1/ ماذا جرى لأُمتنا؟! 2/ انحراف كثير من المسلمين عن الصراط المستقيم 3/ تغيير أسماء المعاصي 4/ بل تؤثرون الحياة الدنيا 5/ أعمالكم عمالكم 6/ دعوة للاستقامة على الحق.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهُ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عبِادَ اللهِ: طامةٌ ما بعدها طامةٌ، ومصيبةٌ ما بعدها مُصيبةٌ، ورزيةٌ ما بعدها رزيةٌ، بينما الإسلام يئنّ ويشتكِ في كُلِّ مكانٍ، في فلسطينَ وسوريا والعراقَ وأفغانستانَ، بينما الأطفال يموتونَ جُوعاً بينما النساءُ الأحرار تُغتصبُ بالظُلمِ والقهرِ والغصبِ، فإذا بإعلامِنا بكُلِّ وسائلِهِ وقنواتِهِ، يُروُّجُ الفسادَ في الأرض، ويدعو الأجيال إلى الانحرافِ والانحلالِ.
أنشأوا لنا أجيالاً هوايتُهُ الغناءُ، أنشأوا لنا أجيالاً هدفُهُ موسيقى وفنونٌ ورقصٌ ورياضةٌ، أنشأوا لنا أجيالاً يُحبّ الدنيا ويكرُهُ الآخرة، أنشأوا لنا أجيالاً لا يُنفقُ ديناراً في سبيلِ اللهِ، ويُنفقُ آلافا مؤلفةً في برنامجِ عَربِ أيدولٍ، إنَّها لَخطةٌ مهينةٌ مِنْ عُبّادِ الصليبِ ولكنْ هلْ نجحوا؟ للأسف نعمْ نجحوا وأفسدوا ملاين من الشبابِ والفتياتِ ، قالَ تعالى: ولنْ ترضى عنكَ اليهودُ ولا النصارى حتى تتبعَ ملتَهم، ومنافقونَ العصرِ يقولونَ: بلْ سوفَ يرضونَ، أفأنصدقُ مَنْ المنافقونَ أمْ نُصدِّقُ ربَّنا؟
فويلٌ لهمْ ثُمَّ ويلٌ لهم مِنْ غضبِ الجبَّارِ عليهم، قالَ تعالى: (إنَّ الذينَ يُحبُّونَ أنْ تَشيعَ الفاحشةَ في الذينَ آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة واللهُ يعلمُ وأنتمْ لا تعلمونَ) [النور: 21].
قالَ أحدُهم: لا تحاربوا المُسلمينَ في أيديِكم، ولكنْ حاربوهم في أنفسِهم حاربوهم في شهواتِهم.
وقالَ أحدُهم: كاسةُ خمرٍ وزانيةٌ ومغنيةٌ، تفعلُ بالأمة المحمديةِ ما لا يَفعلُه صاروخٌ ودبابةٌ.
ياللهِ ماذا جرى لأُمتنا؟ الأسعار غاليةٌ، والنساءُ عاريةٌ، والمساجدُ خاليةٌ، وأحكامُ اللهِ لاغيةٌ، الزنا حلالٌ، والزواجُ مِحالٌ، السارقُ مدللٌ، والمجاهدُ مُكبلٌ، أمريكا مصدرُ المالِ، والنساءُ قوامونَ على الرجالِ، أرضُنا محتلةٌ، والفقراءُ تحتَ المطرِ بلا مظلةٍ، وزوجةُ الحاكمِ تُقلِّبُ في أوراقِ المجلةِ، وصدق رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- إذْ قالَ: "سيأتي على النَّاسِ سنواتٌ خداعاتٌ، يُكذَّبُ فيها الصادقُ، ويُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُخَوَّنُ الأمين، ويُؤتمنُ الخائنُ".
ألسنا في زمنٍ تُسمى فيهِ المُسمياتِ على غيرِ اسمها؟!
مستار يا مستار هذا زمان العار
من طنجة إلى قندهار
معتقل يعيش حالة احتضار
أمتنا ليس لها قراااار
أمتنا ألعوبة باليمين واليسار
نرجو صلاح الدين ندور في ماساتنا حتى أصابنا الدوار
لكن لا خيار
إن موتنا فوق صغار السيف
حتى يصير الشوك جل نااار
موقنون يا مستار بحرقة المشوار
فالنصر تحت السيف والصراط فوق النار
هذهِ باختصار
كلمات اعتذار
عن أمة تعدادها ملياااااااااااااار
ليس لها قراار
الشيخ الأسير: خالد الراشد"
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحتْ تأمرُ بالمنكرِ، وتنهى عَنِ المعروفِ، ورسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ: "إنَّ الناسَ إذا رأوا المنكرَ فلمْ يُغيروهُ، أوشِكَ أنْ يُعمَّهم اللهُ بعقابٍ". حديثٌ صحيحٌ
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى استحلت الغناءَ، وأصبحَ الغناءُ جزءاً كبيراً في حياتِها، ورسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير". (رواه ابن ماجة وابن حبان).
والمقصودُ بالمسخِ هنا كما قالَ أهلُ العلمِ: مسخُ القلوبِ فتصبح قلوباً كقلوبِ القردةِ والخنازيرِ، ويعرفُ عَنِ الخنزيرِ أنَّهُ لا يَغارُ على أهلهِ.
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى كنزتْ الذهبَ والفِضةَ والأموال، والفقراءُ على أبوابِ المساجدِ وتحتَ المطرِ في الشوارعِ يسألونَ النَّاسَ، قالَ عليٌ -رضيَ اللهُ عنه-: "إذا رأيتَ فقيراً يمشي في سككِ المدينةِ، فأعلمْ أنَّ هناكَ غنيٌ لمْ يؤد زكاةَ مالِهِ".
وقالَ عمرُ بنُ العزيزِ -رحمهُ اللهُ-: "انشروا القمحَ على رؤوسِ الجبالِ، كيْ لا يُقالُ جاعَ طيرٌ في بلادِ المسلمينَ"، آه يا أميرَ المؤمنينَ لقدْ جاعَ اليومُ الطيرِ والبشرِ! ورسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ: "ليسَ المؤمنُ الذي يباتُ شبعاناً وجارُهُ جنبُهُ جائعٌ". (صححه الألباني).
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحوا يزنونَ بالشوارعِ، ويتسافدونَ كتسافدِ الحُمرِ، وهذه مِنْ علاماتِ الساعةِ، قال رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "والذي نفسي بيدِهِ، لا تفنى هذه الأمة حتى يقومَ الرجلُ على المرأةِ فيفترشُها في الطريقِ، فيقولُ خيارُهم يومئذٍ لوْ واريتَها خلفَ هذا الحائطِ" (صححهُ الألباني).
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحَ رجالٌ متزوجينَ، يزنونَ بنساءٍ متزوجاتٍ، كُنَّا نظنّ أنَّ الزواجَ وسيلةٌ للعفافِ، والذي يظهرُ لنا أنَّ النَّفسَ لا تشبعُ مِنَ النساءِ، وهذا صحيحٌ. قالَ الشيخُ عليٍ الطنطاوي -رحمهُ اللهُ-: "النساءُ كالبحرِ كُلَّما شَربتَ منهُ ازدتَ عطشاً".
ولِنسمعْ إلى هذهِ القصةِ لِنأخذَ منها عِبراً،
الفرزدقُ كانَ شاعراً قَذراً، وكانَ يُروادُ النَّساءَ عَنْ أنفسهنَّ، فأحبَّ امرأةً وقالَ لها: إنْ لمْ تُمكنيني مِنْ نفسكِ سوفَ أكتبُ بكِ شِعراً تتحدثُ عنهُ العربُ، فذهبتْ هذه المرأةُ إلى زوجةِ الفرزدقَ، وقالتْ لها: اتقِ اللهَ في زوجكِ فإنَّهُ يُريدُ كذا وكذا، فقالتْ لها زوجةُ الفرزدقَ قولي لهُ: "نلتقي الليلةَ في بستانِ كذا وكذا وتأتي وما معك سِراجٌ كي لا يرانا أحدٌ، فذهبتْ هذه المرأةُ إلى الفرزدقَ، وقالتْ له: نلتقي الليلةَ في بستانِ كذا وكذا وتأتي وما معك سراجٌ كي لا يرانا أحدٌ، فوافقَ الفرزدقُ على شرطها، فلمَّا جنَّ الليلُ ذهبتْ زوجةُ الفرزدقَ إلى البستانِ وليسَ المرأةُ بإتفاقٍ معها، فجاءُ الفرزدقُ فجامعها وهو يظنّ أنَّها المرأةُ، فلما فَرغَ منها وأشعلَ السراجَ فإذا هيَ زوجتُهُ، فقالتْ لهُ: قبَّحكَ اللهُ لا تقربني منذُ كذا وكذا، فقالَ لها الفرزدقُ: ما أجملكِ حراماً وما أقبَحُكِ حلالاً!!
فهذهِ القصةُ تعطيكَ دلالةً، على أنَّ الشيطانَ يزينُ كُلَّ شيءٍ حرامٍ لابنِ آدمَ. كما قالَ اللهُ: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 24].
وجاءَ الهديُ النبويّ لحلِّ هذهِ المشكلةِ، قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليهِ وسلَّم-: "إذا أبصرَ أحدُكم امرأةً فليأتي أهلَه، فإنَّ معها مثل الذي معها ".
والذي يزني بامرأة متزوجةٍ، عذابُهُ شديدٌ ونكيلٌ عليهِ وعليها، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "من زنا بامرأة متزوجةٍ، كانَ عليهِ وعليها نِصفُ عذابِ هذه الأمة".
وقال رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ-: "ليسَ منَّا مَنْ خَبَّبَ- أي: أفسدَ- امرأةً على زوجِها".
وعجبتُ مِنْ رجلٍ يغارُ على امرأة مِنْ زوجِها!! نسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ.
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحوا يأخذوا الأموال ولا يُبالونَ أمِنْ حلالٍ أمْ مِنْ حرامٍ، وهذه مِنْ علاماتِ الساعةِ، قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "يأتي على الناسِ زمانٌ، لا يبالي المرءُ ما أخذَ منهُ أمِنَ الحلالِ أمْ مِنَ الحرامِ".
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى والتْ اليهودَ والنصارى واتخذوهم أولياءَ وقربُوهم إليهِم، واللهُ -تعالى- يقولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
ماذا جرى لأُمتنا؟ صُنعتْ السجونُ للذينَ يسعونَ في الأرض فساداً، فأصبحتْ للذينَ يسعونَ في الأرض إصلاحاً.
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحتْ تُعينُ الظالمينَ على الصالحينَ!! لمَّا سُجنَ الإمامُ أحمدَ -رحمهُ اللهُ-، جاءهُ السجانُ فقالَ له: يا أبا عبدِ اللهِ أنا مِنْ أعوانِ الظلمةِ؟ فقالَ الإمامُ أحمدَ -رحمهُ اللهُ-: أعوانُ الظلمةِ الذي يُرجّلُ شعرَكَ، ويغسِلُ ثوبَكَ، ويَصلُحُ طعامَكَ، ويشتري ويأخذُ منكَ، أمَّا أنتَ فمنِ الظَلمةِ أنفسِهم.
ولمَّا سُجنَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميةٍ -رحمهُ اللهُ- في سجنِ القلعةِ بدمشقٍ، جاءهُ السجانُ يعتذرُ منهُ فقالَ لهُ: اغفرْ لي يا شيخُ فإنِّي عبدٌ مأمورٌ، فقالَ له شيخُ الإسلام: واللهِ لولاكَ ما ظلموا.
ماذا جرى لأمتنا؟ كانَ شِعارُها اللهُ أكبرُ، ولكنَّها استبدلتْ الذي هو أدنى بالذي هوَ خيرٌ، أصبحَ شِعارُها رذائلَ سَمَّوْهَا فنوناً عليها تنامُ وعليها تَفيقُ.
ماذا جرى لأُمتنا؟ ركنتْ إلى الدنيا، وكرهتْ الموتَ والآخرةَ، قالَ سُليمانُ بنُ عبدِ الملكِ لأبي حازمٍ: ما بالُنا نكرَهُ الموتَ؟ قالَ: "لأنَّكم عمَّرتم الدنيا وخربتمُ الآخرة، فإنَّكم تَكرهونَ أنْ تُنقلوا مِنَ العُمرانِ إلى الخراب".
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحتْ تُكَّرمُ الساقطينَ والسَّافلينَ، وتحتقرُ أهلَ السنةِ، ويقولونَ هؤلاء متشددونَ معقدونَ، قالَ سُفيانُ الثوريّ رحمهُ اللهُ: "استوصوا بأهلِ السُنةِ خيراً فإنّهم غُرباءُ".
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى عقَّ الرجلُ أمَّهُ وأطاعَ زوجتَه، وجفا أباهُ وقرَّبَ صديقَهُ، وهذهِ مِنْ علاماتِ الساعةِ كما أخبرَ النبيّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ماذا جرى لأُمتنا؟ حتى أصبحتْ قلوبُها قاسيةً كالحجارةِ، بلْ هيَ أشدّ قسوةً مِنَ الحجارةِ
خرج عمر بن عبد العزيز مع سليمانَ بنِ عبد الملك إلى الحجِّ فأصابهم أمطارٌ شديدةٌ ورعدٌ وبرقٌ، فقال سليمان: هل رأيتَ مثلَ هذا يا أبا حفص؟ وكان الخليفةُ عمرَ، فقال أميرُ المؤمنينَ: سبحانَ اللهِ هذا في حينِ رحمتِه فكيف بحينِ غضبهِ؟
واليوم ترى الشباب يسمعون تلك الأصوات التي توجل القلوب وهم يشغلون صوت الموسيقى والغناءِ ويتنقلون بالسيارة في تلك الأجواء!!
ترى الأسرة التي أمنت في بيوتها من وقوع الجدران عليها، نجدها تتابع القنوات الفاحشة خلال هذه الأجواء ولا يبالون بصوت الرعد، فهم أصحاب القلوب الميتة والقاسية الذين لا يتفكرون ويتدبرون في آيات الله، قال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105].
عِبادَ اللهِ: لماذا نلوم الحاكم؟ قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) أي: نجعل الظالم فوق الظالم، بماذا؟ (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام:129].
فإذا ظلمت الرعية سلطت عليها الرعاة، وإذا صلحت الرعية صلح الرعاة، وكذلك بالعكس: إذا صلح الراعي صلحت الرعية.
وفي الأثر: "كما تكونوا يولّى عليكم" يعني: أن الله يولّي على الناس على حسب حالهم.
فلا تلوموا الحاكم إذا رفع الأسعار وظلم الناس وسعى في الأرض فساداً، فأصلح نفسك حتى يتغير مجتمعك، وكما قال بعض الحكماء: طبّقْ شرعَ اللهِ على نفسِكَ يُقامُ في الأرض.
أقول ما تسمعونَ، وأستغفر اللهَ لي ولكم، فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّه هوَ التوابُ الرحيمُ.
الخُطبةُ الثانيةُ:
أما بعدُ: قول الله تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16-17]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : "أي: تقدمونها على أمر الآخرة، وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى؛ فإن الدنيا فانية والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبًا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!
عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال: "استقرأت ابن مسعود (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى: 1]، فلما بلغ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [الأعلى: 16]، ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة؟ فسكت القوم فقال: "آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل" (رواه أحمد).
قالَ عبدُ بنُ مسعودٍ: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى".
قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: "عجبتُ لِمنْ يؤثرُ الباقيةَ على الآخرةِ، كبائعِ البحرِ بساقيةٍ، والذي يُقدّم حُبّ الأمراض على العافيةِ".
حينما أيقنت أن الآخرة خير وأبقى.. هل أثرت تلك القناعة على سلوكياتك؟!
هل غيرت من اهتماماتك؟ هل أحدثت توازناً بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة؟!
بمعنى .. لو فاتتك تكبيرة الإحرام هل تحزن عليها كحزنك على فوات موعد الطائرة؟!
هل تحزن على ترك صلاة الفجر مع الجماعة كحزنك لو خسرت في مساهمة مالية؟!
هل تتضايق عند فوات ركعة من ركعات الصلاة كحزنك لو أصيبت سيارتك إصابة طفيفة؟!
الواقع يقول : لا ..إلا من رحم الله ..
قال يونس بن عبد الله: "ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها –أي: أحزن-، وتفوتني الصلاة فلا أجد لها".
وقال حاتم الأصم: "فاتتني مرة صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لَعَزَّانِي أكثر من عشرة آلاف نفس"؛ لأن مصيبة الدِّيْنِ عند الناس أهون من مصيبة الدنيا.
وحينما نذكر مثل هذه الآثار .. لا يذهب فهمك أننا نقول لك: طلق الدنيا ثلاثاً بلا رجعة ؟! كلا، ولكن التوازن والإنصاف بين الدنيا والآخرة، نريد أن نحزن على أنفسنا في تقصيرنا في طاعة الله كحزننا على أعمالنا ومرتباتنا الدنيوية؟!
الحزن الذي يدفع إلى المزيد من العمل .. والمزيد من الحرص.. والمزيد من الاجتهاد في الطاعة..
إن الميزان بين الدنيا والآخرة هو ما قاله الله تعالى في كتابه : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص : 77].
قال أهل التفسير: التمس فيما آتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة, بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا, ولا تترك حظك من الدنيا, بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف, وأحسن إلى الناس بالصدقة, كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة, ولا تلتمس ما حرَّم الله عليك من البغي على قومك, إن الله لا يحب المفسدين.
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي