تأملوا لتستخرجوا أسرار مشاعر هذا النبي الكريم، المسامح الرحيم، يخاطب إخوته فيقول لهم إن الله أحسن إلي وأخرجني من السجن، ولم يذكر لهم الخروج من الحفرة عندما رموه فيها، واكتفى لهم بذكر نعمة الخروج من السجن التي لا علاقة لهم مباشرة فيها، وأغفل نعمة الخروج من البئر التي كانوا سبباً فيها، فلم يذكرها لهم حتى لا يجرح مشاعرهم أو يذكرهم بأعمالهم الخبيثة وأفعالهم الشريرة...
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولي الصالحين، والمتفضل بنعمه العامة على عباده أجمعين، والمنعم بالنعم الخاصة على خواصه المتقين، من الأولياء والأنبياء والمرسلين، ومن سار على دربهم واقتدى أثرهم إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وخير خلق الله أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، القائل -صلى الله عليه وسلم-: "الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ" [البخاري (3390) ].
أما بعد:
عباد الله: إن لكل إنسان شعورا ووجدانا، وأحاسيس ومشاعر، وهذه المشاعر تختلف من شخص إلى آخر، وأعلى الناس شعوراً وأعظم الخلق مشاعراً هم الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، فهم أسوتنا وقدوتنا في كل شيء، إذ لم يختارهم الله ليكونوا دعاته ورسله إلا لأنه علم أنهم أعظم الناس وأفضلهم صلوات الله وسلامه عليهم.
نريد اليوم أن نقف مع مشاعر عظيمة لنبي من أنبياء الله، ذكر الله -سبحانه وتعالى- قصته كاملة في سورة من سور القرآن العظيم، سماها باسم هذا النبي الكريم، وسرد فيها عدداً من المشاعر الفذة والشعور الرائع الذي كان يحمله هذا النبي الكريم في نفسه، إنه نبي الله يوسف -عليه الصلاة والسلام-.
لقد ظلم إخوة يوسف يوسف، وحسدوه حسداً كبيراً، ورموه في البئر، وكذبوا على أبيهم حين جاءوا إليه بقميص يوسف وعليه الدم مدعين أن الذئب قد أكله، وهكذا دارت الأيام ومرت السنوات، وشاء الله -جل وعلا- ليوسف أن يُمكن في الأرض، وينتقل من حياة السجن والرق إلى حياة العز والملك، وفي أثناء ملكه تردد عليه إخوته يطلبون معونته ويسألونه حاجتهم، وقد عرفهم ولم يعرفوه، ومع ذلك فلم يردهم، ولم يمنعهم حاجتهم، بل وفى إليهم في الكيل، وجهزهم كما يجهز غيرهم تماماً دون أي نقص، وأخذ يحادثهم، ويسألهم عن أحوالهم، ويتعرف على أخبارهم، فأخبروه أن لهم أخاً آخر غيرهم، فرغبهم في المجيء به في المرة القادمة وقال لهم:(أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ) [يوسف : 59]. يتخيل الواحد منا أن لو كان في هذا الموقف، ظلمه إخوته، نعم إخوته!.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً *** على المرء من وقع الحسام المهندِ
ظلموه وأهانوه، ورموا به في بئر سحيق، وبيع كما يباع العبيد، ثم قدر الله له أن يتبوأ منصباً أو يعتلي رتبة، وجاء إليه من ظلموه ولم يعرفوه وقد عرفهم، ماذا سيفعل بهم؟ أليس الكثير منا سيعتبرها فرصة الدهر والوقت المناسب للانتقام منهم وتلقينهم درساً لن ينسوه؟! خاصة أنهم في غفلة عنه ولم يعرفوه وهو قد عرفهم، بل على الأقل سيغتنم الفرصة طالما أنهم في يده وتحت ملكه ليفعل بهم ما يشاء، وربما يعتبرهم غنيمة ساقها الله إليه لينتقم منهم كما ظلموه، ولكن الشعور العظيم لهذا النبي الكريم جعله يتصرف معهم أجمل تصرف، ويكرمهم أعظم كرم، ولم يعلمهم حتى مجرد علم بآنه عرفهم حتى لا يحترجون أو يخافون.
والعجيب أن يوسف -عليه السلام- لم يكتفِ بالإحسان إليهم بعدم معاقبتهم وعدم سؤالهم عما فعلوه به، بل زاد في إكرامهم والانعام إليهم بأن أمر خدمه وفتيانه برد الثمن الذي اشتروا به البضاعة إلى رحالهم، وأن يُرجعوا إليهم المبلغ بطريقة خفية بحيث لا يشعرون أنه ردّ إليهم الثمن ولم يأخذه منهم، وهذا من تمام وفائه وإحسانه إليهم، فهل يستطيع أحدنا أن يكون له شعور تجاه إخوته، وأهله، وأرحامه، ومن حوله من الناس، كهذا الشعور.
جاؤوا بأخيهم معهم في المرة الثانية كما طلب ذلك منهم يوسف -عليه السلام-، فعزم يوسف أن يضم أخاه إليه، فوضع السقاية التي يكيل بها في رحل أخيه، فلما رحلوا (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، ففتشوا فوجدوا السقاية في رحله ومتاعه.
هذه حيلة فعلها يوسف لغرض ضم أخيه إليه، وحتى لا يخاف أخوه من هذه التهمة العظيمة تهمة السرقة، وحتى لا يحمل هماً في نفسه من هذه القضية، قام يوسف قبل تدبير هذه الحيلة بإعلام أخيه أنه أخاه، وأنه هو يوسف، فقال له منذ بداية دخولهم عليه إِنِّي أَنَا أَخُوكَ، (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يوسف : 69]، ضمه إليه، واختصه من بين إخوته، وأخبره بحقيقة الحال، وقال له: (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تحزن ولا تقلق، حتى لا يخيفه أو يرهب شعوره أعلمه بأن هذه حيلة مفتعلة ومكر مخطط فلا تحزن ولا تقلق، فما أجمله من شعور يحمله يوسف -عليه السلام-، وما أعظمها من مشاعر إذ لم يرضى أن يخدش مشاعر الآخرين بأي خدش، فصلوات الله وسلامه عليه.
حدث ما حدث، وحاول الإخوة بكل ما يستطيعون أن ينفوا عن أخيهم التهمة خوفاً من أبيهم الذي وعدوه أن لا يضيعوه كما أضاعوا من قبله يوسف، ولكن هيهات لهم أن ينفوا التهمة وقد وجدوا السقاية في رحله، فما كان معهم إلا الردود الانفعالية والاتهامات الافترائية (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) [يوسف : 77].
لازال القوم في غيهم سادرون، وفي سكرتهم يعمهون، ولتهمهم يرمون، هكذا رموه بكل سهولة وجرأة بأنه سارق، وكأنهم يُثبتون له أنهم على نفس السلوك القديم والطبع الماضي لم يتغير فيهم شيء، ولم يغيروا من أنفسهم شيئاً، هذه هي مشاعر القوم تجاهه لازالت كما هي، ولكن كيف كانت مشاعره هو؟.
تخيل لو أن من اعتدوا عليك وظلموك وفعلوا بك الأفاعيل لازالوا يصرحون لك بأنك تستحق الظلم، وأنك مجرم وسارق، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذه التهم ماهي إلا كذب صراح وتلفيق واضح عليك، ياترى ماذا ستفعل بهم؟ وكيف ستتصرف معهم؟ ليسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال، ولكن هل تعلمون كيف تصرف معهم صاحب الشعور الرقيق والأحاسيس المرهفة ؟ أسرها في نفسه ولم يبدها لهم، كظم غيظه، وأسرَّ الأمر في نفسه، ولم يقابلهم على ما قالوه بما يكرهون، وقال في نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) [يوسف : 77].
وللعلم فإن هذه العبارة (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) قالها يوسف في نفسه ولم يجهر بها لهم، ولم يقلها في وجوههم، فأي مشاعر هذه المشاعر!، وأين نحن من عشر معشار هذه المشاعر تجاه الآخرين؟ فلم يحب -عليه السلام- أن يجرح شعورهم بشيء مع أنهم اتهموه بالسرقة ودبروا له كل مكر وشر.
إنه حقاً صالح من الصالحين، ومخلص من المخلصين، وولي من أولياء الله المتقين، مدحه الله بمدائح كثيرة وعظيمة فقال: (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف : 24]، وقال: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [يوسف : 22].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
أيها الناس: بان السر وانكشف المغطى، وعرف إخوان يوسف أن من يخاطبونه ويترددون عليه هو يوسف، وقالوا له بكل دهشة وحيرة واستغراب، (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف : 90].
ماذا سيقولون له؟ وبأي وجه سيقابلونه؟ فما معهم إلا إظهار التأسف، وإبداء الاعتذار (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) [يوسف : 91]، اعترفوا له اعترافا صريحاً بكل ما بدر منهم تجاهه، وأقروا له أن ما فعلوه ضده كان خطأ محضاً، فيا ترى هل قام يوسف بفتح ملف القضية بناء على اعترافاتهم؟ هل قال لهم اليوم يوم حسابكم على كل ما عملتموه من جرائم وأفعال شنيعة أقررتم بها ضدي؟ هل ذكّرهم بتاريخهم الأسود وقصصهم المأسوية التي ارتكبوها في حقه؟ ماذا قال لهم -يا عباد الله-: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف : 92].
سامحهم مباشرة، وعفا عنهم للتو، ولم يقل لهم أنتم فعلتم بي وفعلتم ولكن أنا اليوم أسامحكم وأعفو عنكم، لم يذكرهم بشيء من ذلك كله، وقال لهم حينها (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وكأنهم لم يعملوا شيئا، ومع ذلك لم يكتف بمسامحتهم والعفو عنهم كشخص، وإنما قام بدعاء الله -سبحانه وتعالى- وسؤاله أن يعفو عنهم، وأن يغفر لهم زلاتهم، وأن لا يؤاخذهم بما فعلوه في حقه، حتى يكتمل العفو ويتم لهم من كل الجهات، فالحق المتعلق به من جهته سامحهم فيه، وأما من جهة الله وحسابه لهم على أفعالهم فسأل الله أن يغفر عنهم، وأن لا يحاسبهم، فمن جهته (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ)، ومن جهة الله، (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
إنها مشاعر تجاه الآخرين يعجز اللسان عن تصويرها، ويعجز القلم عن تسطيرها، وتطرب الآذان لسماعها، وترتاح القلوب لروايتها، وتجد النفوس بوناً شاسعاً وفرقاً واسعاً بين مشاعرنا وتلك المشاعر.
اليوم تجد المشاكل في مجتمعنا كثيرة ومتنوعة، وقليل هم الذين يأتون للصلح ويرضخون له، وقليل من هؤلاء القليل الذين يسامحون ويتنازلون، ثم تجد من هؤلاء من يسامح ويعفو لكنه يلمح أو يصرح بأنه متنازل عن حقه في الدنيا، أما في الآخرة فإنه لن يسامح ولن يعفو، ويسأل الله أن يذل من ظلمه، ويعذبه، ويفعل به ويفعل، أما الكريم النبي يوسف -عليه السلام- فإنه سامحهم في الدنيا، وطلب من الله أن يغفر لهم في الآخرة.
وعندما قالوا له (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)؟ ماذا قال لهم؟ وبماذا أجابهم؟ (قَالَ أَنَا يُوسُفُ)، لم يقل لهم تأدبوا معي، وأنزلوني منزلتي، في كل مرة لا تحترموني، أنا الملك يوسف، أو الرئيس يوسف، أو يوسف اليوم ليس يوسف الأمس، لم يجرح مشاعرهم بما هو أقل من هذا فضلاً عن هذا.
عباد الله: وفي نهاية المطاف وختام القصة العجيبة تحققت له رؤياه، وجمع الله بينه وبين والديه وإخوته، (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف : 100]. عجيبة والله هذه المشاعر التي يحملها سيدنا يوسف -عليه السلام- في نفسه، مشاعر لا تكاد توصف، ولولا أنها وردت في كتاب الله وفي الأحاديث الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقلنا أنها من الاسرائيليات، وأحاديث بني إسرائيل.
في هذه الآية تأملوا لتستخرجوا أسرار مشاعر هذا النبي الكريم، المسامح الرحيم، يخاطب إخوته فيقول لهم إن الله أحسن إلي وأخرجني من السجن، ولم يذكر لهم الخروج من الحفرة عندما رموه فيها، واكتفى لهم بذكر نعمة الخروج من السجن التي لا علاقة لهم مباشرة فيها، وأغفل نعمة الخروج من البئر التي كانوا سبباً فيها، فلم يذكرها لهم حتى لا يجرح مشاعرهم أو يذكرهم بأعمالهم الخبيثة وأفعالهم الشريرة، وهذا من كمال العفو وقمة المسامحة أن لا تذكّر خصمك بماضيه إذا سامحته وعفوت عنه.
ليس هذا فحسب -ياعباد الله- وإنما جاء بهم من حياة البداوة والفقر والضنك إلى حياة المدينة والحضارة والتقدم، إحساناً إليهم وإكراماً لمشاعرهم، ولو كان الواحد منا في هذا الموقف لما فكر أصلاً في رفعتهم وإعلاءهم والارتقاء بهم إلى الحياة الأفضل، والعيش الهني الأكمل، بل سنجد أن الجيد فينا من يسامح ويتنازل، أما أن يفعل لهم ما هو أعلى من المسامحة والعفو وهو الرفعة والرقي بهم فهذا نادر وخيال، إلا لمن كان يحمل مشاعراً مثل مشاعر يوسف -عليه الصلاة والسلام-.
هل انتهت مشاعر يوسف هنا؟ لا لم تنتهي بعد، اسمعوه يخاطب والديه بخطاب رقيق، وأسلوب عال أنيق، فيقول لهم: (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : 100].
يا الله؛ أي مشاعر خلقتها في هذه الرجل العجيب؟ حقاً إنه نبي، ابن نبي، ابن نبي، ابن نبي، يقول أن ما حصل بينه وبين إخوته إنما هو نزغ من الشيطان، وكأنه يقول لإخوته لا علاقة لكم بما حصل، ولستم أنتم السبب في كل هذه المشكلات التي حدثت وإنما السبب هو الشيطان، فحملها إبليس أساس الشر ومصدر البلايا، حتى لا يؤلم إخوانه بأنهم هم من تسببوا في كل ما حصل له من ظلم وإهانات، وهنا أتوقف عن التعليق، ولا أستطيع أن أعبر لكم عن هذه المشاعر الرقيقة، وأترك لخيالكم أن يتصور عظمة هذه المشاعر ومدى هذا الشعور لنبي الله يوسف بن يعقوب، بن اسحاق، بن إبراهيم، عليهم وعلينا نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي