يأجوج ومأجوج

عبد الرحمن الجليِّل
عناصر الخطبة
  1. إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بعلامات تكون قبل قيام الساعة وتتابعها .
  2. بعض صفات يأجوج ومأجوج ووقت خروجهم .
  3. تحذير النبي -عليه الصلاة والسلام- من يأجوج ومأجوج .
  4. فجور يأجوج ومأجوج وسفكهم للدماء .
  5. طلب عيسى -عليه السلام- من الله إهلاك يأجوج ومأجوج .

اقتباس

أيها المسلمون: لقد أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أمته بأخبار وعلامات في آخر الزمان قبل قيام الساعة تكون مؤذنة بخراب العالم وانتهائه. وهي أخبار حق وصدق، فيها دلائل النبوة، وأمارات الرسالة؛ روى...

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، واتباع السنة، والصبر عليها، فهي العاصم -بإذن الله- من فتن تموج كموج البحر.

أيها المسلمون: لقد أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أمته بأخبار وعلامات في آخر الزمان قبل قيام الساعة تكون مؤذنة بخراب العالم وانتهائه.

وهي أخبار حق وصدق، فيها دلائل النبوة، وأمارات الرسالة؛ روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: "اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: "مَا تَذَاكَرُونَ؟" قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ" فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ، خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ".

فإذا ظهرت علامة من علامات الساعة الكبرى، فإن أخواتها تتبعها كتتابع الخرز في النظام يتبع بعضها بعضاً؛ روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يُقطع السلك يتبع بعضها بعضاً".

فمن هذه العلامات الكبرى: خروج يأجوج ومأجوج، وهم قوم من بني آدم على صفة الآدميين، لا كما يعتقده بعض الناس، من أن فيهم الطويل المفرط، وفيهم القصير جدا، وأنهم على أشكال غريبة، فإن هذا الاعتقاد مبني على غير دليل صحيح، فيأجوج ومأجوج هم من بني آدم من أولاد يافث بن نوح، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفتهم أنهم عراض الوجوه، صغار الأعين، شهب الشعر وكأن وجوههم المجان المطرقة، أي التروس المستديرة، كما وصفهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأعدادهم عظيمة لا يعلمها إلا الله؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله -تعالى-: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد" قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: "أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا" ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود".

من هنا نعلم أن عدد قوم يأجوج ومأجوج تقريبا 1000 ضعف عدد المسلمين.

وهم محبوسون خلف سد من قطع الحديد والنحاس المصهور بين جبلين، يوجد هذا السد -كما ذكر ابن عباس- في بلاد الترك مما يلي أرمينيا وأذربيجان.

أي على الحدود التركية الروسية، قريبا من جبال القوقاز.

ولا يستطيع أحد الوصول إليهم، أو الظهور على موقعهم.

يخرجون في زمن عيسى ابن مريم -عليه السلام-.

فإنه إذا قتل عيسى ابن مريم الدجال أوحى الله إليه: إني قد أخرجت عبادا لي لا قوة لأحد على قتالهم -يعني يأجوج ومأجوج- فيبعثهم الله من كل حدب ينسلون -أي من كل موضع مرتفع يأتون سراعا-، وفتنتهم عامة وشرهم مستطير لا يملك أحد دفعهم.

ولقد حذر نبينا -عليه الصلاة والسلام- من شرهم قبل ألف وأربع مائة سنة؛ فعن زينب أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من نومه محمرا وجهه، وهو يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها" قالت زينب: فقلت يا رسول الله: أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، قال: "إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قالوا: ارجعوا فستحفرونه غداً، فيرجعون فيعيد اللـه السد أشد مما كان، حتى إذا أراد اللـه أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد، فقال الذي عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس: ارجعوا وستحفروه غدا -إن شاء اللـه تعالى-، فيعودون فيرون السد كهيئته التي تركوه عليها فيحفرونه ويخرجون.

فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه، حتى يتركوه يبسا حتى إن من يمر من بعدهم ليمر بذلك النهر، فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة حتى إذا لم يبق من الناس أحد فيخاف الناس، ويتحصنون منهم في الحصون، يتركون لهم الشوارع والطرقات لا قدرة لأحد بقتالهم؛ فعن النواس بن سمعان قال: قال المصطفى: "أوحى الله إلى عيسى: يا عيسى إني قد بعثت قوما -أي يأجوج ومأجوج- لا يدان لأحد بقتالهم -أي لا طاقة لأحد بقتالهم- فحرز عبادي إلى الطور -أي اجمع عبادي من المؤمنين إلى جبل الطور في سيناء-، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيقول يأجوج ومأجوج: لقد قتلنا أهل الأرض تعالوا لنقتل أهل السماء.

انظر إلى الفجور! وبهذه العبارة لك أن تتصور حجم الفساد في الأرض إذ تجرأ هؤلاء، وفكروا في أن يقاتلوا أهل السماء وبالفعل يوجهون النشاب -أي السهام- إلى السماء، فيريد الملك أن يبتليهم، فيرد اللـه عليهم نشابهم ملطخة دماً، فتنة من اللـه -تعالى-، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

وينحصر نبي الله عيسى وأصحابه في الطور، ويضيق عيشهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم".

فيبتهل نبي عيسى -عليه السلام- وأصحابه إلى الله -تعالى- أن يهلك يأجوج ومأجوج، فيرسل الله عليهم دودا في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه من الطور، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا وقد ملأه زهم يأجوج ومأجوج ونتنهم.

فيبتهل عيسى وأصحابه إلى الله -تعالى-، فيرسل على جثث يأجوج ومأجوج طيرا كأعناق الإبل البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله -تعالى-، ثم يرسل الله -تعالى- مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يدعها كالمرآة في نظافتها، ثم يقال لها: انبتي ثمرتك وردي بركتك، فتنزل البركة في الثمرات والدر حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس.

فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمير، فعليهم تقوم الساعة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ)[الأنباء: 96- 97].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي