إن الاتهام وإحسان الظن إنما يحددهما مسار الإنسان وهديه، فالذي يتردد بين قناة وأخرى ليثبت فضيلةً ما كأهمية الستر في حياة المرأة المسلمة، أو وجوب صلاة الجماعة، أو تحريم الاختلاط المقنن ليس كمن يقفز من قناة إلى قناة ليؤكد على نقيصة أو رذيلة ربما؛ كإباحة كشف المرأة لوجهها مع وضع الزينة، هكذا يقولون تكشف وجهها وتضع الزينة كله مباح، وكإباحة الاختلاط بين الرجال والنساء، وبعدم وجوب صلاة الجماعة، وإباحة الموسيقى، وهو من خلال كلامه كله يظهر بجانب المذيعة المتبرجة المتزينة ينظر إليها ويبادلها الابتسامة بلا حرج...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].
أيها الإخوة: سؤال لو ورد على أيّ إنسان عاقل لما اختلفت إجابته عن إجابة العقلاء، ولكان الرد واحدًا في كل حال، لو أن طبيبًا حكم على حالتك المرضية، ووصف لك دواء ما وأنت لا تعرف الطب لا مداخله ولا مخارجه ولا تفاصيله ولا دقائقه، ثم استشرت عددًا من الأطباء الحاذقين ذوي الخبرة فوصفوا لك قولاً واحدا دواءً مخالفًا لدواء الطبيب الأول ستأخذ برأي من؟! رأي الطبيب الأول أم رأي أولئك الأطباء الآخرين؟! أم ستنظر في نوع الوصفة ذاتها وتحدد؟!
إن إجابة العاقل معروفة رأي الأطباء الحاذقين أولى طبعا، وهم أعلم وهم الأكثر على رأي واحد أليس كذلك!
طيب، هذا في المسائل الدنيوية، العقل دائمًا يثق في قول الأعلم ورأي الأكثرية، فإذا جئنا إلى ما هو أعظم من هذا بكثير، السؤال في قضايا الشرع الحلال والحرام، وأنت لست عالمًا ولا طالب علم نجد تساهلاً عجيبًا ومنطقًا مريبًا نجد إهمالاً لحكم الأوثق والأعلم والأكثر عددًا، ونجد النظرة في الفتوى ذاتها لا العالم والتثبت في قول الفرد الواحد السهل الأقرب إلى النفس والهوى، ولو كان الفرد نكرة ضعيف العلم. أو لقول الأفراد قليلي العدد الأقل علمًا وعملا وترك الأعلم والأكثر عددا. هل يا ترى هذا الاختيار يُقصد به تحري الحق؟ أم هو البحث عما يتفق مع الهوى؟
معاشر الإخوة: قبل فترة وحتى هذه الأيام تُشن على الحجاب وغيره من شرائع الدين والعقيدة وأحكامها حملة مسعورة غير مسبوقة؛ يتم هذا على حين فترة من العلماء وتراخي من المحتسبين وأصحاب الشأن، إلا من رحم ربك.
والمريب في هذه الحملة أن قادتها ليسوا ليبراليين ولا علمانيين ولا ملحدين قادتها شخصيات منسوبة للدين شخصيات محسوبة على الشرع في الجملة حسب ادعائهم وادعاء أحبابهم الليبراليين على الأقل.
وفي وسط هذه الحرب التي سخرت لها المكينة الإعلامية الليبرالية كل ما تملكه من زخم ودعم سياسيين إقليمين ودوليين؛ أن لا نغفل عن مراعاة بعض الأمور المهمة:
الأول: ينبغي ألا أن يؤخذ الأمر بسذاجة وسطحية؛ على أنها خلافات فقهية وأقوال لعلماء ينبغي أن تتسع لها الصدور، فإن هذا تبسيط للقضية وسذاجة متناهية وسطحية لا تقرأ ما بين السطور.
هذا إن أحسنا الظن بقائله، وإلا فإنه قد سبق وقرر علماء معتبرون لهم مكانتهم في الأمة ولهم وزنهم الكبير قرروا حكم الحجاب، وصفة الحجاب، وصنفوا في ذلك الكتب والرسائل، وكان الجدال معهم في حدود الخلاف الفقهي وآدابه مع احتفاظ الكل بالود والاحترام واتساع الصدر والتماس العذر، ولكن أولئك الأقدمون كان دافعهم الخير ورائدهم الحق يبحثون عن الحق بكل تجرد، وديدنهم الورع والتقى والخوف من الله.
أما رواد الخلاف اليوم فشيء آخر إنما هم في الغالب متسلقون على العلم الشرعي حظهم منه ضحل يتجاهلون المحكمات، ويغلون في المتشابهات ابتغاء الفتنة، فيأتي أحدهم مثلا بحديث أبي السنابل مع سبيعة بنت الحارث، فقد ورد في صحيح مسلم أنه كانت تحت سعد بن خولة وكان ممن شهد بدر فتوفي في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجمّلت للخُطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار أي: يريد خطبتها- فقال لها: ما لي أراك تجملت للخُطاب ترجين النكاح، فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، يعني كما في قوله تعالى: (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: 4] وأمرني بالتزوج إن بد لي.
فيأتي بهذا الحديث ويقول: ها هو لو كان حجاب المرأة واجبًا لأنكر عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأقول أيها الإخوة: إن من هدي العلم الراسخين فيه الباحثين عن الحق أنهم إذا صادفوا أثرًا فيه شبهة تعارض مع هو معلوم في حكم المسألة؛ فإنهم لا يأخذون بالمتشابه على ظاهره ويبنون عليه الحكم، لا ، هذا عمل الذين في قلوبهم زيغ كما في قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)[آل عمران: 7]، وإنما ينظرون في كافة النصوص الشرعية في المسألة ذاتها ثم يردون المتشابه إلى المحكم، فإن من صفات المتشابه أنه لا يستقل بنفسه، ولكنه يحتاج إلى بيان برده إلى غيره كمثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)[الزمر: 53]، هذه الآية متشابهة في ذاتها، وتحتاج إلى مزيد بيان لأنها تحتمل معنيين:
الأول: غفران الذنوب جميعا بلا قيد ولو لم يتب من تلك الذنوب حتى لو كانت شركا أكبر (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).
الثاني: غفران الذنوب جميعا لمن تاب، أيْ بقيد التوبة أو عدم الشرك.
فماذا يصنع العالم الحق؟ ينظر في بقية النصوص فيرد الآية المتشابهة إلى المحكمة، والمحكمة هي قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء:48]، والآية (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82].
إذاً فالمقصوم من الآية السابقة (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أي: لو تاب العبد منها وبالطبع لم يكن مشركًا ولذلك تلتها الآية التالية: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزمر:54].
فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)[النساء: 43]، وقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)[البقرة: 219]، هاتان الآيتان من المتشبهات في ذاتها؛ لأننا نعرف أن الخمر حُرمت، فإذا جئنا بالآية المحكمة التي نزلت من بعد فنسخته فزال الإشكال وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90].
فالذين في قلوبهم زيغ وهوى يقفون عن الآية الأولى، ويبنون عليها إباحتهم للخمر، أما الراسخون في العلم فإنهم يحملونها على المحكم ويفسّرون سبب ورودها إظهارًا للحق وكذلك أمانة العلماء.
إن الأمر دين، ولذلك نعلم أن من ترك الآيات والأحاديث التي تدل على تحريم كشف الوجه، وهي أدلة كثيرة، ثم تركها كلها، واختار حديث أبي السنابل، وأمثالها لكي يثبت حكم الإباحة؛ فإن هذا منه زيغ.
أما أن يأتي بجميع ويحشدها جميعًا ويرد عليها جميعًا، ثم بعد ذلك يخرج بهذا الحكم فلا بأس، ولا ينتقي الأحاديث التي تثبت حجته هذا هو الزيغ، العلماء الراشدون يحملون أمثال هذا الحديث على أنه إما كان قبل نزول آية الحجاب، أو أن الوضاءة المقصودة في غير الوجه كالقد والشكل العام، أو أنها أي تلك المرأة من القواعد، أو في حال حديث أبي السنابل هذا الذي حصل بعد نزول آية الحجاب على أنه -صلى الله عليه وسلم- سكت؛ لأن الشرع يبيح نظر الخاطب الذي يريد المرأة للزواج بها، وهو استثناء شرع من أجل مصلحة الوئام في حال العزم على الزواج، كما في سنن النسائي بسند صحيح عن المغيرة بن شعبة قال: "خطبت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنظرت إليها؟" قلت: لا، فقال: "اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا".
معاشر الكرام: عندما نمعن النظر في قول الله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)[النساء: 127]، ندرك عظم قدر الفتوى، وأن المفتي كأنه ينوب عن الله -تعالى- في هذا الأمر، ولذلك ألّف الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين": فالمفتي في الحقيقة يوقّع عن رب العالمين، فليس أمر الفتيا بالشيء اليسير، وهكذا كان هدي الصحابة -رضي الله عنهم- فهم لم يكونوا كأمثال المتساهلين المجترئين على الفتي والمتقحمين فيها فضلاً عن الباحثين عن المتشابهات من أجل تمرير أهوائهم على عامة الناس الغافلين، حاشاهم.
قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى"، قال ابن أبي ليلة: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول"، وفي رواية: "ما منهم من يحدث بحديث إلا ودَّ أن أخاه كفاه إياه، ولا يُستفتى عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا".
وقال الإمام الشافعي: "ما رأيت أحدًا جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة، وأسكت عن الفتيا منه"، وقال إسحاق بن راهويه: قال ابن عيينة: "أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها"، وقال عطاء بن السائب: "أدركت أقوامًا كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم، وإنه ليرعد". وقال الأشعث: "كان محمد إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان".
هكذا كان حال السلف الصالح، هكذا كان حالهم مع الفتيا لا كحال المغيرين ولا كحال أهل الزيغ الباحثين عما يحقق أهوائهم، فإن حديثنا اليوم -أيها الإخوة- ليس في مسألة إباحة كشف وجه المرأة أو عدم إباحته، وإنما حديثنا عن طريقة الوصول إلى ذلك الحكم، والفرق بين أهل الزيغ وأهل الحق في الوصول إلى حكم المسألة.
ولذلك فإن الاتهام وإحسان الظن إنما يحددهما مسار الإنسان وهديه، فالذي يتردد بين قناة وأخرى ليثبت فضيلة ما كأهمية الستر في حياة المرأة المسلمة، أو وجوب صلاة الجماعة، أو تحريم الاختلاط المقنن ليس كمن يقفز من قناة إلى قناة ليؤكد على نقيصة أو رذيلة ربما كإباحة كشف المرأة لوجهها مع وضع الزينة، هكذا يقولون تكشف وجهها وتضع الزينة كله مباح.
وكإباحة الاختلاط بين الرجال والنساء كمقنن، وبعدم وجوب صلاة الجماعة، وإباحة الموسيقى وهو من خلال كلامه كله يظهر بجانب المذيعة المتبرجة المتزينة ينظر إليها ويبادلها الابتسامة بلا حرج، فالأول الذي يدعو إلى الفضيلة يحسن به الظن حتى لو بدرت منه بعض الأخطاء في طريقه فإننا نلتمس له العذر.
أما الثاني من الغفلة البلهاء أن يحسن به الظن، ولذلك حتى في زمن الصحابة كان ابن عمر -رضي الله عنه-: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن" .
أيها الإخوة: أعود وأقول: إن هذا الأمر دين فلينظر أحدنا ممن يأخذ دينه في مثل هذه المسائل، ومن مسائل الربا وغيرها.
كُلُّ الذُّنُوبِ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهَا *** إِنْ شَيَّعَ الْمَرْءَ إِخْلاصٌ وَإِيمَانُ
وَكُلُّ كَسْرٍ فَإِنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ *** وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ
إن الذي يترك الحق ويأخذ بالباطل لهوى في نفسه خسران، وإذا اتبع الأقوال الشاذة وجعل أصحابه قادة له في الفتيا صدق فيه قول الشاعر:
كبهيمة عمياء قاد زمامها *** أعمى على عوج الطريق الجائر
قال تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران:7].
قال الإمام البغوي في تفسيره: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميلا عن الحق، وقيل "شك" فيتبعون ما تمايل منه، ولذلك قال ربنا بعدها: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].
وها نحن نردد هذا الدعاء الرباني: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح قلوبنا وأصلح أعمالنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي