فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ, تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ, وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ, وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ, وَشَقِّ الْجُيُوبِ, وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.. فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لأَهْلِ الضَّلالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا, وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ, وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ, وَرِوَايَةِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ, وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ, وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلامِ, وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ.. وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ, لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ...
أما بعد: فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ"؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ"؛ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (رواه مسلم). وعند البخاري: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ.
وقصة ذلك أيها الإخوة: إنه لما أيس موسى -عليه السلام- من إيمان فرعون مع ما أجرى الله تعالى على يديه -عليه السلام- من الآيات دعا ربه يقول الله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [يونس: 88 – 89].
هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى -عليه السلام- على عدو الله فرعون غضبًا عليه لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده، واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي.. وهذه دعوة غضب لله –تعالى-، ولدينه، ولبراهينه... فاستجاب، الله -تعالى- لها وحققها وتقبلها... وأَمَّنَ على دعائه أخوه هارون -عليه السلام-.
واستأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم.. فخرجوا بليل وساروا طالبين بلاد الشام فلما علم فرعون بذهابهم حنق عليهم كل الحنق واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه، وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم، قال الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) [الشعراء: 52 – 60].
وركب فرعون في جنوده طالبًا بني إسرائيل يقفو أثرهم في جيش كثيف عرمرم، قيل أن خيوله مائة ألف فحل أدهم، وعدد الجنود يزيد على ألف ألف وستمائة ألف. وبنو إسرائيل نحو من ستمائة ألف مقاتل.
ولحقهم فرعون بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبقَ ثَم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجاولة والمحاماة..
عندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61]؛ ذلك أنهم اضطروا في طريقهم إلى البحرِ من أمامِهم والجبالِ الشاهقةِ المنيفةِ عن يسرتِهم وعن أيمانِهم، وفرعون قد واجههم، وعاينوه في جنوده وجيوشه وعَدَدِه وعُدَدِه وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة... فأين يذهبون..؟ فشكوا إلى نبي الله موسى -عليه السلام- ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق -عليه السلام-: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زبد أجاجه، وهو يقول: هاهنا أمرت ومعه أخوه هارون -عليه السلام- وساداتُ بني إسرائيل، وعلماؤهم، وعبادُهم، وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف.. فلما تفاقم الأمر.. وضاق الحال.. واشتد الخطب، واقترب فرعونُ وجنودُه في حدَهم وحديدهم وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار.. وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك.. فعند ذلك... أوحى الحليمُ العظيمُ القديرُ ربُ العرش الكريم إلى موسى الكليم (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) [الشعراء:63]، فلما ضربه يقال: إنه قال له: انفلق بإذن الله، قال الله -تعالى-: (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63] ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقًا لكل سبط من أسباط بني إسرائيل طريق يسيرون فيه.
أيها الأحبة: وهكذا كان ماء البحر قائماً مثل الجبال مكفوفاً بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون؟! وأمر الله الريح فهبت وصارت الطُرق يابسة...
ولما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم، أُمِرَ موسى -عليه السلام- أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين، مستبشرين مبادرين، وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين، فلما جاوزوه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعونَ إليه، فأراد موسى -عليه السلام- أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه؛ لئلا يكون لفرعون وجنودِه وصول إليه ولا سبيل عليه، فأمره القديرُ ذو الجلال أن يتركَ البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) [الدخان:24]، أي: ساكنًا على هيئته لا تغيّره عن هذه الصفة (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الدخان: 25 – 28].
فلما رأى فرعون ذلك هاله هذا المنظر العظيم، وأحجم ولم يتقدم، ولكن جواده بادر مسرعًا; وفرعون لا يملك من نفسه ضرًّا ولا نفعًا، فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموا وراءه مسرعين، أجمعين، حتى همَّ أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله -تعالى- كليمه، فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينجُ منهم إنسان قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ *وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 61- 68]، أي: في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه، فلم يخلص منهم أحد، آية عظيمة، وبرهان قاطع، على قدرته -تعالى- العظيمة.. وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة، والمناهج المستقيمة.
وعند إغراق زعيم كفرة القبط فرعون، جعلت الأمواج تخفضه تارة، وترفعه أخرى، وبنو إسرائيل ينظرون إليه، وإلى جنوده، ماذا أحل الله به، وبهم من البأس العظيم، والخطب الجسيم، ليكون أقر لأعين بني إسرائيل، وأشفى لنفوسهم، فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به، وباشر سكرات الموت أناب حينئذ وتاب، وآمن حين لا ينفع نفسًا إيمانها كما قال -تعالى-: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: 88 -92].
وهكذا دعا موسى على فرعون وملئه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) أي: حين لا ينفعهم ذلك ويكون حسرة عليهم، وقد قال -تعالى- لهما –أي: لموسى وهارون- حين دعوا بهذا (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا)، فهذا من إجابة الله -تعالى- دعوة كليمه وأخيه هارون -عليهما السلام-.
اللهم انصر عبادك المؤمنين إنك جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله....
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَالْحَسَنِ; فعن ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ, وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "مَا هَذَا" قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". وفي رواية: "هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ".. (رواه البخاري).
وفي رواية مسلم: "هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ"، زاد مسلم في روايته: "فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ". قوله: "وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". وفي رواية للبخاري أيضًا فقال لأصحابه: "أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا".
أيها الإخوة: لقد كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحرى صيام هذه اليوم ويأمر بصيامه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" (رواه البخاري).
ومعنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبةِ فيه. وقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(رواه مسلم).
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
والسنة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أحسن شيء. الثانية أن يصوم التاسع والعاشر، وهذا أفضل من أن يصوم العاشر والحادي عشر، وهي أفضل من إفراد العاشر؛ لما فيها من مخالفة أهل الكتاب قال رسول الله: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رواه مسلم)، وهي الصفة الرابعة.
وقال شيخ الإسلام: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ"..، وقال -رحمه الله- ملخصًا ما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين -رضي الله عنه-، وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال: "فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ, تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ, وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ, وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ, وَشَقِّ الْجُيُوبِ, وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.. فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لأَهْلِ الضَّلالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا, وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ, وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ, وَرِوَايَةِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ, وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ, وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإِسْلامِ, وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ.. وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ, لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ".ا.هـ.
والعجيب أنهم يشنّعون على أهل السنة صيام هذا اليوم شكرًا لله على نجاة موسى وقومه.... نسأل الله لهم الهداية...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي