العدل خُلق كريم يحبه الله، ويتمناه كل صاحب فطرة سليم، والعدل أساس للأمن والسعادة وكل خير، بل إن السماوات والأرض قامتا على العدل،.. وقد وصل نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الخُلق العظيم (العدل) إلى قمته؛ تخلق به مع أصحابه القريبين والبعيدين والأعراب الوافدين، وتخلق به مع نسائه، بل وتخلق به مع أعدائه المبغضين، ووصل -عليه الصلاة والسلام- في مراقبته حتى فيما دق وصغر مستوى عجيب...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
العدل خُلق كريم يحبه الله، ويتمناه كل صاحب فطرة سليم، والعدل أساس للأمن والسعادة وكل خير، بل إن السماوات والأرض قامتا على العدل، يقول تعالى: (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الحجر: 85]، ويقول جل من قائل: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى) [الروم: 8]، ويقول سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الدخان:39].
وقال جل جلاله: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[الحديد: 25]، أي بالعدل، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: "إن القسط هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العدل، واصفر وجهه بأيّ طريق كان؛ فثمّ شرع الله ودينه ورضاه وأمره".
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإلا لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة"، فلجميع الناس بلا استثناء المؤمن منهم والكافر العدل بركة ورحمة والجور شؤم ونقمة.
معاشر الأخوة: نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- وصل في هذا الخُلق العظيم (العدل) إلى قمته؛ تخلق به مع أصحابه القريبين والبعيدين والأعراب الوافدين، وتخلق به مع نسائه، بل وتخلق به مع أعدائه المبغضين، ووصل -عليه الصلاة والسلام- في مراقبته حتى فيما دق وصغر مستوى عجيب.
في مجمع الزوائد أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح –أي: سهم- يعدل به القوم" ونحن نعلم حرص الإسلام على النظام وعلى الانتظام.
"فمر بسواد بن غزيَّة -وهو يعدل الصفوف- حليف بني عدي ابن النجار قال: وهو متقدم على أصحابه من الصف، فطعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقدح في بطنه، وقال: استوِ يا سواد. فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني. –دعني أقتص- قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استقد" قال: يا رسول الله، إنَّك طعنتني، وليس عليَّ قميص. قال: فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه، وقال: استقد، اقتص. قال: فاعتنقه، وقبَّل بطنه، وقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى –يعني من قرب الموت ودنو الأجل فالساحة ساحة معركة-، ولم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له بخير وقال: "استو يا سواد".
هذا هو حب أصحابه له -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو -عليه الصلاة والسلام- لا ينسى شاردة ولا واردة فيما يختص بالحقوق ولا يهملها أبداً صغرت كانت أو كبرت.
الحقوق التي يستهين بها الناس ويستهترون بها، وينسون أن لها من الله طالبًا يوم القيامة، الحقوق، بل حتى في الدنيا لها من الله -عز وجل- طالب ولو بعد حين، ولو استطرد الظالم بظلمه طويلاً دون أن يرى عقوبة كما هي سنة الإمهال، أُخذ أخذ الظالمين.
ففي السنن من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: "لأنصرنك ولو بعد حين".
وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبَّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]". (رواه البخاري).
يمهل له حتى يتمادى في ظلمه، والعياذ بالله، فلا يعجل له العقوبة، وهذا من البلاء، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم، فمن الاستدراج أن يملي الله -تعالى- للإنسان في ظلمه فلا يُعاقَب له سريعًا حتى تتكدس على الإنسان المظالم فإذا أخذه الله لم يفلته.
يقول سفيان الثوري -رحمه الله-: "إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله تعالى أهون عليك أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد"، ويقول الشافعي -رحمه الله-: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقيم العدل لا يحابي أحدًا في إقامته، ولو كان أقرب الناس، ولو كان أعز الناس وأحبهم إلى قلبه لا يحابي -عليه الصلاة والسلام-، في صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشفّعه –يعني يقبل شفاعة أسامة - فكلمه أسامة فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يكلمه –من شدة الغضب- وقال عليه الصلاة والسلام: "أتشفع في حد من حدود الله عز وجل"، قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا فقال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها".
ابنته وقرة عينه -صلى الله عليه وسلم- يقسم على قطع يدها لو سرقت -رضي الله عنها، وحاشاها أن تسرق-.
ولكنه العدل في صورته الحقيقية التي لا تحتمل التزييف ولا التدليس، قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- معلّق بربه دون أي شائبة لا يفعل إلا ما يرضي خالقه، ولو على حساب نفسه أو أقرب الناس إليه.
معاشر الإخوة: لأن تعدل بين امرأتين أو ثلاث أو أربع أمر ليس بالسهل، فكيف بتسع نسوة؟!
تقول عائشة -رضي الله عنها- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفضل بعضنا على بعض في القَسْم من مكثه عندنا، صح ذلك في السنن وتقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس –أي: من غير معاشرة- حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها" (متفق عليه).
أي أنه -صلى الله عليه وسلم- يمر على نسائه كلهن يوميًّا، فيدخل عند كل واحدة يلاطفها، ويسأل عن حالها واحتياجاتها، حتى ينتهي إلى التي هو يومها.
وكان يعمد إلى إحياء التآلف بينهن قدر جهده -صلى الله عليه وسلم- فيدعوهن دون أمر ولا قصر، يدعوهن للاجتماع في بيت التي سيبيت عندها، ففي صحيح مسلم عن أنس قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- تسع نسوة، فكان إذا قَسَمَ بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع–يعني إلا في تاسع ليلة بمعنى أنه لا يكرر المبيت عند إحداهن دون الأخرى- فكنَّ يجتمعْنَ كل ليلة في بيت التي يأتيها"؛ هكذا كان -صلى الله عليه وسلم-.
والعدل بين النساء -أيها المسلمون- إنما هو بالمبيت والنفقة، أما سوى ذلك فليس واجبًا على الزوج، وقوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ)[النساء: 129]، فالمقصود هو النقص الفطري في كمال العدل وهو اشتمال العدل على الحب، وهذا محال في حال البشر؛ لأن الإنسان بحكم الطبع ومقتضى الشهوة لا باختياره وقصده لا يستطيع التحكم في تفاوت مقدار حبه لزوجاته، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها، وبالتالي لم يكن الحب مشمولاً في العدل المشروع، فالعدل عدلان؛ عدل كامل مطلق لا يحده حدّ، وهو عدل الله -تعالى-، وعدل بشري قاصر على قدرة البشر واستطاعتهم وهو معنى الآية (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ).
ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب عائشة -رضي الله عنها- فوق كل نسائه، ومع ذلك كان أعدل إنسان على وجه الأرض؛ لأنه -كما تقدم- يعدل بينهن في المبيت والنفقة.
وقد جاء في صحيح الترغيب عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، يعني فيما أملك القسمة فيه وهو القلب، ومع أن الله -تعالى- خصَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوسعة عليه حتى في المبيت، فأباح له ترك القسم بين زوجاته على وجه الوجوب، وهو إن فعل ذلك فهو تبرع منه -صلى الله عليه وسلم- حيث قال تعالى: (تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) [الأحزاب:51].
(تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء) تؤخر من تشاء من زوجاتك فلا تؤويها إليك ولا تبيت عندها (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء) أي تضمنها وتبيت عندها كما قال المفسرون.
ومع ذلك فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في القسم بينهن في المبيت، وفي كل شيء، وبالرغم من حبه -صلى الله عليه وسلم- لزوجه عائشة -رضي الله عنها- إلا أنه لم يكن ليحفّ في العدل من أجلها.
في صحيح البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، وهي أم المؤمنين عائشة، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام، والمرسِلة هي أم المؤمنين زينب -رضي الله عنها- كما جاء عند بعض من شرح هذا الحديث، وكانت تضاهيها في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل أم المؤمنين صفية -رضي الله عنه-، فقد صح في سنن أبي داود قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته فضربت بيدها فكسرت القصعة –أي: ضربت عائشة القصعة بيدها- فضمها النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل فيها الطعام.
وفي رواية " فجمع -صلى الله عليه وسلم- تلك الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أمكم"، وقال: "كلوا، وحبس الرسول القصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة"، وزاد ابن علية "حتى أتي بقصعة من عند التي هو بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسرت، وقال عليه الصلاة والسلام: "إناء كإناء وطعام كطعام".
لا يخونه العدل مهما كان الموقف حتى مع أعدائه -صلى الله عليه وسلم-، في السلسلة الصحيحة عن عبدالله بن حدرد أنه كان ليهودي أربعة دراهم، فجاء اليهودي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم، وقد غلبني عليها، فقال -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله: "أعطه حقه"، قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: "أعطه حقه"، قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنمنا شيئًا فأرجع فأقضيه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعطه حقه"، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قال ثلاثًا لم يُرَاجع. فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق، وعلى رأسه عصابة، وهو متزر ببردة، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها، ونزع البردة، فقال لليهودي: اشتر مني هذه البردة، فباعها بأربعة دراهم، فمرت عجوز، فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ يعني ليس عليك إلا إزار فأخبرها. فقالت: ها دونك هذا البرد؛ لبرد طرحته عليه. أعطته بردًا عندها يستتر به.
يكرر عليه الصلاة والسلام قوله له: "أعطه حقه"، لا يحابي أحدًا في الحقوق أبدًا، فلا يكون في صف أغلى الناس عنده، ولا ضد أعدى الناس عليه، بل يراقب الله تعالى قبل أي حكم أو فعل.
بل حتى مع البهائم العدل لازم، ففي مسند الإمام وغيره بسند صحيح عن عبدالله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل حائط رجل من الأنصار فإذا به جمل، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه -أي: أصل أذنيه وطرفاهما- فسكن الجمل, فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل"؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله, فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه تشكو إليَّ أنك تجيعه وتدئبه"، أي تَكُدُّهُ وتُتعبه ولا تطعمه.
ألا تتقي الله حتى البهائم يعدل النبي فيها، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قائدنا إلى ذلك.
الأمثلة كثيرة ولا يتسع لها المقام، الحاصل أن العدل صفة اكتملت في نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي