حديثٌ عظيمٌ يفتحُ لنا بابَ أملٍ كبير لِنَتوبَ إلى اللهِ من جميعِ الذنوبِ والمعاصي, حقًّا فهذا الحديث مليءٌ بالفوائدِ والعبر. فهذا الرجلُ سعى في الأرض فَسادًا. فهلْ حَقَّقَ ما أرادَ مِن إشباعِ رَغَباتِ حِقدِهِ وَحَنَقِهِ وغَيظِهِ؟ كلاَّ فإنَّ قلقَ المعاصي وحيرةَ الذُّنُوبِ بَاتتْ تُلاحقُه لَيلَ نَهارَ! ولَكِنَّهُ أدركَ بِفِطْرَتِهِ أنَّ له ربًّا كريمًا, رَءوفًا رَحيمًا. فَسأَلَ عن أهلِ العلمِ لأنَّهم مَحلُّ الثِّقَةِ والمَشُورَةِ, ولكنَّه لم يوفًّق بادئَ الأمر إلى عالمٍ يَشفِي غَلِيلَهُ, ويهدِي سَبيلَهُ, فَقد دَلُّوه على راهِبٍ وهو صَاحِبُ عِبادةٍ فقط، وليس عنده عِلمٌ شَرعِيٌّ! فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَهُ استَعظَمَ ذَنْبَّهُ فَحَكم عليه بالهلاكِ والنَّارِ؛ فمن شدِّة حِنقِهِ ويأسِهِ وطُغيَانِه قَتَلَه فَأكمَلَ بِهِ المِائَةَ! فهل استَقَرَّ واستَرَاحَ؟ كلاَّ ورَبِي فَمازالت حَيرَةُ المَعصيةِ تُلاحقُهُ! حتى دلُّوهُ إلى عَالِمٍ فَقِيهٍ! فَفَتَحَ له بابَ الرَّجاءِ, وَدَلَّهُ على طَريقِ التَّوبَةِ والهِدَايَةِ, وَأبَانَ لَه سبِيَلَ الثَّبَاتِ!..
الحمدُ لله اللطيفِ الخبيرِ, أحاط بكلِّ شيءٍ علماً, وسع كلَّ شيء رحمة ًوحلما, ونشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ربٌّ توَّابٌ رحيمٌ, ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذيرُ والسراج المنير, اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 282].
عباد الله: رسولنا يضرب لنا القصصَ والأمثالَ عظة ًوعبرة لأولي الألباب, وإليكم قصة تدلُّ على سعةِ رحمةِ الله تعالى وعفوه وكرمِه.
في الصحيحين عن أبي سَعيد بنِ الخدريِّ -رضي الله عنه-: أنَّ النَبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ : "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ. فقال: إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً.
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ. فقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ, ولاَ تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ.فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ: إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ - أيْ حَكَماً - فقالَ: قِيسُوا ما بينَ الأرْضَينِ فَإلَى أيَّتِهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ.فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ". وفي رواية "فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا"، وفي رواية: "فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وقَالَ: قِيسُوا مَا بيْنَهُما، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ".
الله أكبر يا مؤمنونَ: إنَّهُ حديثٌ عظيمٌ يفتحُ لنا بابَ أملٍ كبير لِنَتوبَ إلى اللهِ من جميعِ الذنوبِ والمعاصي, حقًّا: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56]. وصدق الله (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 165].
أيُّها المؤمنون: فهذا الرجلُ سعى في الأرض فَسادًا. فهلْ حَقَّقَ ما أرادَ مِن إشباعِ رَغَباتِ حِقدِهِ وَحَنَقِهِ وغَيظِهِ؟ كلاَّ فإنَّ قلقَ المعاصي وحيرةَ الذُّنُوبِ بَاتتْ تُلاحقُه لَيلَ نَهارَ! ولَكِنَّهُ أدركَ بِفِطْرَتِهِ أنَّ له ربًّا كريمًا, رَءوفًا رَحيمًا. فَسأَلَ عن أهلِ العلمِ لأنَّهم مَحلُّ الثِّقَةِ والمَشُورَةِ, ولكنَّه لم يوفًّق بادئَ الأمر إلى عالمٍ يَشفِي غَلِيلَهُ, ويهدِي سَبيلَهُ, فَقد دَلُّوه على راهِبٍ وهو صَاحِبُ عِبادةٍ فقط، وليس عنده عِلمٌ شَرعِيٌّ! فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَهُ استَعظَمَ ذَنْبَّهُ فَحَكم عليه بالهلاكِ والنَّارِ؛ فمن شدِّة حِنقِهِ ويأسِهِ وطُغيَانِه قَتَلَه فَأكمَلَ بِهِ المِائَةَ! فهل استَقَرَّ واستَرَاحَ؟ كلاَّ ورَبِي فَمازالت حَيرَةُ المَعصيةِ تُلاحقُهُ! حتى دلُّوهُ إلى عَالِمٍ فَقِيهٍ! فَفَتَحَ له بابَ الرَّجاءِ, وَدَلَّهُ على طَريقِ التَّوبَةِ والهِدَايَةِ, وَأبَانَ لَه سبِيَلَ الثَّبَاتِ!..
وهنا دليلٌ على حكمةِ العالِمِ وفِطنَتِهِ. وَدرْسٌ عَظِيمٌ ألاَّ يَقولَ أحدٌ على اللهِ بِلا عِلمٍ! فما بالُ بعضُ المُتَطفِّلينَ يَتَجَاسَرُونَ على دِينِ اللهِ تَعَالى فَيُفتُوا ويُقرِّروا! فَذَاكَ يَسُوقُ أَدِلَّةً وأقوالاً بِعدَمِ وجُوبِ صَلاةِ الجَمَاعَةِ في المَساجِدِ, وآخرُ يُقَرِّرُ عَدَمَ وُجُوبِ الحِجَابِ, وثالثٌ يُنَاقِشُ مَعنى الاختِلاطِ, ورَابِعٌ يُشَرْعِنُ لِقِيادَةِ النِّساءِ, ورِياضَةِ البناتِ! وهلمَّ جرَّا واللهُ تَعالى يقولُ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
وفي الصحيحين قال رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
عباد الله: والنَّاسُ تُجاهَ المَعاصي يَنقَسِمونَ إلى ثَلاثَةِ أقسَامٍ:
قسمٌ: غَلَبَ عليهم اليأسُ والقُنُوطُ فَيَئِسوا مِن رَحمَةِ اللهِ، وهؤلاءِ غفلُوا عن آيَاتِ الرَّحمَةِ وضَّيقُوا على أنفُسِهم بَابَ التَّوبَةِ وفيهم يقولُ اللهُ تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56].
وقِسمٌ نَسُوا عِقابَ اللهِ وعَذَابَهُ، وأنَّ اللهَ –تَعالَى- يُملِي لِظَّالِمِ حتى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفلِتهُ, فَأسَرَفُوا على أنفُسِهم بِالمعاصي! وإذا ما حدَّثت أحدَهم سُرْعَانَ ما يُبَادِرُكَ بِأنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ, فَهم يَنفِرُونَ مِن المَواعِظِ ولا يُريدِونَ تَغييرَ واقِعِهُم المَرير وصَدَقَ اللهُ: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116].
أمَّا القِسمُ الثَّالِثُ: مِن أهلِ الذُّنُوبِ والمَعَاصِي فإنَّهم يَرجُونَ رَحمَةِ اللهِ وَيَخَافُونَ عِقَابَهُ فَإذا فَعلوا مَعصيةً سُرعانَ ما يَتُوبونَ ويَستغفِرُونَ ويَرجُونَ! يَصدُقُ عليهم قولُ اللهِ -تَعالَى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 135- 136].
أيُّها المُؤمنون: ما تَقُولُونَ بِرَجُلٍ قَتَلَ مِائَة َنَفْسٍ مَعصُومَةٍ. ومعَ ذَلِكَ سَعَى لِلتَّوبَةِ وَنَالَها, وَوَجَدَ ربَّا رَحِيمَاً ومَلِكاً كَريمَاً سُبحانَهُ ويِحمدِهِ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
فاللهمَ تُب علينا إنَّكَ أنتَ التَّوابُ الرَّحيمُ واغفر لنا إنَّكَ أنت الغَفُورُ الرَّحيمُ. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفِرُوهُ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ لله ربِّ التَّائبينَ المُستَغفِرِينَ, نشهد ألا إلا الله وحده لا شريكَ له الرَّحمنُ الرحيمُ, ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه الأمينُ, صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحَابِهِ الطَّاهرينَ ومن تَبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ وتَأمَّلُوا قولَ اللهِ تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 54].
قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ- ما مفادُهُ: "لَمَّا نَهى اللهُ –سُبحانَهُ- رَسُولَهُ، عن طَردِ المُؤمِنينَ القَانِتِينَ، أمَرهُ بِمُقَابَلَتِهم بِالإكرامِ والإِعظَامِ، والتَّبجِيلِ والاحتِرَامِ، وأنْ يُبَشِرَّهم بِمَا يُنَشِّطُ عَزَائِمَهُم وهِمَمَهُم، مِن رَحمَةِ اللهِ، وسَعةِ جُودِهِ وإِحسَانِه، وحثِّهم على كُلِّ سَبَبٍ وَطَريقٍ، يُوصِلُ لِذَلِكَ. وأنْ يُرَهِّبَهم مِن الإِقَامَةِ على الذُّنُوبِ، وأَنْ يَأمُرَهم بِالتَّوبَةِ، لِينَالُوا مَغفِرَةَ رَبِّهم وَجُودَهُ، فلا بُدَّ مَع تَركِ الذُّنُوبِ، والنَّدَمِ عَليها، من إِصلاحِ الحَالِ والعَمَلِ، وأَدَاءِ ما وَجَبَ، وإصلاحِ مَا فَسَدَ مِن الأَعمَالِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ. فإنْ فَعَلوا ذَلِكَ صَبَّ عَليهم رَبُّهم من مَغفِرَتِهِ وَرَحمَتِه، بِحَسَبِ مَا قَامُوا بِهِ من عمَلٍ".
عبادَ اللهِ: وَمَعَ أنَّ جُرمَ القَتلِ كَبيرٌ! وهو أَوَّلُ مَا يُقضى بهِ بينَ النَّاسِ! "والْمَقْتُولُ يَجِيءُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ فِي يَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا يَقُولُ: يَا رَبِّ قَتَلَنِي".
ومَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَرَحمَة ُاللهِ وَسِعَتِ القَاتِلَ ومَلائِكَةُ الرَّحمَةِ تَلَقَّتْهُ! وفي الحديث القُدسِيِّ يقولُ اللهُ تعالى: "يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي.يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً". فالحمدُ للهِ أولا وآخِرا.
عبادَ اللهِ: فِي القِصَّةِ دَعوةٌ لِأَنْ نَتَفَقَّدَ الأَصحَابَ والجُلَسَاءَ فَخيرُ مُعينٍ لَكَ على الخيراتِ والبعدِ عن السَّيئَاتِ هم أهلُ الخيرِ والصَّلاحِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) [الكهف: 28]، فاحذر رفقةَ السُّوءِ وأَرضَ السُّوءِ والفَحشَاءِ والمُنكَرِ.
فَيا مَنْ تُسافِرُ إلى البِلادِ السَّافِرَةِ والأَمَاكِنِ المَوبُوءَةِ كَيفَ تَطِيبُ نَفْسُك أنْ تخرُجَ بِجِسمِكَ ومَالِكَ ودِينِكَ إلى تِلكَ البِلادِ وأَنتَ غَيرُ مُحتَاجٍ لِذلِكَ؟ فقد عَافَاكَ اللهُ. "ومَنْ تَركَ شَيئَاً للهِ عوَّضَه اللهُ خَيرا مِنه".
أيُّها المُؤمِنُونَ: في القِصَّةِ دَليلٌ على مَحبَّةِ اللهِ لِلرَّحمَةِ؛ حيثُ إنَّ الرَّجُلَ لم يَعملْ خَيرا قَط لَكنَّه مَضى لِلتَّوبَةِ فَتَنَازَعَتْ فِيه المَلائِكة ُحتى غَفَرَ اللهُ لَهُ. القصَّة ُ عُنوانٌ على فَضلِ العِلمِ والعُلَمَاءِ وأنَّ النَّاسَ بِحاجةٍ إليهم كَحَاجَتِهِم إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ؛ لأنَّهم أَصدَقُ النَّاس وأَنصَحُهم وأَخلَصُهم!فَواجِبٌ علَينا مَعرِفَة ُمَنزِلَتِهم, وأنْ نَستَنِيرَ بِرَأْيهم وصَدَقِ اللهُ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].
في القصةِ دَرسٌ لِلدُّعَاةِ والخُطبَاءِ والمُرَبِينَ أنْ يَفتَحوا لِلنَّاسِ بَابَ الأَملِ والرَّحمَةِ. وأنْ يُوازِنُوا بينَ الخَوفِ والرَّجَاءِ.
أيُّها المؤمنونَ: يا من تَرجُونَ رَحمَةَ اللهِ وتَخافُونَ عِقَابَه إنِّها دَعوةٌ إلى التَّوبةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ. واللهُ تعالى يَقولُ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
فاللهم ارزقنا تَوبةً صَادِقَةً نَصُوحاً. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المستغفرين وتجاوز عن المخطئين يا أكرم الأكرمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. اللهم رزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين.
عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي