نصر الله قادم يا غزة

بلال بن إبراهيم الفارس
عناصر الخطبة
  1. من قضاء الله: الصراع بين الحق والباطل .
  2. معان غائبة مهمة في أحداث غزة .
  3. الترغيب في صيام عاشوراء وبيان فضله .

اقتباس

إنه لن يوقف هذه الجرائم اليهودية مؤتمر سلام ولا وسيط أجنبي لأن الخصم يهود وأول صفاتهم نقض العهود فكيف يرجى ممن نقض عهد الله وقتل أنبياءه أن يفي بوعد أو يلتزم بعهد إن الطريق لتحرير الأرض هو الجهاد في سبيل الله ومقاومة المحتل. ومن أبى فمصيره الذل والمهانة ..

 

 

 

 أما بعد:

عباد الله: قضى الله قضاءه -ولا راد لقضائه- أن يكون الحق والباطل في صراع وجهاد منذ بزغ نور الحق حتى يرث الله الأرض ومن عليها ... صراع بين فريقين في الأول جاهد أنبياء الله ورسله والصحب الكرام وآساد الإسلام وفي الثاني هزم فرعون وهامان وأبوجهل بن هشام وأحفاده من الكفرة الفجرة ..

وإني متحدث عن صفحة دامية من صفحات هذا الصراع ومعركة طال أمدها واحتدمت نارها وارتفع أوارها إنها معركة ضربت في أكباد الزمن حيث ولد جلنا وقد فار تنورها وحمي وطيسها ولا يزال حادا مادا يخبو حينا ويقوى حينا إنها معركة الحق مع الباطل في أرض الإسلام فلسطين حيث المسجد الأقصى والأرض المباركة.

غير أن طغيان يهود وعملاء يهود قد اشتد ضرامه في الأسبوع المنصرم على أرض العزة .. الحبيبة غزة .. فطوابير الجنائز تشق طريقها كل صباح وآلاف الجرحى باتو على غير دواء .. البيوت مهدمة والطرقات مظلمة .. الأطفال يتامى والأمهات ثكالى والزوجات أرامل .. الجزار ينهش والضحية تموت .. والعالم صامت

 

أمتي كم غصة دامية خنقت *** نجـوى عـلاك في فمـي
أي جرح في إبائـي راعف *** فاتـه الآسـي فلم يلتئـم
الإسرائيل تعلـو رايـة في *** حمى المهـد وظل الحـرم؟
لا يلام الذئب في عدوانـه *** إن يـكُ الراعي عدو الغنم
رب وامعتصماه انطلقـت *** مـلء أفـواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم

ومن وحي الحدث سأرقم بعض المعاني الغائبة عند الكثيرين:

فأولها: أن نصر الله قادم ولا نشك في ذلك طرفة عين بل نقسم على ذلك فقد أخرج البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود, فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: بأكناف بيت المقدس" أخرجه الإمام أحمد. فنصر الله قادم بنا أو بغيرنا والمطلوب من كل واحد منا أن يسعى ليكون سببا للنصر أو مربيا للجيل الذي يكون النصر على يديه وخير سبل النصر: نصر الله بطاعته " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"

ثانيا: في تاريخ الأمم هزائم وانتصارات، والأمة الواعية تجعل من الضعف معبرا للقوة ومن الخوف بوابة للأمن والضربة التي لا تقتل صاحبها تقويه وفي تاريخ الأمة صعودٌ وهبوط، ومن تتبع التاريخ وجد أن كل ضعف وظلام وفتور يتبعه إصلاح ونصر ونور و وفي مثل هذه الأحداث تنجب الأمة أبطالاً مجاهدين وعلماء عاملين، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل أمتي مثل المطر، لا يُدرَى أولُه خير أم آخره" أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان, وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوي لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها" أخرجه مسلم.

إن هذه الأحداث قَدَرٌ مكتوب على هذه الأمة؛ لتنهض من كبوتِها، وتعيَ رسالتَها، وترصَّ صفوفَها تحت راية واحدة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ترفعها في كل محفل وتجاهد تحت لوائها كل محتل مع الصدق مع الله، وعدم الركون إلى الدنيا الفانية وإنه من رحم الألم يولد الأمل والآمال محاضن الآمال وإن أحداث غزة ومجزرة غزة بوابة فجر إن شاء الله تشرق فيه شمس العزة وذروة سنامها الجهاد في سبيل الله.

ثالثا .. إن الله قادر على رد المعتدي ودفع كيده ولكن قد يتأخر النصر لحكم يريدها الله جل جلاله وإني مستدل بالقرآن الكريم فتأملوا هذه الحكم العظيم يقول الله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد 4 :6]

 قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) أي: هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونَكَال من عنده، ( وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) أي: ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم، ويبلو أخباركم. كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي "آل عمران" و "براءة" في قوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [ آل عمران: 142 ]. وقال في سورة براءة: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [ التوبة: 14، 15 ].

ثم لما كان من شأن القتال أن يُقتل كثيرٌ من المؤمنين، قال: ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) أي: لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها.

فسبحان من يختار للمقامات العليا من عباده من امتحن قلوبهم للتقوى وعلم من صدق سرائرهم ما لم يعلم الناس، حتى ولو كانوا من الأخفياء المجهولين.
ويرحل قتلانا وفي الحلق غصة يريدون عمراً ثانياً كي يقاتلوا

عباد الله: فليكن إيماننا بحكمة الخالق جل وعلا أعظم من إيماننا برأينا وتقديرنا للأمور!

ومن الحكمة مدافعة القدر بالقدر كما قال عمر رضي الله عنه: " نفر من قدر الله إلى قدر الله".

فمن مدافعة القدر، أن نستفرغ وسعنا كله في نصرة إخواننا ودفع الظلم عنهم كل على حسب وسعه وطاقته فالسياسي بسياساته والتاجر بتجاراته وصدقاته والواعظ بوعظه والمجاهد بجهاده والكل بدعاء الله واستمداد النصر من الرحيم الرحمن.

إن الدعوة الصادقة بظهر الغيب، تفتح لها أبواب السماء ويقول الجبار تعالى: "وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"

رابعا: إن معركة العدو الصهيوني ليست مع حركة حماس كما يتشدقون به في كل تصريح بل المعركة مع الإسلام الذي تحمله حماس ولا أدل على ذلك من الاستهداف الواضح للمساجد والجامعات الإسلامية والدور الخيرية في القصف الأخير .. وليس صحيحا أن الغارات الأخيرة سببها استفزاز أو عبث فالعدوان الإسرائيلي ليس وليد اليوم، وما فتئت إسرائيل تمارس غطرستها على الشعب الأعزل منذ وجدت، وليست بحاجة إلى استفزاز، إنها تعربد وفق ما يحلو لها، ولا يعجزها أن تصنع المسوغات لجرائمها دون مبالاة بأحد.
فليكف أولئك الذين يكتبون, أو يتحدثون أن إسرائيل لم تكن لتفعل ما فعلت, لولا الاستفزاز, وكأن عدونا بريء من ألف مجزرة سبقت هذه المجزرة, لم تسبق بأي استفزاز, ويا سبحان الله متى كان حق المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض استفزازا

عباد الله: إن أطماع يهود لن تقف عند غزة .. بل لهم أطماع تتعدى غزة؛ لتجثم على أجزاء كبيرة من البلاد الإسلامية المجاورة, فعملتهم قد سكوها بختم إسرائيل الكبرى: "إسرائيل من الفرات إلى النيل ولكن أسود فلسطين بعون من الله المتين أبطلوا مخططاتهم فلم يزالوا عالقين في دوامة غزة والتي تمد بأرحام نسائها الطاهرات المعركة بآلاف الجنود وإنها لعبادة عظيمة لنساء غزة ..."

لقد ضرب هذا الشعب المسلم أروعَ الأمثلة والبطولات، فمع قوافل الشهداء و الجرحى وطوابير المعتقلين والأسرى ومع الحصار والنار يؤكِّد الشعبُ المسلم أنه لا استسلامَ ولا ذلَّ ولا هوان، وأن الجهاد في سبيل الله ماضٍ إلى قيام الساعة هم لا يريدون سوى إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة .. لسان كل واحد منهم:

خرجنا إلى الموت شم الأنــوف *** كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيـــوف *** ونأتي المنيـة مـن بابهـا

فتخبط عدوهم وصال وجال وعاش من الخوف أضعاف ما عاشه الشعب الأعزل (لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ اللَّهِ) [الحشر:13].

لقد جاهد هذا الشعب وصبر وصابر .. اشتد عليه البلاء وتكالب الأعداء، فما هدأ وما استكان ولا أعطى الدنيةَ يوماً، بل علت همته فعلا ..

ولله درُّ عمر رضي الله عنه إذ قال: "لا تستصغروا هممَكم، فإني لم أر أقصر عن المكرمات من صغر الهمم".

يواصل هذا الشعبُ المقاومة دون استسلام، مقدِّماً شهيداً تلوَ شهيد، ضارباً أنبلَ أمثلة الصبر .. وإن الأمة التي تحسن صناعةَ الموت الشريف يهبُ الله لها الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيمَ الخالد في الآخرة. ومن درر الصديق رضي الله عنه: "اطلبوا الموت توهب لكم الحياة".

عباد الله: إنه لن يوقف هذه الجرائم اليهودية مؤتمر سلام ولا وسيط أجنبي لأن الخصم يهود وأول صفاتهم نقض العهود فكيف يرجى ممن نقض عهد الله وقتل أنبياءه أن يفي بوعد أو يلتزم بعهد إن الطريق لتحرير الأرض هو الجهاد في سبيل الله ومقاومة المحتل. ومن أبى فمصيره الذل والمهانة وهذا مصداق حديث رسول الله: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" [رواه أحمد وأبو داود]. (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ). [الحج: 39]

فيا حماة الأقصى، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، والليل إن تشتد ظلمته فإن الفجر لاح (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ .[البقرة : 214]

خامسا: إن الحديث عن غزة لا يعني نسيان سجون العراق وشكوى ثكالى بغداد وأنين مظلومي الصومال والشيشان وأفغانستان كلا فكلها بلادنا و في الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم فالمؤمنون إخوة، وبلادهم واحدة، لسان حال المسلم يقول:
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني.

اللهم أعنا على القيام بواجب النصرة على الوجه الذي يرضيك عنا

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة في الله روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: " ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ " قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله: " فنحن أحق وأولى بموسى منكم "، فصامه رسول الله وأمر بصيامه.

وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن صيام هذا اليوم يكفر ذنوب سنة كاملة فقال: " صيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " رواه مسلم. واستمعوا - عباد الله - إلى الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله وهو يحذّر ممن يتصوّر أن صيام عرفة وعاشوراء كافٍ في النجاة والمغفرة حيث يقول رحمه الله: "لم يدر هذا المغتر أنّ صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة وعاشوراء، وهي إنما تكفّر ما بينها إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر، ومن المغرورين من يظنّ أن طاعته أكثر من معاصيه؛ لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقّد ذنوبه، وإذا عمل طاعته حفظها واعتبرها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزّق أعراضهم ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبدًا يتأمّل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك من محض غرور" انتهى كلامه رحمه الله.

فاللهم لك الحمد على أن هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي