هل سنحتفل بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

ناصر العلي الغامدي
عناصر الخطبة
  1. لماذا لا نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم؟ .
  2. خلاف العلماء في تحديد تاريخ ولادته ووفاته صلى الله عليه وسلم.
  3. بعض المخالفات الشرعية المصاحبة للاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم .
  4. علامات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  5. الرد على شبهات دعاة الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- .

اقتباس

عباد الله: هناك من يقول: دعونا نحتفل بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا معازفَ، ولا رقصَ، ولا بردةَ؛ دعونا نفرح بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، نعم لصوم كلِّ اثنينٍ بقدْر الوُسْع اقتداءً بصاحب المولد صلى الله عليه وسلم دعونا في الثاني عشر من ربيع الأول نقرأ كتبَ السيرة والشمائل المحمدية. هنا لربما يسبح عقلُ المسلم في تفكيرٍ عميقٍ، ويتساءل: يا ترى هل سأقتصر على قراءة كتب السِّيَر والشمائل المحمدية في هذا اليوم السنوي فقط؟! وإذا كنَّا -نحن المسلمين- ننكر على الغرب بدعة عيدِ...

الخطبة الأولى:

وُلِد الهُدى فالكائنات ضياءُ * وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وسناءُ

يا خيرَ من جاء الوجودَ تحيةً * من مُرْسَلِين إلى الهدى بك جاؤوا

يومٌ يَتِيهُ على الزمان صباحُهُ * ومساؤه بِمُحمَّدٍ وضَّاءُ

غدًا هو اليوم الثاني عشرَ من شهر ربيعٍ الأول، فهل سيحتفل المسلمون بمولد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ؟.

لعل مسلمًا يسائل نفسه: لماذا لا أحتفل بالمولد؟ أيعقل أن كل المحتفلين به على خطأ، وأنا على الصواب؟!

لماذا لا نعلن حُبَّنا للرسول -صلى الله عليه وسلم- مثلهم؟! ونثبت لهم أننا نحبه كما يحبونه -صلى الله عليه وسلم-.

دعونا نحتفل! فقد يكون الحقُّ والصواب مع المحتفلين؟.

دعونا نحتفل بالمولد؛ دون أن نرتكب فجورًا ولا نغشى زُوْرًا.

فلنبدأ احتفالنا فيه بقراءة كتب السيرة النبوية، والشمائل المحمدية صلى الله عليه وسلم.

ولن نتغنَّى بقصيدة البُرْدَة للبُوْصِيْري -كما يجري في بعض الموالد- ففيها ما يناقض العقيدةَ والتوحيد -والعياذ بالله-.

حسنًا -يا مسلمون-: لو بدأنا بقراءة كتابٍ متميِّزٍ في السيرة ككتاب: "الرحيق المختوم" أو نحوه؛ سنتفاجأ أنه كُتِب في بداياته العبارةُ التالية: "ولد سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- بشِعْبِ بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول".

عجيب! المشهور المعروف عند الناس أنه وُلِد صلى الله عليه وسلم في يوم الثاني عشر من ربيع الأول؟!

دعونا نتأكَّد من صحة هذه المعلومة، فقد تكون مغلوطةً، لو فتَّشنا في أمَّهات كتب السيرة كسيرة الإمام ابن كثير الشافعي -رحمهما الله-، فسنجد أنها تذكر اختلافاتٍ شتى في تاريخ مولده: أكانت ولادته صباحًا أم مساءً؟ أكانت في ربيعٍ الأولِ أم ربيعٍ الآخر أم في صفر أم في رمضان؟ بكلٍّ قيل، بل اختلفوا في تحديد عام ولادته؟.

يا سبحان الله! اختلف علماء السير والتاريخ في تحديد سنة ولادته، وشهر ميلاده، ويوم مولده، وساعة مولده؛ فمتى إذن سنحتفل؟ وقد تاه تحديد تاريخ المولد؟!.

  

إنَّنا نعلم -يا عباد الله-: أن عمر -رضي الله عنه- أرَّخ بهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-  بإقرارٍ من الصحابة، ولم يؤرِّخْ بمولده-صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الصحابة -رضي الله عنه- لم يكونوا يعلمون جزماً يوم ولادته، بل لم يكونوا يرون أنّ ضبط تاريخ مولده -صلى الله عليه وسلم-  له أهميةٌ يترتَّب عليها حكمٌ شرعي. لذلك أجمعوا أمرهم أن يؤرخوا بهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ لأهمية الحدث، ولم يؤرِّخوا بميلاده -صلى الله عليه وسلم- كما أرَّخت النصارى بميلاد المسيح -عليه السلام-.

فالصدمة التي ستواجهنا إذا أردنا أن نحتفل: أنه لا يوجد سَنَدٌ تاريخيٌّ يؤيد تحديد المولد بالثاني عشر من ربيعٍ الأول؟!.

أيها الإخوة المسلمون: لِنَتجاوزْ هذه الصدمة، ولْنُواصِلْ القراءةَ والبحثَ والاحتفال.

إنَّ كتب السير والتاريخ بل وكتبَ الحديثِ الشريف أجمعت على أن ولادته صلى الله عليه وسلم  كانت يوم الاثنين.

وكان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-  يصومه شكراً لله؛ ولمَّا سئل عن ذلك؟ قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ"[رواه مسلم].

ولن نجد في دواوين السنة جميعِها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرَّى صيامَ الثاني عشرَ من ربيعٍ الأول، بل كان يصوم كلَّ اثنين بمناسبة ولادته وبعثته فيه.

لكنَّنا وجدنا كثيرًا من المحتفلين بالمولد! قد لا يحرصون على صوم يوم الاثنين من كلِّ أسبوع! وإنما يحتفلون بمولده في يومٍ واحدٍ من السنة.

أليس هذا قلباً للحقائق؟! (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 61].

إن صاحب المولد -صلى الله عليه وسلم- لم يُضِفْ إلى الصيامِ احتفالاً؛ كاحتفال أرباب الموالد من تجمعاتٍ ومدائحَ وذبائحَ، وحلوى وحُمُّصٍ، وأذكارٍ وصلواتٍ عليه، صلى الله عليه وسلم، بألفاظٍ غريبةٍ محدثة.

أفلا يكفي الأمةَ ما كفى نبيَّها -صلى الله عليه وسلم-، ألسنا نحبُّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].

ومن عجيب ما يحصل في بعض الأماكنِ والبلدانِ إقامةُ حفلاتٍ غنائيةٍ، أو إنشاديةٍ؛ تصحبها دفوفٌ ومعازفُ موسيقيةٌ.

يا سبحان الله! أليس المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ"[رواه البخاري تعليقًا ووصله غيرُه، وصحَّحه الإمام ابن حجر].

لقد رأيناهم يتراقصون ويتمايلون ويتواثبون، رجالًا ونساءً؛ أيعقل هذا؟! أيرضى أحدُهم أن يراه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-  بهذه الحال؟!

يا راقصًا أو زاحِفًا لتَعَبّدٍ ** ما كان هذا من صنيعِ محمَّدِ

ما كان يرْقُصُ بالدُّفوف عبادةً ** أو كان يَزْحَف للقُبورِ بِمسْجدِ

عباد الله: هناك من يقول: دعونا نحتفل بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا معازفَ، ولا رقصَ، ولا بردةَ. دعونا نفرح بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، نعم لصوم كلِّ اثنينٍ بقدْر الوُسْع اقتداءً بصاحب المولد صلى الله عليه وسلم.

دعونا في الثاني عشر من ربيع الأول نقرأ كتبَ السيرة والشمائل المحمدية.

هنا لربما يسبح عقلُ المسلم في تفكيرٍ عميقٍ، ويتساءل:

يا ترى هل سأقتصر على قراءة كتب السِّيَر والشمائل المحمدية في هذا اليوم السنوي فقط؟!

وإذا كنَّا -نحن المسلمين- ننكر على الغرب بدعة عيدِ الأم، أو يومِ الأم؛ لأن الأم في قلوبنا في كلِّ لحظةٍ، ونُجِلُّها ونُحِبُّها في كل وقتٍ، فلماذا نصنع لها عيدًا؟! فرسول الله -صلى الله عليه وسلم-  أولى؛ قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[الأحزاب: 6].

وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[متفق عليه].

فأيُّ معنىً لتخصيص يومٍ واحدٍ في السنة نتذكر فيه رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ألسنا نحبه ونذكره ونعظمه كلَّ يوم؟!

هل نسيناه حتى نتذكَّرَه؟! هل هذه الطريقة فيها توقير للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أم أنها إجحاف بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

هل أصبحت محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-  يوماً في السنة؟! وهو القائل: "البخيلُ مَنْ ذُكِرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ"[رواه النسائي وهو صحيح]

فبالله عليكم! أيُّ بُخْلٍ تصفون به من يقول نخصِّصُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا واحدًا أو يومينِ أو ثلاثةً أو عشرةً أو عددًا محدودًا في السنة نحتفل به صلى الله عليه وسلم، ونقرأ سيرته، ونصلي عليه صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا بُخلاً وإجحافًا في حقِّ نبينا الهادي -صلى الله عليه وسلم-؟!.

أيها الإخوة المسلمون: لو واصلنا القراءة في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حتى اللحظاتِ الأخيرةِ الحَرِجةِ في حياته صلى الله عليه وسلم، التي أظلم فيها كلُّ شيءٍ ساعةَ وفاته صلى الله عليه وسلم.

لقد فاضتْ روحُه الشريفة صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى في الثاني عشر من ربيع الأول، في السنة الحاديةَ عشْرةَ للهجرة.

وهنا لم تختلف كتبُ السِّير في تحديد يومِ وفاته كما اختلفت في تحديد يوم ولادته.

يا سبحان الله! لو قارنَّا بين مناسبة الوفاة المجزوم بها مع مناسبة الولادة المظنون بها في شهر واحد وفي يوم واحد؛ فإنَّنا سنتعجَّب! كيف للمسلمين أن يحتفلوا بمولد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في يوم وفاته صلى الله عليه وسلم؟!

يا إخواني: الأحزانُ غَلَّابةٌ على الأفراح كما يقولون، فلو قُدِّر وفاةُ والد أحد الزوجين في ليلة عرسهما، لعُدَّ احتفالُهم تلك الليلة ضربًا من الجنون. ولو مات ولدُك يومَ العيد، لانقلب فرحُ العيد حُزْنًا ومأتمًا وعزاءً.

إن أعداء المسلمين سيضحكون علينا:

فإن نحن ابتهجنا وفَرِحْنَا بولادته صلى الله عليه وسلم، قالوا: انظروا إلى المسلمين إنهم يفرحون بوفاة نبيهم!.

وإن نحن حَزِنَّا وصَنَعْنا مأتماً لوفاته صلى الله عليه وسلم، قالوا: انظروا إلى المسلمين إنهم يحزنون لولادة نبيهم!.

فماذا نفعل؟

الأمر يسير، إننا لسنا بحاجة إلى احتفاء أو عزاء، إنما ائتساء واقتداء.

إن احتفالنا الحقيقي هو: أن نسير على خطى الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وأن نحيي سنته، وأن ندافع عنها، وأن نُحِبَّه ونُحبَّ آلَ بيته الطيبين الطاهرين، وصحابَتِه الغرِّ الميامين.

ينبغي أن نذكر النبيَ -صلى الله عليه وسلم- في صلاتنا، وإذا سمعنا الأذان، وإذا دخلنا المسجد، ونذكره في أوقات كثيرة، بل ينبغي أن نعبِّر عن حبِّنا له واحتفالنا به بتطبيق سنته -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ حينٍ وآنٍ، وفي كلِّ حالٍ ومكانٍ؛ امتثالًا لقول الحقِّ -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:

أيها الأخُ المسلمُ المحبُّ لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-: إنك قد تصادف في حياتك أناساً إذا علموا أنك من السعودية صَنَّفُوك بأنك وهَّابي!.

ومعنى وهَّابي عندهم: أنك لا تحب رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، -والعياذ بالله-.

فإذا سألته: لماذا؟

قال لك: لأنكم لا تقيمون مولداً لحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-  بخلاف العالم الإسلامي!!

فقل له: لا والله، إننا ما امتنعنا عن الاحتفال بمولده إلا لأننا نحبه، ونتبع سنته وهديه-صلى الله عليه وسلم-.

ويسألونك عن آية حبك للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟

فقل: هي الاتباع وترك الابتداع، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 31-32].

لو قالنا بهذا الجوابِ ألا نسْلَمُ من البدعة والضلالة، ولا نأثمُ بترك حضور المولد؟! بلى والله.

لكن أسألك أنت يا من تحضر المولد: لماذا تحتفل بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟

سيقول لك: لأني أحبُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-

فقل له: هل الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم-  طاعةٌ أو معصيةٌ؟

"قطعاً، لن يقول: هو معصيةٌ؛ إذ كيف يُحتفل بمعصية".

سيقول: إنها طاعةٌ وقربى.

قل له: هل عَلِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم-  هذه الطاعةَ أو جهلها؟

"هنا لا يستطيع أن يقول: جهلها؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-  قال عن نفسه: "إنَّ أتقاكم وأعلمَكم بالله أنا"[رواه البخاري].

إذن سيقول: عَلِمَها ما خفيت عليه.

قل له: هل بلَّغها لأمته أو كتمها؟

"هنا يدخل في مأزِقٍ، إن قال: كتمها، فقد كفر -والعياذ بالله-؛ لأنه صادم قولَ الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة: 67].

وإن قال: بلَّغَها.

فيكون السؤال الأخيرُ له:

هاتِ الحديثَ الذي حثَّنا فيه على الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وسنكون نحن أولَ المحتفلين به؛ لأننا نحبُّ اتباع سنته -صلى الله عليه وسلم-.

ولكنه لن يجد حديثاً صريحاً من قوله أو فعله أو تقريره على مشروعية الاحتفال، بل ثبت في الحديث الصريح الصحيح قولُه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ" أي: باطلٌ مردودٌ[رواه الشيخان].

وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"[متفق عليه].

لقد قرَّر العلماء: أن العبادات توقيفية، أي لا نعبد الله ولا نتقرب إليه إلا بما شرع لا بالبدع؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به"[رواه الطبراني وصححه الألباني].

عباد الله: نسمع أحيانًا من أرباب الموالد قولَهم: إن المولد بدعة حسنة.

لكنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يُردِّد ويفتتح خطبَه بقوله: "إنَّ أَصَدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ"[رواه النسائي وغيره].

قال: "كل بدعة ضلالة".

وقال الإمام مالك - رحمه الله - إمام دار الهجرة وعالم المدينة: "من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم-  خان الرسالة".

هذا شيء خطير جداً، ما الدليل على ذلك يا إمام؟ قال الإمام مالك: "اقرؤوا إن شئتم قول الله - تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].

فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليومَ ديناً".

هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب، لكننا عن أقوال الأئمة الذين نزعم أننا نقتدي بهم غافلون.

المسلم إذا تذكَّر كلَّ هذه المعاني فإنه يخاف الله -تعالى-، يخاف أن يكون مبتدعًا، يخاف أن ينطبق فيه قولُ الله –تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف: 103-104].

وصدق ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كم مِنْ مُريْدٍ للخير لا يصيبه!!".

الخلاصة -يا عباد الله-: أن المولدَ النبويَّ لم يفعله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابةُ أجمعون، ولا أهلُ القرونِ الثلاثةِ المفضَّلون، ولا الأئمةُ الأربعةُ المتبوعون، أفَمِنَ الخيرِ أن يفعلَه المتأخرون. لا والله، لو كان خيرًا لسبقونا إليه.

وكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَف *** وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَف

اللهم إنا نُشهدك يا الله بأننا نحب عبدَك ونبيَّك سيدَنا وحبيبنا وإمامنا وقائدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم ارزقنا بمحبتنا له شفاعةً تنجينا بها من عذاب أليم، وتُدخِلُنا بها جنتك يا ربَّ العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي