إن كثيراً من الناس بعد الانفتاح الإعلامي وأثناء مشاهداتهم للشعائر البدعية عند الرافضة الإمامية يعجبون من تهيج مشاعر عوام الشيعة حتى يُدْمُوا بالسيوف والسكاكين رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، ويلطموا بشدة على صدورهم، ويزحفوا في الرمضاء على بطونهم، ويبكوا بكاء شديداً؛ فلماذا كل هذا؟ وماذا يريد أئمتهم بهذه الشعائر الشاذة الغريبة رغم ما يوجه لهم ولشعائرهم من انتقاد؟
الحمد لله العلي الأعلى؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ووفق العباد للهدى، فمنهم من ضلَّ ومنهم من اهتدى، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه، فالخير منه والشر ليس إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ما أَحَدٌ أَصْبَرُ على أَذًى سَمِعَهُ منه يَدَّعُونَ له الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ، آمنا به، وعليه توكلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أوذي فصبر، وظفر فشكر.. أقام الحجة، وأوضح المحجة، وأرسى دعائم الملة؛ فمن تبع سنته رشد، ومن حاد عنها زاغ وهلك.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يشنؤهم إلا منافق، أئمة هدى وفضل، ودعاة خير ورشد، ترضى عنهم ربهم سبحانه في قرآن يتلى إلى آخر الزمان، على رغم أنوف أهل البدعة والنفاق، وارض اللهم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، والهجوا بحمده وشكره فقد هداكم حين ضَّلَ غيرُكم، وعافاكم وقد ابتُلي سواكم، وأعطاكم وحُرِم أمثالُكم (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34].
أيها الناس: حين تُحشى العقول بسوء الأفكار، وتُملأ القلوب بالأحقاد، ويُرسَّخُ ذلك في شعائر ومراسم، وتضرب له أيام ومآتم - فإن من العسير جداً صرف الأتباع عن قناعاتهم، أو حجزهم عما يضرهم، أو حمايتهم ممن يضلونهم بغير علم، ولو كان مذهبهم في بطلانه أوضح من الشمس في الظهيرة، ولو كان في شعائرهم ما تنفر منه الفطر، وتستهجنه العقول؛ لأن القلوب حينئذ تعمى عن الحق ولو كان أصحابها مبصرين (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46].
وكم من نصير للباطل بذل ماله وأهله ودمه في سبيل باطله، وهو يعتقد أنه على الحق!!
وكم من تابع ضحى في سبيل متبوعه يطلب السعادة فأورده دركات الشقاء!! فنعوذ بالله تعالى من الضلال بعد الهدى، ومن الجهل بعد العلم، ونسأله الهداية أبداً.
أيها الإخوة: كانت الفرق الباطنية في أمة الإسلام تضرب ستاراً من حديد على أتباعها، وتسخرهم سخرة الآلة في يد الصانع، وتجعلهم مع أئمتهم كالميت يقلبه المغسل كيف شاء، لا حول له ولا قوة، ولا رأي له ولا اعتراض، فاستعبد أئمة الضلال أتباعهم، وأكلوا بالخمس أموالهم، واستحلوا بالمتعة أعراضهم، وسفكوا دماءهم نصرة لباطلهم..
وكانت الإمامية الإثني عشرية هي أعتى فرقة باطنية أقامت دولتها، وكثر أتباعها، وتحمس أئمتها لمذهبها، ونحت نحواً فارسياً شعوبياً متطرفاً منذ أن قامت دولتهم الصفوية في القرن العاشر الهجري، وزاوجت بين الفكر الفارسي المجوسي المتعصب، وبين المذهب الباطني الرافضي المنحرف، وعلى مر السنين كان أئمة هذا المذهب يبدلون فيه ويحرفون للإبقاء عليه حتى عادت دولتهم من جديد بالثورة الخمينية التي كان شعارها الأهم: تصدير الثورة؛ للإطاحة بالزعامات العربية السنية للأمة الإسلامية، واستبدال الزعامة الفارسية الباطنية بها.
إن الثورة الخمينية انطلق زعيمها من فرنسا مهد الثورة الأوربية المشهورة على الإقطاع والكنيسة، وتأثرت في أدبياتها بمصطلح الثورة الدائمة في التراث الماركسي الاشتراكي، ومعناه: ثورة العمال والفقراء المستمرة ضد الأسياد الأغنياء، حتى تسود الاشتراكية أرجاء الأرض، فأراد ربان الثورة الخمينية أن تكون ثورتُهم ثورةَ المستضعفين من أتباع آل البيت ضد طغيان النواصب المستبدين -وهم عندهم من لا يوافق الرافضة الاثني عشرية في معتقداتهم- وهي ثورة مستمرة إلى أن يحققوا أهدافهم بحكم العالم الإسلامي وتهيئته لخروج مهديهم المنتظر؛ ولذا نجد أن شعائرهم ومراسمهم وأيامهم تمتلئ بترسيخ الأحزان، وإثارة الأشجان، واستدرار العيون بالدمع، وتجريح الجسد لاستخراج الدم، وتهييج المشاعر بالنياحة واللطم، وتكثيف مناسبات الحزن.
ويرفد هذه الشعائر العملية الظاهرة كمٌّ هائل من النصوص الدينية والأدبية، والخطب الرنانة، والمماويل المحزنة، والقصص المخترعة في علي وآله رضي الله عنهم وأرضاهم، تُصاغ وتُلقى بأساليب تجيش القلب، وتستدر الدمع، وتبعث على الحزن، ويحس حاضرها بالظلم والقهر، كما يحس مشاهدها بالرحمة لأولئك الثكلى وهم يبكون أئمتهم.
إن كثيراً من الناس بعد الانفتاح الإعلامي وأثناء مشاهداتهم للشعائر البدعية عند الرافضة الإمامية يعجبون من تهيج مشاعر عوام الشيعة حتى يُدْمُوا بالسيوف والسكاكين رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، ويلطموا بشدة على صدورهم، ويزحفوا في الرمضاء على بطونهم، ويبكوا بكاء شديداً؛ فلماذا كل هذا؟ وماذا يريد أئمتهم بهذه الشعائر الشاذة الغريبة رغم ما يوجه لهم ولشعائرهم من انتقاد؟
إن الهدف من وراء ذلك هو تصدير الثورة، وهو أساس من أساسات الدولة الخمينية، ولا ثورة بلا إحساس بالظلم والقهر، وهذه الشعائر والمآتم التي تتوج بمأتم الحسين في عاشوراء هي لترسيخ الشعور بالظلم في الأتباع، وملئ قلوبهم على أهل السنة بالأحقاد.
وهذا الإلحاح على تلك الشعائر حولها إلى دين ومعتقد ينعقد عليه قلب الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والعالم والعامي، والسياسي والمثقف ورجل الشارع، ويُؤثِمون من لا يشعر بهذا الشعور، ولا يشارك في شعائرهم، ويستدلون على قبيح أفعالهم بقول الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32].
يقول أحدهم: فهل هناك شعيرة إلهية أعظم من البكاء والحزن على مصائب المعصومين -عليهم السلام-؟ واخترعوا أحاديث تجعل للمشارك في هذه الشعائر مليوني حجة ومليوني عمرة ومليوني غزوة، كلها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأئمتهم.
ومنْ عَلِم ما يمثله تصدير الثورة من أهمية عندهم فلن يعجب من هذه الشعائر، ولا من الأجور المكذوبة فيها على الرعاع والعامة، يقول الهالك الخميني: "إننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة"، وقال -أيضا-: "إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم".
ولكن حلمهم هذا فشل منذ بداياته في حرب الخليج الأولى فتغيرت خطتهم من الثورة العسكرية إلى الثورة الثقافية؛ وذلك بتصدير المذهب عبر الثقافة والإعلام، وزرع العملاء، وإيجاد التشيع في البلاد التي لا يوجد فيها بالإغراءات المالية، والمميزات السيادية للسباقين إلى المذهب، والتواصل مع الأقليات الباطنية، والأحزاب السياسية الناقمة على دولها، وتجنيدها للدولة الفارسية التي هي الدولة المحورية للمذهب؛ فولاؤهم لها، وقلوبهم معها، ولا يعملون إلا وفق أوامرها وخططها؛ لأن الوالي الفقيه النائب عن المهدي المنتظر فيها، ولا يكون إلا من فُرْسِها، وكل الأتباع في الأرض يئوبون إليه.
ثم لما أوجدوا لهم أذرعة في كثير من الدول الإسلامية، ومُكِّن لذراعهم في العراق بيد قوى الاستعمار، وقطعوا شوطاً في المشروع النووي - عاد حلم تصدير الثورة العسكرية إلى الطاولة السياسية، وصار موضع التنفيذ، فحركوا ذراعهم في لبنان للاستيلاء عليه، ولكن الله تعالى خيبهم، ثم هاهم يحركون ذراعهم الحوثي في اليمن، ونسأل الله تعالى أن يخيبهم ويدحرهم، وينصر أنصار التوحيد وحماة الحرمين عليهم؛ إنه سميع مجيب.
ولإثبات أن مشروع تصدير الثورة قد عاد من جديد أنقل إليكم مقولة رئيسهم الحالي في الذكرى الثلاثين لثورتهم؛ إذ يقول عند ضريح الخميني: "إن كانت هذه الثورة جرت في إيران إلا أنها ليست محصورة بالحدود الإيرانية". وهذا يبين النوايا الخبيثة التي يبيتونها للدول الإسلامية. وفي نفس المناسبة قال مرشد ثورتهم الحالي: "سندافع عن مبادئ الإمام الخميني وعن ميراثه" وأهم شيء ورثه الخميني لهم هو تصدير الثورة.
ولنجاح تصدير الثورة اخترع أئمتهم نصوصاً تفيد بأن خروج المهدي لن يكون إلا بعد ثورات متتابعة في عدد من الدول لأتباع المذهب، فحين تثور عصبة منهم على حكومتها فهي تظن أنها تعجل بخروج المهدي الذي سيرفع الظلم عن آل البيت وأتباعهم.
ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوا أحلامهم، مما يوجب رصَّ الصفوف، ونبذ الفرقة والاختلاف، ومواجهة المد الصفوي في البلاد الإسلامية بفضحه للناس، وبيان عواره؛ فإن المخدوعين بهم من أهل الإسلام كثير، والمتخاذلين أكثر، ولو تمكنوا فلن يبقوا للناس ديناً ولا دنيا، ومأساة السنة في العراق أقرب شاهد على ذلك. نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يردهم على أعقابهم خاسرين، وأن يجعلهم عبرة للمعتبرين.. نسأله تعالى أن ينصر جندنا عليهم، وأن يخلص اليمن من شرهم، وأن يضرب الذل والهوان عليهم أينما كانوا إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين..
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وسلوه النصر لإخوانكم على أعدائكم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ) [آل عمران:126].
أيها المسلمون: لكل حركة ثورية انفصالية أصل ترجع إليه، وتستمد منه قوتها المادية والمعنوية، والحركة الحوثية استنبتتها طهران من الفرقة الجارودية القريبة منها في المعتقد، وبها أوجدت للفرس موضع قدم في اليمن؛ وهدفها الثورة على حكومة اليمن، وإحداث القلاقل في بلادنا المباركة.
وقد بات واضحاً أن الحركة الحوثية ذراع من أذرعة الدولة الصفوية الباطنية، حتى ذكرت بعض الصحف اليمنية: أن عدداً من أتباع الحوثي الذين استسلموا أثناء المواجهات أكّدوا قيامهم بالتدرب في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني مع عناصر فيلق بدر في العراق.
وهذا يدل على أن الحوثيين ما هم إلا خدم في معبد الثورة الخمينية، كما هو حال الذراعين الباطنيين في العراق ولبنان.
وهناك أذرعة أخرى كامنة في عدد من الدول الإسلامية تنتظر أوامر سادتها في طهران، ودول أخرى ليس لطهران فيها أذرعة تحاول استنباتها بكل ما أوتيت من قوة عبر الحركات الصوفية والباطنية الأخرى، وهذا يوجب على أهل السنة تكثيف التحذير من الحركات الباطنية، وتوعية الناس بخطرها، والتمكين للعلماء والدعاة عبر وسائل الإعلام لفضح المد الصفوي الفارسي الطموح، مع الاجتهاد في دعوة الناس للحق، والتمكين لدعاته؛ فإن الحق يدمغ الباطل (بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء:18].
وما أُتي المسلمون إلا من جهة إسكات دعاة الحق عن بيان الحق، والتمكين لدعاة الباطل بنشر الباطل عبر وسائل الإعلام، حتى نشر الصفويون أذرعتهم في العالم الإسلامي في غفلة من الغافلين؛ نسأل الله تعالى أن يقطع كل أذرعتهم، وأن يكفي المسلمين شرورهم.
ألا وإن واجبنا دعم إخواننا المجاهدين المرابطين في الثغور، الذين يدفعون عن بيضة الإسلام، ويدرؤون الخطر الصفوي الحوثي عن بلادنا بالدعاء لهم بالثبات والصبر والنصر، وأن نخلفهم في أهليهم بخير فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من جَهَّزَ غَازِيًا في سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا في سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا" رواه الشيخان.
ولا سيما وأنتم تستقبلون عشراً مباركة العمل الصالح فيها خير منه في غيرها، فهي مظنة إجابة الدعاء، وقد روى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قال: "ما الْعَمَلُ في أَيَّامٍ -يعني العشر- أَفْضَلَ من العمل في هذه، قالوا: ولا الْجِهَادُ؟ قال: ولا الْجِهَادُ إلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" رواه البخاري.
فأكثروا من العمل الصالح فيها، ومن الذكر والتوبة والدعاء للمرابطين في الثغور الجنوبية، عسى الله تعالى أن يرد كيد الكائدين، وينصر المجاهدين، ويحفظ البلاد والعباد من كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب.
وصلوا وسلموا ..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي