آداب إسلامية

سلطان بن عبد الله العمري
عناصر الخطبة
  1. منزلة حسن الخلق .
  2. حث الإسلام عليه .
  3. ثمراته .
  4. ما يترتب على التفريط فيه .
  5. آداب إسلامية وأخلاق وحقوق واجبة بين المسلمين .

اقتباس

معاشرَ المسلمين: ديننا هو دينُ الآدابِ والأخلاق الشريفة، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو سيدٌ في أخلاقه وآدابه، حتى نزلت تزكيته من الله -جل في علاه-: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي اختار لنا الإسلامَ ديناً فهو دين الأخلاقِ والآداب، الحمد لله الذي رفعَ درجاتِ أصحابِ الأخلاق الحسنة حتى جعلهم في أعالي الجنان، وأصلي وأسلم على صاحب الخلق الجميل الذي ملأ الكون بجمال سيرته وعظيم أدبه.

أما بعد: معاشرَ المسلمين: ديننا هو دينُ الآدابِ والأخلاق الشريفة، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو سيدٌ في أخلاقه وآدابه، حتى نزلت تزكيته من الله -جل في علاه-: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].

والنصوصُ النبوية متواترة ومتكاثرة في الحثِ على حسنِ الخلقِ ومراعاتهِ والعنايةِ به؛ ومنها: أنك به تنال درجة العابدين؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، صائم النهار" صحيح الجامع.  

وحسن الخلق أثقل ما يوضع في ميزانك يوم القيامة؛ كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق" صحيح الترمذي.

وحسن الخلق يجعلك أحب الناس إلى الله، وبه تكون أقرب الناس مجلسًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم خلقًا" السلسلة الصحيحة.

وحسن الخلق طريق لبلوغ الدرجات العلا من الجنة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيمُ ببيت في أعلى الجنة لمن حسّن خلقه"  السلسلة الصحيحة.

عباد الله! إن الناظرَ في واقعِ بعض المجتمعات يجدُ قصوراً وتفريطاً في تطبيق الأخلاق الحسنة تطبيقاً عملياً في الحياة، ففي البيوت تحدث الخلافات نتيجة غياب الأخلاق، وفي منظومة العمل تسمع غرائب الأفعال نتيجة غياب الأخلاق، وبين الإخوة والأخوات تتقطع الروابط بسبب سوء الأخلاق، وفي الشارع ومع الجيران وفي البيع والشراء تتألمُ كثيراً لبعض التصرفات التي تنمُّ عن غيابٍ كبير في الأخلاق.

وهنا نتجول في رياضِ بعضِ الآدابِ النبوية والأخلاق المحمدية ونتدارس شيئاً منها.

من الآداب النبوية: إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف. وقد جاءت النصوص بالحث عليه، ففي صحيح البخاري أن رجلاً سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ فقال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" صحيح البخاري.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، أفشوا السلام" سنن الترمذي، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" صحيح مسلم. فتأمل، كيف جعل إفشاء السلام سبباً لزرع الحب في المجتمعات.

وحث -صلى الله عليه وسلم- على أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، وكان -صلى الله عليه وسلم- يسلم على الصبيان.

وجاء الحث إذا دخلت البيت أن تسلم على أهلك, ويكون سلامك هذا بركةً عليك وعليهم.

والاستئذان من الآداب الجميلة؛ فإن قدمت على بابِ أحدهم فاستأذن ثلاثاً، فإن أذن لك وإلا فعد، ومن الجميل أن نربي أولادَنا وبناتنا على الاستئذانِ في الدخولِ والخروجِ علينا وعلى بيوت الناس من الجيران وغيرهم، حتى يكون الاستئذان خُلقا لازما لهم.

ومن الآداب اليومية: التزام آدابِ الأكل والشرب. ومنها: التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يليك، وينبغي تعويد الصغار على ذلك.

ومما يلاحظ على بعض الناسِ عادة الأكل بالشمال، وقد ترى ذلك في عدة مناسبات، وهذا لا يجوز، وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، ولا يصح أن نتشبه بالشيطان.

وينبغي عليك أن تنصح من تراه يأكل بشماله كما نصح الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحدهم، ولكنه عصى وأبى، فعاقبه الله، فشلت يده من تلك اللحظة.

ومن الآداب النبوية: زيارة المريض. وقد ورد في فضلها عدة أحاديث؛ منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة". قيل: يا رسول الله! وما خرفة الجنة؟ قال: "جناها" صحيح مسلم.   

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عاد مريضًا أو زار أخاً له نادى منادٍ من السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً" سنن الترمذي. 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح" سنن الترمذي.

وإليكم -أيها الكرام- بعض آداب زيارة المريض: استحضار أن زيارة المريض حق عليك، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "حق المسلم على المسلم خمس"، وذكر منها عيادة المريض. متفق عليه.

ومن آداب زيارة المريض: مراعاة الوقت المناسب للزيارة في المنزل، وألا يطيل الزائر في المكث عند المريض بما يشق عليه أو على أهله، إلا إذا اقتضت المصلحة، أو أن المريض يرغب ذلك.

ومنها: علِّقْ رجاءه باللهِ وحده، وذكّره بأن الله هو الشافي، وذكره بفضائل الصبر والرضا بقضاء الله وقدره.

واحرص على مراعاةِ شعور المريض، فلا ترفع الصوت عنده، ولا تنقل إليه ما يسوؤه، ولا تذكّره بما يحزنه، ولا تُحرجه بالأسئلةِ التي لا داعي لها.

أدخل السرور إلى قلبه بالهديةِ أو بنقل الأخبار السارة أو نحو ذلك، ولا تؤاخذ المريض إن بدر منه جفوة أو سوء خلق، فالمرض يُكدر النفس، ويؤثر في الطباع.

ولعل من الجميل تذكيره ببعض المسائل التي ربما يجهلها من أمور الطهارة والصلاة، وإن طلب رقيتك فلا تبخل، وتذكر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" رواه مسلم.    

ومن الآداب النبوية: الإحسانُ إلى الجار. ومن عجيب شأن الجار أن الله اعتنى به حتى نزل جبريل -عليه السلام- بالوصية به؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يورثه" رواه البخاري.    

فأحسن إلى جارك بالسلام عليه، وزيارته، وتهنئتهِ بالمناسباتِ الحسنة، والوقوف معه في العزاء، وفي حالات الحاجة، كالمرض ونحوها.

وإنك لتتعجب من بعض من يؤذي جيرانه بالوقوفِ عند بابه بالسيارة، أو رفع الصوت عليه بالتلفاز ونحوه، أو رمي النفايات عند ممر طريقه.

وبعضهم لا يغض البصر عن نساء الجار، وهذا لا يجوز، وليس من مكارم الأخلاق.

وإن من الآداب الإسلامية: العناية بالنظافة الشخصية. كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يرجل شعره ويغتسل ويعتني بالطيب، وحثنا على تقليم الأظافر ونتفِ الإبط وحلقِ العانة، وأن لا تبقى نحو أربعين يوماً.

بل أمر -صلى الله عليه وسلم- بإخراج الرجل الذي كانت له رائحة كريهة من المسجد، مع أنها رائحةُ البصل والثوم، فكيف نقول عن رائحة الدخان وغيرها؟!.

ومن ذلك: العنايةُ بنظافة الطريق، وقد ذكر رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن من شعب الإيمان "إماطة الأذى عن الطريق"، بل ذكر -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى رجلاً يتقلبُ في الجنة بسببِ غصن أزاله عن طريق المسلمين.

ومن الملاحظ في مجتمعنا: رمي العُلب والمناديل والأوراق من نافذة السيارة، وترك النفايات عند أبواب البيوت، أو رميها في الطرقات.

وتتعجب من بعضهم في المنتزهات، يأتي لذلك المكان النظيف فلا يغادره إلا وقد ملأه بالأوساخ وبقايا "العصيرات" والأكلات، عيب عليك يا أخي! اجمع بقايا جلستك وارمِها في مكانها المخصص، واترك المكان نظيفاً؛ لأننا سنستعمله بعدك.

ومن الآداب التي أهملها بعضنا: مراعاةُ كبار السن واحترامهم. ونعلم بأن ديننا راعى أولئك الصنف من الناس، كما في الحديث: "ليس منا لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا" سنن الترمذي. 

والناظر في حال بعض الشباب يجد العجب! فهذا ينادي والده باسمه، وبعضهم يقول: جاء الشايب والعجوز!.

وبعض الشباب يكونُ في مجلسِ أقاربِه، ولكنك تجده مشغولاً بالجوال عن خدمتهم ومؤانستهم والحديث معهم، وبعضهم يتضجر من الجلوس معهم مما يتسبب في جرح مشاعرهم.

يا شباب الإسلام! احترموا الكبار، فهم آباؤنا وأجدادنا، ولديهم من الحكمة والخبرة الشيء الكثير، ولقد سبقونا في كثير من الصالحات، وديننا يأمرنا بأن ننزل الناس منازلهم.

أخي المسلم: كن منصتاً للكبار، متواضعاً معهم، خدوماً لهم، واصبر على ما يصدر منهم من كلمات فيها نوع من العتاب.

وشاورهم، وامنحهم الفرصةَ للحديث عن حياتهم وتجاربهم، وقبِّل رؤوسهم، وكن معهم كالابن البار، لعل الله أن يدخرَ لك من يتعامل معك في حال الكِبَر كما تعاملت معهم. وهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان؟.

الخطبة الثانية:

الحمد لله.

وبعد: معاشر المسلمين: واعلموا أن من الآداب الإسلامية: حفظ اللسان عن سيء الكلام. ولقد أدبنا ربنا فقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53]. إنها دعوة من الله أن نختارَ الكلمات الحسنة في حديثنا مع الآخرين.

ولقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- النموذج المميز في سلامة اللفظ وعلو الأدب في المنطق؛ فهذا أنس خدم رسولنا، وقال لنا عن تلك المرحلة من حياته: "لقد خدمت الرسول -صلى الله عليه وسلم- عشر سنوات، فما قال لي أفٍّ قط". يا الله! ما أجمل أخلاقك يا رسول الله!.

فاتق الله يا عبد الله في ألفاظك، واحذر من الفحش والسب واللعان وبذيء الكلام، وكن طاهر اللسان، عذب الألفاظ، جميل الكلام، واختر الكلمات الطيبة في محادثتك للغير، وفي الحديث: "والكلمة الطيبة صدقة" رواه البخاري.   

ومما نلاحظه أن بعض الآباء يجرحُ مشاعرَ أولاده بالسب والشتم والعبارات السيئة، وبعض الأزواج يتكلم مع زوجته بكلام فيه نوعٌ من الفحش والبذاءة، وبعضهم ينتقدها بكلمات جارحة حينما تقصر في واجباتها، وبعضهم يمازح زوجته بكلامه عن الزواج من الثانية ويتغافل عن جرح مشاعرها بذلك.

أيها الزوج! رفقاً بزوجتك! وكن متأدباً بالمنطق الحسن معها.

ونقول للنساء: زوجك بحاجة إلى الكلمات الطيبة منك، فاملئي سمعه بالثناء وجميل الكلام بين وقت وآخر، ولا تعتذري عن ذلك بأنك مشغولة بالبيت، أو بأعذار أخرى.

أيها الفضلاء: إن طيب الكلام يزرع الحب في قلوب الناس؛ قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "مَن لانت كلمته وجبت محبته".

وفي الجنة منازل لمن طابت كلماته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا". قِيلَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟  قَالَ: "لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ" صحيح ابن حبان.

عباد الله! إن من جميل الآداب وجميل الخصال: السعيُ في قضاء حوائج الناس وخدمتهم. إن هذا بابٌ كبير من أبوابِ الخير، و"من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، "واللهُ في عونِ العبد ما كان العبدُ في عونِ أخيه".

فيا أيها المحب: الناسُ فيهم الضعيف والمريض والجاهل والفقير، فاقترب منهم بقلبك، وامنحهم عاطفتك، واخدمهم بقدر ما تستطيع؛ فإن كنت في وظيفةٍ ويراجعك الناس فاحتسب الأجرَ في خدمتهم، وتأكد أن ابتسامتك وتواضعك وقضاءك لحاجاتهم مما يقربك من الله، ولا شك أن هذا إحسان، والله يحب المحسنين.

وتأكد أن خدمتك لهم وتيسيرك لهم سبب لتيسير الله لأمورك: "ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" رواه مسلم.   

وأبشر بحب الناس لك، ودعائهم لك، وما يدريك؟ لعل دعوةً من أحدهم ترفع درجاتك في جنان الخلد، وخاصةً أولئك الضعفاء الذين لا يعرفهم أحد، فليس لديهم وساطات ولا وجهاء ليخدموهم.

ولعلي أهديك هذا الحديث: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أي الناسِ أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن مشى مع أخيه في حاجة -حتى يثبتها له- ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" رواه الطبراني وحسنه الألباني.    

اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اللهم طهر نفوسنا مما لا يرضيك، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مبتلى إلا عافيته.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي