ضرورة الثبات على الحق والحذر مما عليه أكثر الخلق

عبدالله بن صالح القصير
عناصر الخطبة
  1. الثبات على الحق من خصال المؤمنين .
  2. التذبذب بين الحق والباطل من خصال المنافقين .
  3. خطر الإمعة والتبعية .
  4. العظة والعبرة من حوادث الزمن المؤلمة .
  5. المجتمع الرشيد. .

اقتباس

.. وفي ذلك الوعيد الشديد والتهديد الأكيد لمن ألقى قيادته لغيره ممن لم تكتب له العصمة، ورضي بتقليده وتبعيته له في كل ما يتجه إليه، فإن ذلكم هو الإمعة الذي يرضى بالتبعية والذلة والهوان، ويسلم قيادته لشرار بني الإنسان، وفي الأثر: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم

 

 

 

 

الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروا له ولا تعصوه، وراقبوه تعالى واحذروه، واعلموا أن من أعظم خصال المسلم الحق وأجلِّ مميزاته - الثبات على دينه، والمحافظة على أخلاق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون أي تذبذب فيه أو انحراف عنه؛ لشبهة عارضة أو شهوة جامحة أو فتنة بين الناس شائعة، فإن التذبذب بين الحق والباطل وترك السنة الثابتة بعد التخلق بها ليس من شأن أهل الإيمان، بل هو من شأن ذوي النفاق والكفران، الموصوفون في محكم القرآن، بالتناقض بين الأقوال والأعمال، والتقلب في المسلك في سائر الأحوال، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11]. وقال -سبحانه-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت:10-11].

أما المؤمن الحق فإنه يكون مغتبطاً بإيمانه بالله، محققاً لعبوديته لله، متشرفاً بالانتساب لدينه، والإتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم، فيظل على الدوام معتدًّا بإيمانه وعقيدته، معتزًّا بشخصيته ورأيه، لا ينقاد لهوى باطل من قبل نفسه، ولا يتابع غيره على خطأ، ولا يرضى بأية خطة لا تستمد من كتاب الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أن للناس أهواءً وغايات، وللبشر أخطاء ونزوات، وليس لذي لب سليم أن يتابع الناس على أخطائهم، أو يجاريهم على أهوائهم، بل لا بد من طلب البينة على الدعوى، والحجة على المذهب، يقول -تعالى-: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:111]. أي على صدق دعواكم أنه لن يدخل الجنة سواكم، ويقول سبحانه فيمن حرَّموا ما أحل الله: (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الأنعام:143]. أي: فيما ذهبتم إليه وشرعتموه لأتباعكم من ضلال البشر أشباه الأنعام.

أيها المسلمون: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ومن أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا".

وفي ذلك الوعيد الشديد والتهديد الأكيد لمن ألقى قيادته لغيره ممن لم تكتب له العصمة، ورضي بتقليده وتبعيته له في كل ما يتجه إليه، فإن ذلكم هو الإمعة الذي يرضى بالتبعية والذلة والهوان، ويسلم قيادته لشرار بني الإنسان، وفي الأثر: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم".

فالمؤمن ينبغي أن يكون صلباً في دينه معتزّاً بنفسه، مستقلاً برأيه، ويكون في ذلك كله على هدى من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يقع في شطط أو جور، أو يرتدي برداء العظمة والكبر، فيصبح من الهالكين الخاسرين، بل يكون في سائر أحواله مؤمناً قويًّا؛ فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير.

وإنما تتحقق القوة في اتباع الحق والشجاعة في لزوم الثبات عليه، ولو جانبه سائر الخلق، فلا يقبل الذلة في دينه، ولا المداهنة في عقيدته، ولا المساومة على أخلاقه وقيمه، بل يلازم الحق في كل حال، ويحارب الباطل وأهل الضلال، ويرد الباطل على ما جاء به من الناس كائناً من كان.

أيها المسلمون: المؤمن الحق هو الذي يدعو الناس إلى الخير ويسبقهم إليه، ويأمرهم بالمعروف ويكون أشد التزاماً به، وينهاهم عن المنكر ويكون أعظمهم بعداً عنه، ويحب للناس من الخير ما يحبه لنفسه؛ فيتفق قوله وفعله على الخير، ويشهد ظاهره لباطنه على الاستقامة؛ فيجمع بين صلاح السريرة وجمال السيرة، والناس شهداء الله في أرضه، من أثنوا عليه بخير وجبت له الجنة، ومن أثنوا عليه بشرٍّ وجبت له النار، وإنما يتحقق النبأ ويصدق الثناء يوم الموت، فيوم الجنائز هو يوم الشهادة الصادقة في الدنيا للشخص أو عليه، (وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:94].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من خاصة أوليائه وأحبابه. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، والناصح المبين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن من الدين والنهج الذي ينبغي أن يكون عليك مسلك أولي النهى - البعد عن المعاصي، والتعاون على محاربة الفساد وقمع المفسدين، والقضاء على كل داعية إلى ضلال أو متزعم لفتنة أو مبتغ في الإسلام سنة جاهلية؛ ليحقق الله تعالى للمسلمين وعده الكريم بالنصر والتمكين بقوله المبين: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]. وقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47]. وقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].

وإن الفرص -يا عباد الله- ما برحت مواتية؛ فإن النكبات التي جرعت المسلمين الغصص وألبستهم ثوب العار إنما كانت نتيجة لإعراضهم عن شرع الله، وجرأتهم على معصيته وارتكاب محارمه، وهذا مما يضاعف المسؤولية ويحتم الواجب، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؛ فعلى الجميع التعاون على البر والتقوى، ونبذ الهوى، واتباع الهدى، والعاقبة للمتقين.

واعلموا -عباد الله- أننا في زمن جرت فيه أمور، وحدثت فيه حوادث أقضَّت المضاجع، ينبغي أن يأخذ منها المسلمون العبرة، وأن يعوا الدرس قبل أن يصابوا بأنفسهم بشديد النوازل وعظيم المصائب؛ فعلى اللبيب الفطن أن يحاسب نفسه على ما سلف من عمله، ويستزيد من الخير، ويجدد التوبة، ويلازم الاستغفار، ويسعى في استصلاح الحال والمآل؛ فإن ذلك من أسباب دفع البلاء وصرف العذاب، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة..

والمجتمع الرشيد هو الذي تتضافر جهود أفراده على استصلاح ما فسد من أمره، والأخذ على أيدي الخارجين فيه على شريعة العدل. وكم في المجتمع اليوم من مظاهر التفريط وبراهين التقصير؛ فخلطة الرجل بالمرأة الأجنبية في بيته، أو دخوله دار غيره من قريب ونحوه حال غيابه - من المنكرات التي تورث فظيع العقوبات. والسماح للنساء بمصاحبة الأجنبي، والخلوة به في السيارة عند الذهاب إلى المدرسة أو السوق ونحوهما- من مظاهر ضعف الغيرة، والله تعالى غيور يغار على حرماته حين تنتهك، وقبل ذلك وأعظم منه التخلف عن الصلوات في الجماعات في سائر أو بعض الأوقات، فذلكم زيغ عن الحق ويصبح أهله عرضة لأن يزيغ الله قلوبهم، ويسلبهم ما أعطاهم من النعم، ونحو ذلك من الأخطاء الشائعة والمنكران الواقعة التي ينبغي للجميع أن يبتعدوا عنها.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي