المكر قديم، والتاريخ يسجل بين فترة وأخرى من خذلوا أمتهم وصفّوا أنفسهم في مصاف التغريبيين، ومن يزعمون التنور والانفتاح، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا،.. وإن طال بك زمن، ولم يؤخذ على أيدي سفهاء قومي فسوف تفاجئنا الأيام بما يشهد صدق النبي -صلى اله عليه وسلم-: "وإنما أخشى عليكم الأئمة المضلين"، سوف تشهد الساحة الإعلامية والقنوات الفضائية بكبُّار من القول، وضخم من الإضلال من أناس ينتسبون للعلم والفهم، وقد يكون لبعضهم لحى خالطها الشيب، ولهم من الألقاب العلمية ما الله أعلم بحقيقته!!...
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فالتحدث - يا عباد الله - بالنعمة، سبب لزيادتها, والأخذ على يد العابثين بها سبب لبقائها وقراراها.
أجل يا عباد الله، لا يعرف النعمة إلا ذو تبصر, ولما حوله ذو تأمل وتفكر, (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [النمل: 69]، (فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137]، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].
أيها الإخوة: نتذاكر في كلماتنا في هذه الجمعة، نتذاكر نعمة من نعم الله علينا ونعم الله علينا كثيرة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34]، فيا ترى أي نعمة هي موضوع حديثنا أهي نعمة الأمن أم هي نعمة الإيمان؟
الله أكبر نعمتان عظيمتان وإحداهما عون على الثانية, فبالإيمان يستتب الأمن، وبالأمن يسهل تحقيق الإيمان, ويتفرغ الناس لطاعة الرحمن, ومع ذلك لن نجعل حديثنا عن هاتين النعمتين, وإنما الحديث, عن نعمةٍ الإخلالُ بها سيعود ولا بد نقصاً بالإيمان, والإخلال بها سوف يهشم جدار الأمن وينقض فيه بل وينقب فيه نقباً كبيراً!
بعد هذه الأمور التقديمية لكي تعرف هذه النعمة التي أعنيها, إليك هذا الحوار المختصر جداً مختصر في عباراته ولكنه رسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذا الحوار لا أزعم أنني تفردت به ولا أزعم أنه وقع مرة ولا مرتين بل كثير, هذا الحوار أظنك أيها الموفق كنت يوماً أحد المتحاورَين فيه فاستمع.. استمع لتكون متعظاً بغيرك, وليس غيرك متعظاً بك.
أجل الحوار مع أحد إخواننا من الوافدين, قدم إلى هذه البلاد بلاد الحرمين, وقد كان القدوم مُنية قلبه, وتهيؤ فرصة العمل منتهى تطلعه, فما إن استقر به النوى, وآنس راحة في قدومه وتنفس الصعداء, حينما تحقق مطلبه, تطلعت نفسه إلى أن يشاركه أهله هذا الخير الذي هو فيه, ليكونوا قريبين منه يربيهم على عينه, ويكملوا دراستهم على مقربة منه, فمنَّ الله عليه, فأولاده وأخص من أولاده بناته وهن في مراحل دراسية متفاوتة هاهم عنده يرعاهم ويدرسون في مدارس لا يجد نظيرها في بلده ولا قريباً منها. - سبحان الله- نعم هذا كلامه!
أيُّ شيء في مدارس بناتنا ليس في مدارس بناتهم في بلادهم؟
جواب من غير إطالة إنه مطمئن على بناته آمن عليهن مهما طالت ساعات الدراسة وهذا أيها الأخ المستمع هذا بيت القصيد، وشاهدنا من الحديث كله, أتدري سبب طًمأنينته وأمنه إنها مدارس شرط الدراسة فيها التزام الحجاب, وقد منع فيها الاختلاط, أهذه نعمة؟! الجواب: إنا ألفنا النعمة حتى ذهب استشعارها من قلبك وغابت عن خاطرنا،ـ فهذا كلام من عرفها حينما فقدها وطلبها حينما في بلاده عدمها.
أيها الإخوة: إن الحجاب يعني أن بنتك قد حجبتها عن الناظرين إكراماً لها, ومنعت عنها أعين المتلصصين الذين عقولهم في أعينهم، وشهواتهم هي قائدهم حينها، فبنتك وبنتي في حجابها درة مصونة، وكذلك الدرر تُصان عن العابثين, هذا تميز بلادنا في تعليمها النسوي، فإن ضعفنا فيه أو مللناه أو تخلينا عنه, تخلياً جزئياً أو كلياً, فبلادنا وبلاد العالم كله سواء، وربما فاقونا بجودة تعليم أو حسن تنظيم, فمن يقدر هذه النعمة, من يقدرها حق قدرها, حتى نقبل نعمة الله علينا بهذا التفضيل إذ فضلنا بهذا على العالمين, إن من ركائز دولتنا -حفظها الله-، وإن من نظام حكمها الذي جعلها مثابة للناس ومهوى لأفئدتهم, هو وجوب الحجاب ومنع الاختلاط في كافة قطاعات الدولة, وفي التعليم من باب أولى.
بابان موصدان فويل لمن فتحهما ويل له, ويل له !!
ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه, - استمع - حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بقوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً". فكيف بالاختلاف بعد قرون تطاولت وبعدت عن قرون الصحابة, وتابعيهم بإحسان فأصبحوا يفتنون في كل عام مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أكثر, وتحل في ديارهم قارعة وزلزلة من الآراء المحدثة والمطالبات الشاذة فنخشى نخشى أن نغير فيغير الله علينا, لذا وجب علينا التواصي, وجب علينا التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ولا يزال الطرق على حجاب المرأة، وليّ أدلته, لا يزال حتى وهنت سواعد بعض الناس وفتّ في عضدهم؛ لعدم علمهم وعدم رجوعهم لمن أمرهم الله بالرجوع إليه (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 43].
أيها الموفق: قرأت كتاب الله وقرأت فيه قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور: 31]، وقرأت فيه: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59]، فكيف الضرب بالخمار، وما معنى الإدناء في الحجاب؟
أما الذين يريدون المعنى الصحيح الذي يسعى إليه الشرع ويقتضيه العقل والفِطَر السليمة فقد فهموه على وجهه الصحيح.
قالت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-: "لما نزلت هذه الآية, تعنى آية الحجاب خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها".
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أمر الله –تعالى- نساء المؤمنين إذا خرجن من بيتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب, ويبدين عيناً واحدة".
وقال محمد بن سيرين: "سألت عَبيدة السلماني عن قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59]، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى".
هكذا فسر السلف الإدناء بأنها تدني جلبابها حتى تغطي وجهها كله، ثم تبرز عيناً واحدة. لأجل المشي، ولنا في تفسير السلف وفي تفسير كلام الله -عز وجل- لنا في ذلك أسوة حسنة, هذا هو الإدناء.
فما معنى الضرب, (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور: 31]؟
معاشر الإخوة: إن الخمار يكون من الرأس من الأعلى هذا هو الخمار يكون من الرأس من الأعلى, والضرب به إنما يكون هكذا! يجذب من فوق, أترى..!؟
هذا هو الضرب بالخمار, فالخمار ضرب من أعلى, وتفسيره بغير ذلك ليس موافقا لهدي السلف، وبهذا تعرف أن من قال: إن الضرب بالحجاب يكون هكذا! على الجانبين، فهذا -وفقك الله- ليس ضرباً، وإنما إدارة أو هو لفّ على الرأس، وليس ضرباً كما ذكره الله –تعالى- في الآية الكريمة.
أقوال العلماء الربانين: في تفسير الآيات والأحاديث التفسير الصحيح كثيرة موجودة ليس فيها خفاء، اقرأها واقرأها مع بناتك لتكن على بصيرة، ويعرف المغالط من ضده، ويعرف أصحاب المقالات والقنوات!! ومن عجيب التلاعب بالنصوص وتحكم الهوى في النفوس أن يزعم أن الحجاب بستر الوجه إنما هو خاص بأمهات المؤمنين!!
من هن؟ عائشة وحفصة وأم سلمة وغيرهن، يحتجبن عن عثمان وسعد وأبي هريرة -رضي الله عن الجميع-، وأما غيرهن فلا حرج أن تبدوا للأجانب ليراها البر والفاجر ثم يزعم أن هذا قول لبعض العلماء، والمسألة خلافية!
يأبى الله إلا أن يجعل في كل زمن من وصفهم علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- بأنهم أتباع كل ناعق، همج رعاع، يميلون مع كل ريح مرسلة، لا يهتدون بنور العلم، ولا يلجئون إلى ركن وثيق.
نعم -وفقك الله- الخلاف موجود، وهل يعي من نقل الخلاف أنه وقع رد وجواب لهذا الخلاف، حتى أصبح قول من أجاز كشف وجه المرأة عند الأجانب منها كان قولاً مخالفاً وليس خلافاً، كيف وقد نقل علماء أجلاء من قرون خلت وسطروها في كتبهم نقلوا الإجماع على وجوب ستر الوجه، وإنما من قال خلاف ذلك إما أنه لا يصح عنه، أو كلامه في قضية خاصة اجتزأ منه ما أفسد المقصود وغيّر مراده!
وتوضيح ذلك وشرحه أيضاً موجود إن كنت طالباً له وجدته.
قال الشيخ السعدي رحمه الله قال: "فنزلت آيات الحجاب فاحتجب نساء الصحابة والتابعين وتابعيهم واستمر على ذلك عمل قرون مفضلة، فكان كالإجماع عندهم حتى شذ بعض الفقهاء – أسمعت - حتى شذ بعض الفقهاء فقال بعدم وجوبه، فنما هذا الأمر حتى عد هذا القول الباطل خلافاً في هذا الزمان. قال: والعجب أن العلماء من... وسمى بلداً لا أسميه، سمى بلدًا دخل عليه التغريب مبكراً العجب أنَّ من العلماء من نصر هذا القول نصراً عظيماً مع أنه مخالف لصريح القرآن، ولا نقول هذا قدحاً بهم، ولكن نبين أنَّ هذا قول باطل، وإنما دخل عليهم هذا من التعشق لحال الفرنج وتسميتهم تلك العوائد تمدناً " انتهى كلامه رحمه الله. فارجع إليه في حاشيته على عمدة الأحكام.
وفقنا الله وإياكم لكل خير ورزقنا البصيرة في دينه وأمره. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد: فبقي أن تعرف - وأظنك عارفاً إن شاء الله- أنَّ خروج المرأة في قنوات بضاعتها الرذيلة، وتواتر غشها في برامج يقل في حقها أن توصف بأنها سيئة فهي فوق ذلك.
خروج المرأة في تلك القنوات لا يجوز نسبة جوازه إلى أحد من العلماء في القديم والحديث، ولو خرج أحد ممن ينسب إليه هذا القول لبرئ إلى الله من صنيعهم.
إذن ما بقي لهذا الفتنة التي أشغلوا الناس فيها إلا قوله تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
والمكر قديم والتاريخ يسجل بين فترة وأخرى من خذلوا أمتهم وصفّوا أنفسهم في مصاف التغريبيين، ومن يزعمون التنور والانفتاح، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، نعوذ من الخذلان، وحرمان التوفيق.
وإن طال بك زمن، ولم يؤخذ على أيدي سفهاء قومي فسوف تفاجئنا الأيام بما يشهد صدق النبي -صلى اله عليه وسلم-: "وإنما أخشى عليكم الأئمة المضلين"، سوف تشهد الساحة الإعلامية والقنوات الفضائية بكبُّار من القول، وضخم من الإضلال من أناس ينتسبون للعلم والفهم، وقد يكون لبعضهم لحى خالطها الشيب، ولهم من الألقاب العلمية ما الله أعلم بحقيقته!!
ولكنَّ سنة الله (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال: 37]، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42].
فاثبتوا عباد الله، ولنعد لبيوتنا مؤكدين أسباب الطهر والعفاف، متخولين بالموعظة من يتساهل من محارمنا في حجابها، منكرين أن ينحى بالحجاب الشرعي منحى الفتنة بضيقه أو تفصيله.
مدركين أن ما تتابع فيه بناتنا مما سمينه بنقاب أنه ليس من الشرع في شيء، والنقاب الشرعي هو ستر للوجه ونقب لعين واحدة، أو للثنتين بمقدار ما تحتاجه في رؤيتها، فما أبعد القاصي من الداني، والله المستعان!
فشكر الله من سعى في تحقيق الأمن والإيمان والعفاف من مربين ومربيات أدركن واجبهن وثقل الأمانة التي عليهن، ثم نخص بالشكر مديرات بعض المدارس ومدرسات فيها اللاتي صار همهن المحافظة على بناتنا ومتابعتهن بالحجاب الصحيح لينشأن عليه في زمن هذه الأمواج العاتية.
فبقي دورك أيها الولي: حزمًا في الحجاب مع الكبيرات ممن تحت يدك، وتشجيعاً وترغيباً للصغيرات؛ علَّ الله أن يحفظ علينا أمننا ويتم علينا إيماننا، ويقينا شرور المفسدين، وعبث العابثين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي