ولقد يسرنا القرآن للذكر

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. فضائل القرآن العظيم .
  2. من خصائص هذا القرآن الكريم .
  3. تيسير حفظ القرآن وتلاوته والعمل به .
  4. لمن يسر الله القرآن الكريم؟ .
  5. التحذير من هجر القرآن الكريم. .

اقتباس

إن الواجب علينا أمة القرآن أن نعرف لها الكتاب العظيم حقه، وأن نعرف له مكانته وشأنه؛ فإن الله -عز وجل- يسَّره لنا حفظًا وتلاوةً وفهمًا وعملا؛ فعلينا -عباد الله- أن نقبِل على هذا الكتاب العظيم، قال بعض السلف في معنى قول الله -تبارك وتعالى- (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ): «فهل من طالبِ علم فيُعان على ذلك»، وكذلك -عباد الله- من طالب عبادةٍ وعملٍ وهدايةٍ وفلاحٍ وسعادةٍ في الدنيا والآخرة فإن ذلك كله في هذا القرآن العظيم. بل إننا نستطيع -عباد الله- أن نقول قولًا كليًّا جامعًا بأنه لا هداية للعباد ولا سعادة لهم ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا بالاهتداء بهدايات هذا القرآن والعمل بهذا الكتاب العظيم...

الخطبة الأولى:

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه، وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ من أجلِّ النعم وأعظم المنن التي منَّ الله -سبحانه وتعالى- بها على أمة الإسلام أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ أن أنزل عليهم كتابه العظيم ووحيه الكريم وذكره المبين؛ القرآن الكريم (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:185]، تذكرةً للمؤمنين، وموعظةً للمتقين، وهدايةً للعالمين، وصلاحًا للعباد، وعزًا لهم وفلاحًا في الدنيا والآخرة.

أيها المؤمنون عباد الله: وإن من خصائص هذا القرآن العظيم أن يسَّره الله -تبارك وتعالى- أتم التيسير؛ يقول الله -جل وعلا-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؛ كرر ذلك جلَّ في علاه في أربعة مواطن من كتابه -جل وعلا- من سورة القمر. وهذا -عباد الله- تبيانٌ لما خص الله -تبارك وتعالى- به هذا القرآن من اليسر والسهولة.

وهذا اليُسر -عباد الله- الذي جعله الله -عز وجل- في القرآن الكريم وخصَّه به كما قال بعض السلف -رحمهم الله تعالى- لم يكن مثلُ ذلك في شيء من الكتب السماوية المنزَّلة أن يسَّر الله -عز وجل- حفظه كاملًا عن ظهر قلبٍ إلا ما خصَّ الله -تبارك وتعالى- به هذا القرآن، أما الكتب السابقة فإنها كانت تُقرأ من الصحف إلا ما خصَّ الله -تبارك وتعالى- به هذا القرآن؛ فيسَّر للعباد حفظه، ويسَّر لهم فهمه، ويسَّر لهم تلاوته، ويسَّر لهم العمل به، وهذه كلها تيسيرات جعلها الله -تبارك وتعالى- لهذا القرآن العظيم.

عباد الله: أما تيسير حفظ القرآن فهذا أمرٌ مشاهد واقع يلمسه الناس ويرونه في واقعهم؛ فأنت ترى في واقع الناس من حفظ القرآن كاملًا ولم يزل طفلًا صغيرًا، وترى أيضًا من حفظ القرآن في سنٍ ومرحلةٍ كبيرة من عمره حتى إن بعضهم حفظ القرآن بتمامه بعد السبعين وبعد الثمانين، وتجد فيهم من حفظ القرآن وهو أعجمي لا يحسن اللسان العربي ولا يفهم مدلولات الألفاظ ومعانيها؛ وهذا كله من التيسير لحفظ كتاب الله -تبارك وتعالى-. وعليه -عباد الله- من أقبل على هذا القرآن إقبالًا عظيمًا راغبًا في أن يكون من حفَّاظ كتاب الله -جل وعلا- فإن الله -عز وجل- ييسر له ذلك ويعينه على ذلك ويسهله عليه كما قال الله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

ويسَّر الله -جل وعلا- تلاوة هذا الكتاب آناء الليل وأطراف النهار لمن وفقهم الله -تبارك وتعالى- لذلك ويسَّره لهم من عباده، وهذا أمرٌ يجده العبد الموفق من نفسه مع هذا القرآن، كيف أن التلاوة له تتيسر وتكون أمرًا سهلا؛ فهو لا يزال يتلذذ بهذا القرآن ويتذوق من معينه العذب، وإذا أنهى حزبه من التلاوة تشوق إلى تلاوته أخرى وثالثة ورابعة دون ملل، متذوقًا لهذا القرآن لما جعل الله -سبحانه وتعالى- فيه من السهولة واليسر للتالين لكتاب الله.

عباد الله: وأما تيسير المعاني؛ فإن الله -عز وجل- أنزل هذا القرآن لتُتدبر آياته وتُعقل معانيه ودلالاته، كما قال الله -جل وعلا-: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)[المؤمنون:68]، وقال -جل وعلا-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء:82]، وقال -جل وعلا-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص:29].

 والله -جل وعلا- يسَّر لعباده هذا التدبر والتأمل لمعاني القرآن ودلالاته العظيمة، ولهذا لا يزال العبد الموفق الذي يقرأ القرآن بتدبر في زيادةٍ من الإيمان وقوةٍ من اليقين وكمالٍ وتمامٍ في الصلاح والاستقامة بما يجده من معاني القرآن العظيمة ودلالاته المباركة وهداياته المسدَّدة وفتحه لتاليه والمتدبر لآياته أبواب الخير والفلاح والسعادة والرفعة في الدنيا والآخرة.

وأما التيسير للعمل بهذا القرآن؛ فإن جميع الأحكام والأوامر التي جاءت في كتاب الله -تبارك وتعالى- أحكامٌ لا مشقة فيها ولا عنت، ولا حرج فيها ولا مشقة، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج:78]، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة:185]، فهي أعمالٌ يسيرة على المكلفين لا مشقة فيها ولا عنت. فانظر رعاك الله إلى فرائض الإسلام وواجبات الدين والأعمال التي أمر الله -تبارك وتعالى- بها عباده فإنها كلها سهلة، بل قال الله -جل وعلا-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].

عباد الله: إن الواجب علينا أمة القرآن أن نعرف لها الكتاب العظيم حقه، وأن نعرف له مكانته وشأنه؛ فإن الله -عز وجل- يسَّره لنا حفظًا وتلاوةً وفهمًا وعملا؛ فعلينا -عباد الله- أن نقبِل على هذا الكتاب العظيم، قال بعض السلف في معنى قول الله -تبارك وتعالى- (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ): «فهل من طالبِ علم فيُعان على ذلك». وكذلك -عباد الله- من طالب عبادةٍ وعملٍ وهدايةٍ وفلاحٍ وسعادةٍ في الدنيا والآخرة فإن ذلك كله في هذا القرآن العظيم. بل إننا نستطيع -عباد الله- أن نقول قولًا كليًّا جامعًا بأنه لا هداية للعباد ولا سعادة لهم ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا بالاهتداء بهدايات هذا القرآن والعمل بهذا الكتاب العظيم.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام أن تجعلنا أجمعين من أهل القرآن الذين هم أهلُك وخاصتك يا رب العالمين، اللهم أعنَّا على تلاوة هذا الكتاب وعلى حفظه وفهمه والعمل به يا ذا الجلال والإكرام، ووفِّقنا يا ذا الجلال والإكرام لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.

أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ هذا التيسير الذي خُصَّ به هذا القرآن ليس لكل أحد، وإنما هذا التيسير إنما هو للموفقين من عباد الله؛ من وفقهم الله -جل وعلا- لحُسن الإقبال على هذا الكتاب العظيم قراءةً وتأملا وعملًا وتطبيقا؛ ولهذا فإن الله -عز وجل- خصَّ بالانتفاع بهذا القرآن من كان مدَّكرًا معتبرًا متعظًا، لا كل أحد (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؛ أي أنَّ هذا التيسير للقرآن الكريم إنما هو لمن كان بهذا الوصف.

أما من كان ساهيًا لاهيًا غافلًا معرضًا غير مقبلٍ على كتاب الله -تبارك وتعالى- فأنى له وحالته هذه أن ينال من هذا التيسير!! بل نصيب من كان كذلك ذكره الله -عز وجل- في قوله -جل في علاه-: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الفرقان:30]، والهجر للقرآن يكون بهجر التلاوة، وهجر التدبر للقرآن، وهجر العمل بكتاب الله -تبارك وتعالى-.

أيها المؤمنون عباد الله: لنستعذ بالله -تبارك وتعالى- من هذه الحال؛ حال الهاجرين لكتاب الله -تبارك وتعالى-، ولنستعن بالله -جل في علاه- لنكون من أهل اليُسر والتسهيل ممن يسَّر الله لهم هذا القرآن تلاوةً وتدبرًا وعملا، ومن يستعن بالله يعينه -جل في علاه-، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3]. نسأله جل في علاه أن يوفقنا أجمعين لكل خير، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما.

واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلَّم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ? إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً? [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللّهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهمّ آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللّهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه؛ دقه وجلَّه، أوله وأخره، علانيته وسره،  اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولمشايخنا وولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

 اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا. ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي