أيها الأولياء.. رفقا بالبنات والأبناء

عبد الله الواكد
عناصر الخطبة
  1. أنين الشباب من مشكلة عدم الزواج .
  2. الأسباب وراء هذه الظاهرة الخطيرة .
  3. الهدي النبوي في تيسير الزواج .
  4. حلول لهذه المشكلة .

اقتباس

وهذا المجتمع المجحف، الذي يدفّ الخطى على عادات وتكاثر وتفاخر، ما أنزل الله بها من سلطان، قد أُمِّرتِ النساءُ على دفته، وقلدن منصب قيادته، فهن من يمهد الطريق، ويسبب الكلفة والعسر والضيق؛ هذا المجتمع، بأسلوبه القاسي، وبزمنه المتناسي، المتناسي لسِنِيِّ الفاقة والعسر، يوم أن كان الناس يأكلون النوى ويفترشون الثرى، هذا المجتمع بهذه الرمة، هو من دفع الشباب إلى الاعتزاب، وصدفهم عن الزواج.

الخطبة الأولى:

أيها الأحبة المسلمون: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

أيها المسلمون: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.

أيها الناس: إن في البلاد المسلمة عامة، وفي هذه البلاد خاصة، وفي مدينتكم هذه على وجه أخص، مشكلة من أعضل المشاكل، وأعمقها أثراً في حياة الأمة المسلمة، إنها مشكلة(عدم) الزواج!.

في المسلمين آلاف مؤلفة من البنات في سن الزواج، لا يجدن الخاطب، وآلاف مؤلفة من الشباب لا يجدون مهر الزواج، لإغلائه والمبالغة فيه.

ليلة البارحة، شكا إلي بعض الشباب -أصلحهم الله- ما يعانونه من هم وضيق، بسبب ما تكتنفه هذه الطريق، طريق الزواج، وطلب مني أن أوجه رسالة إلى الأولياء، إليكم أيها الآباء. وإن أمثاله من الذين ختم الحياء على أفواههم لكثيرون، فهؤلاء أبناؤكم وبناتكم، ارفقوا بهم، وارحموا ضعفهم، ورقوا لحيائهم.

مشكلة خطيرة، إن لم يتنبَّه إليها المسلمون، ويفتحوا لها طرق العلاج بالحلال؛ إن لم يضرب المسلمون هذه العادات الاجتماعية التفاخرية، بمعول العزيمة والاقتداء بسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، الذي ما أمهر على أكثر من خمسمائة درهم، فلن يجد الشباب للوصول إلى غرائزهم إلا طريق الحرام.

أيها المسلمون: إن ضرام الشهوة في هؤلاء الشباب، داء جلل، ومفتك عضال، هذه العقبة الكؤود أرقت الكثيرين من أولي العقل وأرباب الطيش، ونفت عن عيون الكثيرين لذيذ العيش، هذه المعضلة حلقت بالطالب عن دروسه، وبالموظف عن عمله، انشغلوا في مصارعة الأحلام والمنى، كأن الزواج أصبح ضربا من المستحيل، ونحن نتفرج على هذا المشهد الاجتماعي البئيس، وزمانكم كثرت فيه المغريات، وانتشرت به الفتن، وتنوعت فيه وسائل نشر الفساد والرذيلة.

أيها المسلمون: إن أبناءنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، فبدلا من أن يضع كل واحد منا هذه الأمانة وهذا الحمل من على ظهره، بتزويج ابنته أو ولده، إذا به يقف أمام مفترق صعب، وعقبة كؤود لا بد أن يتجاوزها، عادة سيئة تُخْرب البيوت، وتكبد الأسر المستورة معامع الديون والقروض، وتقضي على ما جمعه الخاطب، وما احتطبه الحاطب، وليس فيها نفع لأحد، وإنما هو التفاخر والتكاثر، والتسابق إلى التبذير والسرف.

ولو سئل كثير من الشباب اليوم: ما سلككم في العزوبية؟ لما أشاروا إلى غير "غلاء المهور" أصابعهم!.

جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على كم تزوجتها؟" قال: على أربع أواق، يعني مائة وستين درهماً، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك..." رواه مسلم.

وهذا المجتمع المجحف، الذي يدفّ الخطى على عادات وتكاثر وتفاخر، ما أنزل الله بها من سلطان، قد أُمِّرتِ النساءُ على دفته، وقلدن منصب قيادته، فهن من يمهد الطريق، ويسبب الكلفة والعسر والضيق؛ هذا المجتمع، بأسلوبه القاسي، وبزمنه المتناسي، المتناسي لسِنِيِّ الفاقة والعسر، يوم أن كان الناس يأكلون النوى ويفترشون الثرى، هذا المجتمع بهذه الرمة، هو من دفع الشباب إلى الاعتزاب، وصدفهم عن الزواج.

هذا التيار العارم، لا يمكن حجبه ورده، إلا بتغيير هذا النمط الزائف، الذي سار عليه الناس طوعا وكرها، عن بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء".

ووالله! إن الشباب اليوم كلهم يستطيع الباءة المعقولة، إلا ما قل وندر، ولكن المشكلة والمعضلة كلها في أمرين: الأمر الأول هو غلاء المهر، هو تضخيم هذه الباءة، تهويل تكلفة الزواج، هذه الطلبات الباهظة التي ابتلي بها الشباب، وكل يعلم حال هؤلاء المساكين، وقلة ذات يدهم، كثير منهم يدب في أولى خطى الحياة، يقوم ويسقط، فلما يستقم عوده بعد، ولما يستغلظ على سوقه.

والأمر الآخر هو تكاليف ليلة الزواج، وما أدراك ما ليلة الزواج! نفقات هذه الليلة، وتكاليفها الخيالية، كلكم مر بذلك ورآه، وعلم أوله ومنتهاه، والزوج والزوجة أحق بهذا المال الذي ينثر أول الليل، ثم يكون حطاما في آخره.

أيها المسلمون: والله إننا كلنا أمام هذه المعضلة، كلنا مع هذا المعترك أمام تيار عارم من الشكليات ومن القشور الجوفاء، سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً؛ هدْر للأموال، واستنزاف للمهور، تحت غطاء الوهمية والخيلاء.

ومن أنعم الله عليه بعقل ودين يميز بهما الخطأ من الصواب، و أنعم عليه مع ذلك بزوجة صالحة ونساء عاقلات، فقد حاز الخير بحذافيره، وأمسى مدركا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".

أيها الأحبة المسلمون: اعلموا أن الخير كل الخير فيما أمر الله ورسوله به، فالضعيف يقويه الله، والفقير يغنيه الله، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) [النحل:78].

فكونوا -أيها الآباء- عونا لأبنائكم وبناتكم، فالمصلح -أيها المسلمون- الذي يسن السنن الحسنة إذا ساءت سنن الناس، ويقيم العوج في الناس إذا ضل سعيهم، بقوله وفعله.

ألا إن القادرين على السرف والتبذير، من أهل الأموال، هم أولى من غيرهم بالاستقامة، لأنهم ذبابة الرمح، ورأس السهم، فبهم يقتدي الناس. ووالله! إن المقتصد والميسر في كلفة الزواج ومهره، لهو أخص الناس بالثناء، وأولاهم ببنان الذكر...، لأنه تيمم الحواجز فحطمها، فإذا بحطامها خيوط العنكبوت أو هي أوهن، فنال قصب السبق، ورضا الرب، وشرف القيادة، وثناء الناس، وكانت له في بنته بركة، على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "أكثرهن بركة أيسرهن مؤونة".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32].

قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح؛ يُنْجِز لكم ما وعدكم به من الغنى" .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: من جعل الزواج غاية لا وسيلة، فقد ضل عن سوي الصراط، وتاه في تبعات الديون والأقساط؛ وأَنَّ من وطأة الطلبات والارتباط، فهو مسلك لا نهاية له، وطريق لا طرف له، كل ينهش على قارعته.

الزواج ليس غاية إنما هو وسيلة لبناء أمة، الزواج امتداد لأمة تحمل رسالة نبيها -صلى الله عليه وسلم- وبناء لأجيال تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.

نحن أهل رسالة، وأرباب تعاليم ربانية، نحن أئمة في الورى، وشهداء على الناس، نحن أمة مثالية، ومجتمع أنموذجي، ينبغي أن يحتذي بنا غيرنا، الزواج كله يسر، صداقه يسر، ووليمته يسر، ودعوته يسر، وأوله يسر، وآخره يسر، فهذه زوجتك خذها، وبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير، بدون مشقة ولا كلفة ولا تعنيت.

أسأل الله أن يوفقنا جميعا لذلك، وأن يهدينا لما فيه صلاح الدارين.

صلوا وسلموا على أفضل الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم-...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي