وقفةٌ مع الزوجة التي يميل إليها زوجها أكثر من الزوجة الأخرى: إذا رأيتِ زوجكِ يميلُ إليك أكثر, ويُعطيكِ أكثر من الثانية في المال والمبيت ونحوه, فلا تكوني عونًا له على هذا الظلم والجور, فحينها تُصبحين شريكةً معه في هذا الإثم العظيم. بل مُريه بالعدل, وحَذِّريه من الظلم, وحثيه على المساواة بينكما في كلّ شيءٍ, وأخبريه بأنك لا ترضين بفعله, ولا تُمكنِّيه من نفسك, في الليلة التي ليست لكِ. وأخطر من ذلك, أنْ تُحرضيه على زوجته الثانية وأولادها, فهذا - والعياذ بالله, يَنِمُّ عن قلبٍ أسودَ مليءٍ بالحقد والغل. والحساب عسيرٌ عند الله تعالى, والظلم ظلماتٌ يوم القيامة...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ الحديث في الخُطَبةِ الماضية, كان عن أسبابِ المشاكل الأسرية وعلاجِها, وأسْتكمل بقيّتَها بحول الله تعالى.
فمنها: انْحيازُ أحدُ الأبوينِ إلى أحدِ الأولاد.
إنَّ الأب والأمّ, والجدّ والجدَّةَ, هُما أساس اسْتقرار البيت, وهما السبب الأوَّلُ في تماسك الأسرة, والحفاظِ على لُحْمتها واتِّحَادها.
فلذا, فإنَّ أكثر المشاكل والخلافات الأسريةِ سببُها قلةُ وعْيِ الآباء والأجداد, وانْحيازُهم أو أحدُهم إلى صفّ الأبناء أو البنات, أو لأحد أولادهم, وعدمُ إدارةِ الأسرة حسب الضوابطِ الشرعية, والآدابِ الإسلامية.
فيا أيها الآباء والأمّهات, الحِمل عليكم ثقيل, والواجب في حقكم أكبر وأعظم, فكَلِمَتُكم مسموعة, وآراؤُكم مقبولة, فعاملوا أبناءَكم وبناتكم بعدلٍ وإنْصاف, دون ميلٍ وانْحراف.
لا تسمحوا للمشاكلِ, ولا للخلافات بين أولادكم أنْ تظهر, عاملوهم بالرفق والحلم واللين, فـ"إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"؛ كما قاله الْمُصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أحُدُهم يتَّصل شاكيًا حزينًا, من ميل والدَيه مع أخواته, ووقوفِهم ضدّ الذكور في كلّ قضية, فما مِن مُشكلةٍ أو سُوْءِ تفاهم بينهم, إلا وقفوا في صفّ البنات, واتهموا الرجال بأنهم مُخطؤون.
وأُخرى تشتكي وقوف الأم في صف إخوانها, وتقديرَها واحترامَها لهم, بل وتمدحهم عندنا صراحةً, وإذا حضر أحدُهم رحَّبتْ وفرحتْ, وأما نحن!, فإذا قدمنا لا نرى ابتسامةً صادقة, ولا نفسًا مُنشرحة, بل إنها كثيرًا ما تخرج إذا حضرنا!
والأدهى من ذلك, وقوفُ أحدِ الأبوين في صفِّ أحدٍ بعينه ضدّ الآخر, لفرط حبِّه وميلِه له, لا لِكَوْن الحقِّ والصوابِ معه.
إنَّ العدل أساس الاستقرار والطمأنينة, وأهمُّ مُقومات بناء الأسرة الناجحة.
قال بعضُ السلف: كانوا- أي الصحابة والتابعون- يستحبون أن يسووا بين أولادهم حتى في القُبَل.
وضم عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-, ابنًا له وكان يحبه فقال: "والله إني لأحبك, وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة"؛ هكذا يجب عليكم أنْ تفعلوا مع أبنائكم.
ومن أعظم أسباب الخلافات الأسريّة: عدمُ عدلِ الأزواجِ بين نسائهم, فكثيرًا ما تحدث الخلافات الكبيرة, والشقاقات العظيمة, بسبب الميل لإحدى الزوجات.
كم من رجلٍ أخذ على زوجته الأولى, ثم ما لبث أنْ مال مع الزوجة الثانية, وهو بذلك, سَيَخْسَرُ زوجته الأولى وأبناءها أيضًا, حيث يرون أمهم يُهضمُ حقُّها, ويُقدّمُ غيرُها عليها.
فيا له من ظلمٍ عظيمٍ لا يرضاه ربّ العالمين, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ".
وهنا وقفةٌ مع الزوجة, التي يميل إليها زوجها أكثر من الزوجة الأخرى: إذا رأيتِ زوجكِ يميلُ إليك أكثر, ويُعطيكِ أكثر من الثانية في المال والمبيت ونحوه, فلا تكوني عونًا له على هذا الظلم والجور, فحينها تُصبحين شريكةً معه في هذا الإثم العظيم.
بل مُريه بالعدل, وحَذِّريه من الظلم, وحثيه على المساواة بينكما في كلّ شيءٍ, وأخبريه بأنك لا ترضين بفعله, ولا تُمكنِّيه من نفسك, في الليلة التي ليست لكِ.
وأخطر من ذلك, أنْ تُحرضيه على زوجته الثانية وأولادها, فهذا - والعياذ بالله, يَنِمُّ عن قلبٍ أسودَ مليءٍ بالحقد والغل. والحساب عسيرٌ عند الله تعالى, والظلم ظلماتٌ يوم القيامة.
ومن أسباب المشاكل الأسريّة: عدمُ التعامل الصحيح في التركة والهبة, وقد وصل الأمر إلى الشكاوى والتقاطع, بل والقتل أيضًا.
وقد "ارتفعت معدلات قضايا الخلافات العائلية على الميراث, في المحاكم الشرعية, إلى أعلى مستوى يمكن أن نتصوره. و"كشف خبيرٌ في الشركات العائلية, أن هناك قرابةَ خمسةَ عشر مليارِ ريال, مجمّدةٌ في الشركات العائلية, بسبب النزاعات بين أبناء العائلة".
نسأل الله تعالى, أنْ يُؤلّف بين قلوبنا, ويجمَعَنا على ما يُحبّه ويرضاه, إنه سميعٌ قريب مُجيب.
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: اعلموا أنّ أهمَّ أسبابِ الخلافات, التي تقع بين الورثة بعد وفاة الْمُورِّثِ ما يلي:
أولاً: الإجحافُ في الوصيةِ والهبةِ في حال الحياة, وذلك بتفضيلِ بعض الأبناء أو الزوجات, بالهبات والهدايا دون البعض الآخر، فيحقدون على أبيهم, وعلى الذين فضَّلهم عليهم, وهذا من أعظم الخسارة التي يبوء بها الْمُورِّث.
ثانيًا: عدم حصر أموال التركة بشكل دقيق, وعدمُ التوثيق عند كل صغيرة وكبيرة.
ثالثًا: تَأَخُّرُ الوصيِّ أو الوليِّ, أو أحدِ الورثة في تقسيم التركة, دون ضرورةٍ لذلك. أو تَأَخُّرُ بعض الورثة في المطالبة بحقوقهم, خجلاً أو تهاونًا, أو بسبب تعقيدِ الإجراءات الْمُتَّخذَةِ في ذلك.
رابعًا: غيابُ الوضوحِ بين الْمُورِّثِ وورثته، فكثيرًا من الْمُورِّثِين, يموتون دون علم ورثتهم, بدقائق وتفاصيل أموالهم.
خامسًا: عدم معرفةِ العلاقات بين الْمُورِّثِ, وبين أبنائه الذين يعملون معه في شركته وتجارتِه, أو بينه وبين شركائه.
وبعضُهم يُفْصِحُ عن ذلك في آخر حياته, فيجمع إخوانه- الذين هُمْ أعمام أبنائه- ويَقْسِمُ العقارَ ونحوَه الْمُشْتَرَكَ بينهم, فيشعر بعضُ الأبناء بغبنٍ وهضمٍ في حقوقهم, فتنشأ العداوةُ بينهم وبين أعمامهم, ناهيك عن عداوتهم لأبناء عمومتهم.
سادسًا: ضعفُ صياغة الوصايا وغموضُها.
فلْيتق الله الْمُورِّث, ولْيأمر ورثته بالتَّآلف والتراحم والتعاطف بينهم، ولْيحذر من أنْ يُوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي للورثة.
وينبغي أن يُبادر الورثةُ في تقسيم التركة, بعد استكمال الإجراءات المطلوبة للقسمة, من حصرِ الورثة والتركة, وإنفاذِ الوصايا التي لا محذور فيها شرعًا.
وقد "اتفق قضاةٌ ومحامون, وقانونيون ورجالُ مالٍ وأعمالٍ, على أفضليّةِ توزيع الْميراث في حياة الْمُلَّاكِ؛ مُعَلِّلِين ذلك, بالحفاظِ على الترابطِ الأسريّ بين الأبناء بعد وفاة المورِّث، وعدمِ اللجوءِ إلى المحاكم لِحَلِّ النزاعاتِ بينهم، وتركِ المجالِ أمامَ الورثة, للتّصرف بأموالهِم في وقتٍ مبكر؛ دون الحاجةِ إلى انتظارِ سنواتٍ طويلة. وتأتي أهمية التوزيع حتى لرب الأسرة, الذي يمتلك القليل من المال؛ حفاظًا على ورثته من التشتت والضياع؛ بسبب الخلافات بعد وفاته".
وتقسيمُ التركةِ في الحياة على نحو ما ذُكر, يُعتَبرُ من قبيلِ الهبة، لا مِن قبيلِ الإرث؛ لأنه ليس مالاً متروكًا، والله تعالى يقول: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ) [النساء: 12].
وعلى هذا, يَجري في هذا المال أحكامُ الهبة، وما يكون من الهبة في المرض الْمَخُوفِ, الذي لا يُرجى بُرْؤُه، ومَنْ كان قصدُه حِرْمانَ أَحَدِ الورثةِ, لا تَجْري فيها الهبةُ.
نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا البركةَ في أموالنا وأولادِنا, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي