هل من الصعب: أن تشهد بلسانك معتقدا بقلبك، بأنه "لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"؟ هل من حبس الحرية أن تكون عبدا لربك الذي خلقك ورزقك وأمدك بما تحتاجه وهيأك وأعدك لما يلزمك من شؤونك؟ لا، والله، بل هذا هو الحرية، وإنما حبس الحرية أن...
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، والحمد لله الذي شرع لعباده فيسر ودعاهم لما تزكوا به أنفسهم وتتطهر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أبلغ من وعظ، وأصدق من وعد، وأنصح من بشر وأنذر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المحشر، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-.
واعلموا: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6].
فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم، وقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 10].
ألا وإن من عداوة الشيطان: أن يصور لكم دينكم أبشع تصوير يصوره لكم، بأنه يحبس الحرية، ويضيق على العبد، ويكلفه بما لا يطيق، ويمنعه من التقدم والانطلاق، إلى غير ذلك مما يوسوس به لكم.
ولكن العاقل إذا تأمل أقل تأمل؛ تبين له أن دين الإسلام هو دين اليسر والسهولة، والتعقل والتقدم النافع، والانطلاق إلى الخير.
أيها المسلمون: لقد بني الإسلام على خمسة أركان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا.
وكل هذه الأركان يسيرة سهلة على من يسرها الله عليه.
فهل من الصعب: أن تشهد بلسانك معتقدا بقلبك، بأنه "لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"؟
هل من حبس الحرية أن تكون عبدا لربك الذي خلقك ورزقك وأمدك بما تحتاجه وهيأك وأعدك لما يلزمك من شؤونك؟
لا، والله، بل هذا هو الحرية، وإنما حبس الحرية أن تكون عبدا لهواك، أو للدرهم والدينار، أو لفلان وفلان.
أم هل من حبس الحرية أن تكون متبعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كانت سنته أفضل سنة؟! سنة مبنية على القصد بلا غلو ولا تفريط، فليس فيها تهور تكون نتيجته عكسية، وليس فيها تماوت وتفريط تفوت به الأمور، بل هي طريقة وسط لا وكس فيها ولا شطط؟!.
وإن أي إنسان يتجرد من متابعة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد أن يكون متبعا لغيره ممن ضل عن الصراط المستقيم: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)[يونس: 32]؟!.
أيها الناس: هل من الصعوبة أن تقوم قانتا في كل يوم وليلة، خمس مرات فقط، بهذه الصلوات الخمس، تتنعم بذكر ربك، وتحيي قلبك بالصلة به، وتسأل ما شئت من حاجات دنياك وآخرتك، وأقرب ما تكون من ربك وأنت ساجد، ومع ذلك فهذه الصلوات الخمس لا تستغرق إلا جزءا يسيرا من وقتك، وهي مفرقة على الساعات في اليوم والليلة، حتى لا تتعب بأدائها دفعة واحدة، ولئلا تنقطع الصلة بينك وبين ربك مدة أكثر؟.
ثم هذه الصلوات لها من النتائج الطيبة للقلب، والإيمان والثواب، ما هو معلوم، ف"الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر".
والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي نور في القلب والوجه، والقبر والقيامة.
أيها الناس: هل من الصعوبة أن يبذل الإنسان جزءا من ماله الذي أنعم الله به عليه؛ لمواساة إخوانه الفقراء والغارمين، أو من أجل مصلحة المسلمين والإسلام؟
فالزكاة أمر يسير؛ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين دينارا نصف دينار، فهل في ذلك من مشقة؟
ألم يك في الأنظمة الجائرة أن يكون الإنسان مقيدا في ماله مشاركا في كل جزء منه؟
فاحمدوا الله على نعمة الإسلام، واسألوه أن يثبتكم عليها، ويحفظها لكم.
أيها المسلمون: هل من المشقة أن يصوم الإنسان شهرا واحدا من السنة؛ تقربا إلى الله، وتقديرا لنعمته عليه بالغنى، وتكميلا لعبوديته بترك ما تشتهيه نفسه، لما يرضي ربه، ثم مع ذلك للصيام فوائد كثيرة معلومة؟
أم هل من الصعوبة أن يؤدي العبد فريضة الحج مرة واحدة في العمر إن استطاع إلى ذلك سبيلا؛ فيتعبد لله -تعالى- بأداء المناسك، وتعظيم الحرمات والشعائر، ويحصل له الاجتماع بالمسلمين من كل قطر، فيتعرف عليهم ويفيدهم ويفيدونه.
ثم من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
أيها المسلمون: الإسلام يأمركم بكل تقدم نافع، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].
فأمرنا بالمشي في مناكب الأرض، أي جهاتها، ثم أمرنا بالأكل من رزقه.
ومعنى ذلك: أن نسعى بطلب هذا الرزق، إذ لا يمكن تحصيله إلا بأسبابه,
والناس يختلفون في سلوك ما يلائمهم من أسباب الرزق؛ فمنهم من يحصله بالتجارة، ومنهم من يحصله بالصناعة، ومنهم من يحصله بالزراعة، ومنهم من يحصله بالعمل، إلى غير ذلك من أسباب الرزق، ثم قال تعالى: (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].
وهذا تحذير من الله لعباده أن يسلكوا في تحصيل رزقهم؛ سبلا حرمها الله عليهم، فإنهم راجعون إليه، ومحاسبهم عليها.
فالإسلام دين اليسر والسهولة، والمصالح والانطلاق النافع، لا صعوبة فيه ولا تهور، ولا خمول ولا فوضى.
فنسأل الله -تعالى- الكريم المنان الواسع الفضل أن يمن علينا وعليكم بلزوم الإسلام، والوفاة على الإيمان؛ إنه جواد كريم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي