الاستنساخ

أحمد الحاج
عناصر الخطبة
  1. مفهوم الاستنساخ .
  2. اكتناف الغموض لتجارب الاستنساخ المزعومة .
  3. الاستنساخ -إذا صحّ- ليس خَلْقاً .

اقتباس

إن كل ما ذكروه عن الاستنساخ إلى الآن ليس عليه دليل واضح، حتى إن كبار علماء الأجنة والطب النسائي والتوليد وغيره قد شككوا في هذا الأمر، ولكننا نقول: إذا صحّ ما يزعمون أنهم توصلوا إليه فإنه بقدرة الله -تعالى- وقدَره، فلا يكون في هذا الكون إلا ما أراد: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [البقرة:117].

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل -سبحانه وتعالى-: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) [الفرقان:54-55].

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، القائل -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح" متفق عليه.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: اتقوا الله واعبدوه، (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَ‍قًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) [يونس:4].

أيها المسلمون: من القضايا المعاصرة التي يكثر فيها الكلام ويتخبط فيها كثير من الناس اليوم قضية: (الاستنساخ).

الاستنساخ هو طلب صورة مطابقة للأصل، حيث يزعم هؤلاء أنهم تمكنوا من إيجاد مخلوقات حيوانية أو بشرية من خلال أخذ الأحماض والجينات من إنسان معين وتلقيحها ليولد مخلوق مطابق له في شكله وأخلاقه وسلوكه وغير ذلك.

إن كل ما ذكروه عن الاستنساخ إلى الآن ليس عليه دليل واضح، حتى إن كبار علماء الأجنة والطب النسائي والتوليد وغيره قد شككوا في هذا الأمر، ولكننا نقول: إذا صحّ ما يزعمون أنهم توصلوا إليه فإنه بقدرة الله -تعالى- وقدَره، فلا يكون في هذا الكون إلا ما أراد: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [البقرة:117].

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، إنا نصيب سبياً فنحب الأثمان، فكيف ترى في العزل؟ فقال: "أوَإنكم تفعلون ذلك؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة" متفق عليه .

زعم هؤلاء أنهم استنسخوا النعجة (دوللي) فظهر أن النعجة تعاني من زيادة وزنها كثيراً، كما تعاني من مرض المفاصل، وتشكو من الشيخوخة المبكرة، والبلادة، والخمول؛ فهل سيكون الإنسان المستنسخ بهذه المواصفات؟.

إن الإنسان خلقه الله أحسن صورة وأتمّ خلقاً، قال سبحانه: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [غافر:64]، وقال: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) [السجدة:7] وقال: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) [الانفطار:6-9].

كما زعم هؤلاء اليوم أنهم استنسخوا طفلاً ذكراً أسموه (آدم)، واستنسخوا أنثى أسموها (حواء)، وحتى الآن لم يقدموا دليلاً واضحاً صحيحاً على ما زعموا.

إن كثرة التجارب، وعدم الإفصاح عنها والإظهار لها، إنما هو دليل عجز وضعف هؤلاء.

إن السؤال الذي يطرح الآن: هل الاستنساخ خلق؟ نقول وبشكل واضح صريح لا لبس فيه ولا خفاء: لا؛ ذلك أن الخلق هو إيجاد من عدم، والاستنساخ فاقد لهذا الأمر لأسباب عديدة.

من هذه الأسباب، أولاً: مَن الإنسان الأول وصولاً إليهم؟ هل هم مستنسخون؟ ومن الذي استنسخهم؟ ومن الذي أوجدهم؟ ومن الذي استنسخ الإنسان الأول؟... قال -تعالى-: (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [فصلت:21].

ثانياً: الأجزاء المستخدمة من الأحماض والجينات والبويضات وغيرها، من أين أتوا بها؟ من الذي أوجدها؟ قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ) [الواقعة:58-62].

ثالثاً: الروح في هذا المستنسخ: من وضعها؟ من أين أتوا بها؟ ما حقيقة هذه الروح؟ إنهم عاجزون عن معرفة حقيقة الروح، فهل هم قادرون على إيجادها ووضعها في مخلوق؟! قال -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:85].

إن علم الإنسان محدود، ومهما ادعى، أو تمكن الإنسان من الوصول إليه من الحقائق العلمية، فإن ذلك بقدر الله وتوفيقه، ومع هذا سيبقى الإنسان عاجزاً عن الوصول إلى عمق هذه الحقائق، ولكن الذي ينبغي على من توصل إلى شيء من هذه الحقائق العلمية أن يكون من أكثر الناس إيماناً بالله وخشية منه، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:27-28].

لقد تحدى الله -تعالى- كلّ الناس أن يخلقوا شيئاً ولو ذباباً فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج:73]  

والمعنى: يا أيها الناس، مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذباباً، وإن سلبها الذباب شيئاً لم تستطع أن تستنقذه منه. وقال النحاس: المعنى: ضرب الله -عز وجل- ما يعبد من دونه مثلاً، قال: وهذا من أحسن ما قيل فيه، أي بين الله لكم شبهاً ولمعبودكم. قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فتجف فيأتي الذباب فيختلسه. وقال  السدي: كانوا يجعلون للأصنام طعاماً فيقع عليه الذباب فيأكله.

وخصّ الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته؛ فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله -عز وجل- على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأرباباً مطاعين؟... [تفسير القرطبي].  

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله -عز وجل-: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو شعيرة" متفق عليه.

إن الله -تعالى- خلق الخلق، وأقام الأدلة على ذلك، فجعل الإنسان على الفطرة،  وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، ووجه القلوب والعقول إلى كل هذه الأدلة، فقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون:12-16].

وهذا ما ثبت علمياً من أطوار خلق الإنسان، إلا أن فريقاً من الناس يصرّ على العناد والإنكار! (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [لقمان:11].

إن عناد هؤلاء وطغيانهم يدفعهم لإنكار وجود الله، فواجبنا -أهل الإيمان- هو الثبات واليقين وزيادة الإيمان وتقويته من خلال التفكر في خلق الله، والتمعّن والتعمق في فهم الدين، فما وافق ديننا أخذناه، وما خالفه تركناه.

إن في ديننا، وفي قرآننا، وفي سنة نبينا، من الحقائق العلمية الكثير الكثير، وقد أثبت العلم الحديث صدقها، فدّل ذلك على صدق قول الله -تعالى- الذي خلق وأوجد هذا الكون ومَن فيه: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك:14].

نسأل الله -تعالى- أن يشرح الصدور، وييسر الأمور، ويطلق بالخير اللسان، وأن يفتح منا القلوب والآذان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وألهمنا اجتنابه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي