لا يدوم الوئام مع الحنق والاحتدام، ولا يبقى الاحترام مع الغضب والاصطدام، ولا يكون السلام مع المقابلة والانتقام، ومن تطلب الانتقام ضاع زمانه، وتفرق إخوانه، وهجره أقرانه، ومن كان بالوجه عابسًا وبالكف يابسًا، وللعداوة لابسًا، وللعفو حابسًا، تعس وانتكس، وفي الخيبة ارتكس.. واللجاجة والفظاظة وتعمد الإساءة والإغاظة مسالك مستقبحة؛ توغر الصدور، وتهيج الغضب، وتعقب الحقد، وتقطع حبل المودة والوصال، فاحذروها واجتنبوها (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)...
الحمد لله، الحمد لله الذي اجتبى من شاء من الأنام وطهرهم من الضغائن والأحقاد والخبائث والآثام وصيرهم بفضله من أولى النهى والأحلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أسبغ علينا جزيل نعمه وألطافه العظام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله محا به عبادة الأصنام ودحض به معالم الكفر والأنصاب والأزلام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام صلوات متضاعفات دائمات بلا انفصام.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].
أيها المسلمون: لا يسود الوداد بين قوم انطووا على الأحقاد، ومن أمسك العداوة وتربص الانتقام عاش معذبًا، وصار بالهم مكبلاً، وما أفسد العلائق بين الخلائق مثل الضغائن! فهي الحقد الكامن، والشر الكائن، تهدم المدائن، وتفقر الخزائن، وتمنع المقاربة، وتقطع المصاحبة، وتوقع المحاربة.
إن الضغينة تلقاها وإن قدمت *** كالعر يكمن حينا ثم ينتشر
فما أقرب طروها! وأسرع بدوها! وأشد دنوها! وأعظم فشوها.
وشر التلاد وراثة الأحقاد، تترع بها الأولاد، وتغرس في صدور الأحقاد، وتبقى أمد الآماد، وقديمًا قيل:
أحيا الضغائن آباء لنا سلف *** فلن تبيد وللآباء أبناء
ومن كانت الضغينة رايته، والانتقام غايته، والتشفي عادته؛ خُسف بدره، وسقط جدره وصغر قدره، وتلهب صدره، ومن ترك الأحقاد والضغائن عاش معافًى، وجمع أحلافًا وأكثر ألفافًا، وتجنب إلحافًا وأمن إتلافا.
ومتى تسلطت الحزازات والعداوات على القلب اختل واعتل، فذهب صفاؤه، وعسر شفاؤه، وطال بلاؤه، وتعذر دواؤه.
ومن الناس من إذا خالف هجر، وإذا خاصم فجر، فألصق بخصمه التُّهم، ونوى له النقم، وباشر الإيذاء، وصب العداء، والوصية النافعة والحكمة الجامعة قول سيد الحكماء محمد -صلى الله عليه وسلم-: "فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه" أخرجه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
أي: يفعل معهم ما يحب أن يفعلوه معه، وبذلك تنتظم الأمور، ويرتفع الخلاف والنفور، وتزول الضغائن من الصدور.
أيها المحتمل الضغينا، والحقد الدفينا، بفعلك ما صعدت نجدا، وما بنيت مجداً، وما قصدت رشداً، وما نلت سعداً.
ودعوا الضغينة لا تكن من شأنكم *** إن الضغائن للقرابة توضع
واعصوا الذي يزجي النمائم بينكم *** منتصحا ذاك السمام المنقع
يُزجي عقاربه ليبعث بينكم *** حربا كما بعث العروق الأخدع
أبني لا تك ما حييت مماريا *** ودع السفاهة إنها لا تنفع
لا تحملن ضغينة لقرابة *** إن الضغينة للقرابة تقطع
لا تحسبن الحلم منك مذلة *** إن الحليم هو الأعز الأمنع
فكن للعداوة تراكًا وللعفو داركًا، وقابل الجهل بالحلم والوقار، وإياك أن تُستفز وتُستثار مما يتطلب لك السقوط والعثار، (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34].
والإحسان للمسيء يدنيه، والملاطفة تثنيه، والمداراة تحتويه.
وما قتل السفاهة مثل حلم *** يعود به على الجهل الحليم
ولا تقطع أخا لك عند ذنب *** فإن الذنب يعفوه الكريم
والملاينة ولا المباينة، والمصانعة ولا المصارعة، والمقاربة ولا المحاربة، والأناة ولا المعاناة، ورأس الأدب كتم الغضب، ومن طبائع الكرام العفو والصفح والمنّ والإنعام.
ولا يكظم الغيظ ويعفو عن الجاني ويحلم عن الجاهل ويحتمل المكروه إلا السيد الوجيه والحكيم النبيه والعالم الفقيه.
ولا يدوم الوئام مع الحنق والاحتدام، ولا يبقى الاحترام مع الغضب والاصطدام، ولا يكون السلام مع المقابلة والانتقام، ومن تطلب الانتقام ضاع زمانه، وتفرق إخوانه، وهجره أقرانه، ومن كان بالوجه عابسًا وبالكف يابسًا، وللعداوة لابسًا، وللعفو حابسًا، تعس وانتكس، وفي الخيبة ارتكس.
واللجاجة والفظاظة وتعمد الإساءة والإغاظة مسالك مستقبحة؛ توغر الصدور، وتهيج الغضب، وتعقب الحقد، وتقطع حبل المودة والوصال، فاحذروها واجتنبوها (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء:53].
اللهم ألهمنا السداد، اللهم ألهمنا السداد وارزقنا الرشاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
الحمد لله أبلغ الحمد وأكمله وأعظمه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه ولا تعصوه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها المسلمون: ومن الناس من إذا سعى إلى المناصب والمراتب والعلو والدنو والرئاسة والزعامة والصدارة؛ حارب الأقران، وضاغن الإخوان، وكره أن تُذكر محاسنهم، أو تُروى فضائلهم، وأحب أن تُنشر معايبهم، وأن تظهر مثالبهم، فإن لم يجد مثلبا وبرهانا رماهم كذبًا وبهتانا.
وتلك –والله- السوءة التي هان بها الرجال، وشابهوا بها الأندال، وماثلوا بها الأرذال، وسقطوا بها في أوحال الخسة والدناءة والضلال.
حب الرياسة داء يحلق الدنيا *** ويجعل الحب حربا للمحبينا
يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها *** فلا مروءة يُبقي ولا دينا
فتنزهوا عن فعل الحساد وذوي الأحقاد، وانتهوا عن الردى، ولا تؤذوا من الخلق أحدًا وكفوا عن السر لسانا ويدًا.
وصلوا على أحمد الهادي شفيع الورى طراً، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الآل والصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم يا كريم.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعزَّها واستقرارَها.
اللهم عليك بمن يريد زرع الفتن في أراضينا، اللهم عليك بمن يريد زرع الفتن في أراضينا وبث الفوضى في نواحينا، اللهم اهتك سترهم واكشف سرهم وافضح أمرهم يا رب العالمين.
اللهم احم شبابنا، اللهم احم شبابنا من مذاهب التكفيريين ودسائس الحزبيين ومكر الخوارج الحاقدين يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، اللهم احفظ رجال أمننا، وقو عزائمهم يا رب العالمين، اللهم تقبل موتاهم في الشهداء، اللهم تقبل موتاهم في الشهداء وارفع درجاتهم يا سميع يا عليم.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلب نعمتك عنا.
اللهم اغفر لنا وارحمنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي