! فقَد قُتِلَ مِنَ الأَنبِيَاءِ ظُلمًا وَعُدوَانًا مَن هُوَ أَفضَلُ مِنَ الحُسَينِ، وقُتِلَ أَبُوهُ وَقُتِلَ عُثمَانُ ظُلمًا وَعُدوَانًا وَهُم أَفضَلُ مِنهُ، وَمَا فَعَلَوا على أَحَدٍ مِنَهم مَأتَمًا وَلا نِيَاحَةً! ولو جازَ لنا فعلُ شيءٍ من ذلك لكانت وفاةُ رسولِنا أعظمَ مُصيبةٍ من قَتْلِ الحسين -رضي الله عنه وأرضاه-. والسَّببُ في ذلك أنَّ فِعلَهم فِتنَةٌ وَنَبْتَةٌ فارسيَّةُ يهوديةٌ! فبهذهِ المآتمِ يُحرِّضونَ على أهلِ السُّنَّةِ عُموماً وعلى العَرَبِ منهم خصوصاً ويُثِيروا فيهم العَداوةَ والبَغضَاءَ.
الحمدُ لله وسعت رحمتُه كلَّ شي، وعمَّ إحسانُه كلَّ حيٍّ، ما من مخلوقٍ إلا يُسبِّحُ في بِحَارِ رحمتِهِ,نشهد أن لا إله إلا أنتَ وحدكَ لا شريكَ لهُفي ألُوهِيَّتِه ورُبُوبيَّتِهِ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أرسله ربُّهُ بالهدى ودينِ الحق لِيكونَ رَحمَةً وحُجَّةً على بَريَّتِهِ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله الكرام، وأصحابه الأعلام ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ على الدوام.
أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ، تكونوا خيرَ عبادِ الله وأكرمَهم عليه وأقربَهم إليه، واذكروا وقوفَكم بين يديه: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ: 40].
أيُّها المؤمنُ: إذا حلَّ عامٌ هجريٌّ جديدٌ فإنَّكَ تَشعُرُ بعزِّ هذا الدِّينِ الْحنيفِ، والتَّأريخِ الْمَجِيدِ، والْمَنهَجِ النَّبويِّ الرَّشيدِ، الذي يربطُ ماضِ الأَنبِياءِ جميعاً بحاضِرِهم ومُستقبلِ دِينِهم ودَعوتِهم!
وفي مَطلَعِ عامٍ هجريٍّ جَدِيدٍ تَزدَادُ تَعظيماً لِما عَظَّمه اللهُ –سبحانَهُ- وحرَّمهُ! فقد أضافَ الرَّبُّ -جلَّ وعلا- الشَّهرَ الْمُحرَّم إلى نفسِهِ تَشريفًا وتكريمًا، فهو أوَّلُ الأشهرِ الحُرُم التي قالَ اللهُ عنها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ قالَ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهور عقَّبَها بتَحرِيمِ الظُّلمِ فيها، فما السِّرُّ في ذالِكَ؟ ذالِكَ أنَّ الظُّلمَ سببُ كلِّ شرّ، ومَصدَرُ الآفات، فَمَتى فشا في أمَّةٍ آذنَ اللهُ بِأُفُولِها، وفي الحديثِ القُدسي: "يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسِي، وجعلتهُ بينَكم مُحرمًا، فلا تَظَالَمُوا"، وفي الصحيحين أنَّ النَّبيَ قال: "اتَّقُوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامة".
وأعظَمُ الظُّلمِ -والعِياذُ باللهِ- الإشراكُ باللهِ سُبحَانَهُ! كَدُعاءِ غيرِهِ، أو الذَبحِ لغيرِهِ أو التَّوسُّلِ بغيرهِ! أو نَبذِ شَرعِهِ وحُكمهِ! قالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 116]، وظُلمٌ آخَرُ لا يترُكُه اللهُ –تعالى-، وهو ظُلمُ الغيرِ، فلا بدَّ من أخذِ الحقِّ لِلمَظلُومِ، كما في الحديثِ القُدسي أنَّ اللهَ قالَ: "وعزَّتي، لأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ".
عباد اللهِ: ألا يوجدُ فينا من ظَلَمَ أقربَ النَّاسِ إليهِ؟ زوجَهُ وأَولادَهُ، ومنْ لَهُ حقٌّ عليه؟ يُخاصِمُهُم ويَهجُرُهُم وَيعتَدِي عليهم! ألا يوجد منْ ظَلَمَ خَدَمَهُ وعُمَّاله، أَلا يُوجدُ من العَمَالةِ سَرِقةٌ وهُرُوبٌ، وَنَصبٌ واحتيالٌ! قالَ رسولُ اللهِ: "من كانت له مَظلَمَةٌ لأَخِيهِ من عِرضِهِ أو شَيءٍ فَليَتَحَلَّلُهُ منه اليومَ قبلَ أن لا يكونَ دِينارٌ ولا دِرهمٌ، إنْ كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدرِ مَظلَمَتِهِ، وإنْ لم تكن لهُ حَسَنَاتٌ أُخذَ من سَيئاتِ صَاحبهِ فَحُمِّلَ عليه".
يا مؤمنونَ: ألم تَسمَعُوا بِأنواعِ ظُلمٍ واعتِداءٍ على أولياءِ اللهِ ودُعاةِ الحَقِّ والهُدى والدَّينِ في زِمَنِنا هذا! فأينَ الظَّلَمَةُ من قولِ اللهِ في الحديثِ القُدسيِّ: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ" (رواه البخاريُّ).
أمَّا ثَالثُ أنواع ِالظُّلمِ: فهو ظُلمِ العبدِ نَفسَهُ بالمعاصي والسَّيئَاتِ: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]، فكم منَّا مَنْ يَخُوضُ في غِمَارِ المَعَاصِي، فلا يَعرِفُ مَعروفَاً ولا يُنكِرُ مُنكرَاً؟!
فمن ظُّلمِنا لأَنُفسِنَا أنْ نُقَابِلَ نِعَمَ المولى بالنُّكرانِ لا بالشُّكرَانِ، فالبَصَرُ نِعمَةٌ، سَخَّرها بعضُنا في نَظَرِ الحرامِ، والسَّمع نِعمَةٌ صَرفها البَعضُ في سَمَاعِ الحرامِ، والنُّطقُ والِّلسانُ نِعمَةٌ سخَّرها البعضُ في قالةِ السُّوءِ! وكُلُّ الأعضاء نِعمةٌ فَكم سَعَينَا فيها إلى الحرامِ؟! وقد صَوَّرَ اللهُ هذا العِتَابَ بينَ الإنسانِ وأعضائِهِ فقالَ -عزَّ مِن قائلٍ حَكِيمًا-: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت: 19- 21].
عبادَ اللهِ: ومن تعظيمِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، ما بَيَّنَهُ رَسُولُنا بقولِهِ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ"، قال الإمامُ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وهذا تَصرِيحٌ بأنَّه أفضلُ الشُّهور للصَّومِ"؛ فاجتهدوا يا رعاكُمُ اللهُ في الإكثار من صيامِه، ولو أيَّامِ الاثنينِ والخميسِ وأيَّامِ البِيضِ.
أيُّها الكرامُ: ويَتَمَيَّزُ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ بِيَومِ عَاشُوراءَ فقد أخذَ رسولُنا على نفسِهِ العهدَ على صيامِهِ حين وَجَدَ اليهودَ تَصُومُهُ وقالَ: "فَأَنَا أحقُّ بموسى منكم"، فصامَهُ وأَمَرَ بصيامِهِ، وقالَ: "لئن عشتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأَصُومَنَّ التَّاسعَ".
ولمَّا سُئِلَ رسولُ اللهِ عن فَضلِهِ قالَ: "صَومُ يومِ عاشورَاءَ إنِّي أحتَسِبُ على اللهِ أنْ يكفِّرَ السَّنةَ المَاضِيَةَ"، فاجتهدوا يا رعاكُمُ اللهُ في صيامِ التَّاسعِ مع العاشرِ، حتى لا نَتَشَبَّهَ بِاليهودِ في إفرادِ العاشرِ.
فاللهم أعنَّا جميعاً على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحسنِ عِبادَتِكَ، أقولُ ما سمعتم، وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولِلمسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيم.
الحمدُ لله أكملَ لنا الدِّينَ وأَتَمَّ علينا النِّعمةَ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنعمَ علينا بالقرآنِ، وبإتباع سُنَّةِ سَيِّدِ الأنام، ونشهد أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ الله ورسولُه، حذَرَ من الابتِدَاعِ في الدِّينِ! وأنَّه يقودُ إلى الضَّلال والْجَحِيمِ! فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آله الطَّيِّبينَ، وأصحابِه الغُرِّ الْمَيامِينِ، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهَ، فإنَّ من اتَّقى اللهَ وقاهُ عذابَ آخِرَتِهِ، وَفِتَنَ دُنْيَاهُ.
يا أهلَ السُّنةِ والجماعةِ: يومُ عاشوراءَ يومٌ عظيمٌ نجَّى اللهُ فيهِ موسى وقَومَهُ وأهلكَ فرعَونَ وقومَهُ، فنفرحُ فيه لانتصارِ الحقِّ على الباطِلِ، ونَتَّبعُ فيه نَبِيَّنا بصيامِ ذالِكَ اليومِ الأَغَرِّ !
فهل تَظُنُّونَ يا مُسلِمونَ: أنْ يحيدَ عن هذا الْهَدِيِّ النَّبويِّ أناسٌ لهم فُهُومٌ وعقولٌ! ودينٌ وتُقى! إي واللهِ لقد تَنَكَّبَ أناسٌ عن الصِّراطِ فعاثوا في دينِ الله الفسادَ والإفساد؛ حرَّفوا شريعةَ الله وكذَّبوا على أتباعهم، وقلَّبوا الحقائقَ والأمورَ ! ومع كلِّ ما سمعتم فهؤلاء ينتسبون إلى الإسلام! ودين الله بَرَآءٌ من عقيدتِهم وَصَنِيعِهِم! وشِركياتِهم وخُرافاتِهم وحُسينِيَّاتِهم! لا أظنُّكم تجهلونَ القومَ فهم غُلاةُ الرَّوافضِ وكذَّابو مَحَبَّةِ آلِ بيتِ الْمُصطَفى عليه وعلى آله وأصحابِه أزكى الصَّلاةِ وأوفى السَّلامِ.
عباد الله: لم تعُد أعمالُ الرَّوافضِ سرَّاً! ولا حبيسةَ الْحُسَينِيَّاتِ إنَّما تُبثُّ عبرَ الفضائياتِ للعالم أجمع. فهل يحسنُ السُّكوتُ والتغاضي وطأطأة الرؤوسُ؟ يا أهل السُّنَّة والجماعةِ: ولعلَّ بعضَكم يتساءَلُ لماذا الروافضُ يُبَدِّلِونَ يوم النَّصر إلى مآتمَ وأحزانٍ ولَطْمٍ للخدودِ وضَربٍ بالسَّلاسِلِ على الظهور والرءوس وفي يومِ عاشوراءَ بالذَّاتِ؟!
إنَّهم يَفعَلُونَ ذَلِكَ بِاسمِ الحُزنِ عَلَى مَقتَلِ الحُسَينِ بن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنهما، وَادِّعَاءً لِحُبِّ آلِ بَيتِ المصطفى -رضوَانُ اللهِ عَلَيهِم أجمعين-، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّهُم أَضَلُّ النَّاسِ فِيمَا يَفعَلُونَ وَأَكذَبُهم فِيمَا يَدَّعُونَ، ولو عُدنا إلى فتنةِ مَقْتلِ الحُسَينِ بن عليِّ بن أبي طالبٍ -رضي اللهُ عنهما- لأدركنا أنَّهم هم سَبَبُ خروجِهِ للعراقِ وعدمِ مبايعتِه ليزيدَ بنَ معاويةَ، رضي اللهُ عنهم أجمعينَ، وأنَّهم هم الذين أغروهُ حينَ اجتمعوا له في العراقِ بجيشٍ قُوامهُ أربعةُ آلافِ مقاتلٍ وكاتَبُوه على البيعةِ والخلافةِ.
فلمَّا جدَّ الجدُّ لم يبقَ معه إلا ثلاثون رجلاً، وقد أشارَ عليه ابنُ عباسٍ ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهم! ولَكِنَّهُ خرجَ فَوقعتْ فتنةٌ عَمْياءَ قُتل فيها سيِّدُ شبابِ أهلِ الجنةِ في العاشر من شهرِ الله الْمُحَرَّمِ!
فهل يُقبلُ عَقْلاً أنْ يعملَ شيعةُ الحسينِ -رضي اللهُ عنهُ- عليه المآتمَ وهم الذين أغروهُ وخذلوهُ وأَسْلَمُوه: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ.
ثمَّ لِماذا على مقتلِ الحسينِ رضي اللهُ عنهُ فقط؟! فقَد قُتِلَ مِنَ الأَنبِيَاءِ ظُلمًا وَعُدوَانًا مَن هُوَ أَفضَلُ مِنَ الحُسَينِ، وقُتِلَ أَبُوهُ وَقُتِلَ عُثمَانُ ظُلمًا وَعُدوَانًا وَهُم أَفضَلُ مِنهُ، وَمَا فَعَلَوا على أَحَدٍ مِنَهم مَأتَمًا وَلا نِيَاحَةً! والسَّببُ في ذلك أنَّ فِعلَهم فِتنَةٌ وَنَبْتَةٌ فارسيَّةُ يهوديةٌ! فبهذهِ المآتمِ يُحرِّضونَ على أهلِ السُّنَّةِ عُموماً وعلى العَرَبِ منهم خصوصاً ويُثِيروا فيهم العَداوةَ والبَغضَاءَ.
يقول ابن تيميةَ -رحمه الله- عنهم: "فصارت طائفةٌ جاهلةٌ ظالِمَةٌ إمَّا مُلحدةٌ مُنافقةٌ وإمِّا ضالةٌ غاويةٌ تَتَّخِذُ يومَ عاشوراءَ يومَ مأتمٍ وحُزْنٍ ونياحةٍ، وتُظهِرُ فيه شِعَارَ الجاهليةِ من لَطمِ الْخُدودِ وشَقِّ الْجُيُوبِ وإنشادِ قصائدِ الْحُزْنِ وروايةِ أخبار الكذب، التي ليس فيها إلا تجديدُ الْحزنِ والتَّعصُّبِ وإثارةُ الشَّحناءِ والحربِ وإلقاءُ الفتنِ بينَ أهلِ الإسلام والتَّوسُّلُ بذلك إلى سَبِّ السَّابقين الأولين، وشرُّ هؤلاء وضررُهم على أهلِ الإسلامِ لا يحصيه الرجلُ الفصيح في الكلام".
أيُّها المؤمنون: واللهِ إنَّ أهل السُّنةِ والجماعةِ أشدُّ حُزناً على مَقتلِ الحسينِ -رضي اللهُ عنهُ- ولا يفرحُ مُسلمٌ بِمَقْتَلِه ولا بِمَقْتَلِ أيِّ رجلٍ مسلم، ولكنَّ أمرَ اللهِ غَالِبٌ، وقدرُهُ نافذٌ! ولا يُخرِجُنَا حُبُّهم إلى الغُلوِّ والابتداعِ في الدِّين، ولو جازَ لنا فعلُ شيءٍ من ذلك لكانت وفاةُ رسولِنا أعظمَ مُصيبةٍ من قَتْلِ الحسين -رضي الله عنه وأرضاه-.
ولو أنَّ الرَّوافضَ الْمُبتدعةَ يُحبِّون الْحسينَ حقَّا لاتبعوا هديَه بالعبادةِ والعلم والتُّقى! وَلَكَانُوا صياماً يومَ عاشوراءَ كما كان صائمًا، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَابًا مُهِينًا)[الأحزاب: 57].
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسألُكَ أَن تُرِيَنَا في غُلاة الرَّافِضَةِ يَومًا أَسوَدَ، اللَّهُمَّ أَحصِهِم عَدَدًا وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا، اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً، وَلا تُبَلِّغْهُم هَدَفًا وَلا غَايَةً، وَاجعَلْهُم لِمَن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً، اللَّهُمَّ وَعَليكَ بِجَمِيعِ أَعدَاءِ دِينِكَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَبرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمرًا رَشَيدًا، يُعَزُّ فِيهِ أَهلُ طَاعَتِكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهلُ معصيتكَ، وَيُؤمَرُ فِيهِ بِالمَعرُوفِ وَيُنهَى عَنِ المُنكَرِ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
واعلموا رحمنا الله جميعاً أنَّ اللهَ تعالى لم يزل قائِلاً عَلِيمًا وآمرًا حَكِيمًا تنبيهًا لنا وتعليمًا وتشريفًا لِقَدْرِ نبيِّه وتعظيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ وسلِّم تسليماً مزيداً.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي