مما قدَّره الله -عز وجل- على عباده ابتلاؤهم بالسراء والضراء والشدة والرخاء والأمراض والأوبئة والكوارث كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم -سبحانه وتعالى-، فما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله،.. وإذا تقرر هذا فإن لله -سبحانه وتعالى- حِكَمًا فيما يقدره ويقضيه لعباده، وإن من حكم الله -عز وجل- فيما قدر وقضى الابتلاء والامتحان، فيبتلي عباده -سبحانه- بأقداره ومنها ابتلائهم بالأمراض والأوبئة والفيروسات التي يقف الطب أحيانًا عاجزًا عن علاجها أو اكتشاف أسبابها ودواء لها، وما هذه الفيروسات التي نسمع عنها ما بين فترة وأخرى كفيروس الإيبولا والكارونا وغيرها والتي تقضي على المئات من الناس إلا نوع من هذا الابتلاء والاختبار للعباد من لدن العزيز الحكيم...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد : فيا عباد الله إن خير ما يُوصَى به في المجامع والمحافل وفي جميع الأوقات والأحوال ومختلف البلاد والأماكن ما وصَّى الله به عباده الأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
فما أعظمها من وصية وآكدها!! وما أعمها من وصية وأشملها! وما أصلحها من وصية وأنفعها! إنها وصية الله الخالق الرازق المحي المميت، إنها وصية ملك الملوك وجبار الأرض والسماوات إنه وصية من الأمر أمره، والنهي نهيه، والحكم حكمه والقضاء قضاؤه، إنها وصية العليم الخبير بكل ما يصلح العباد ويحقق المصالح والمنافع لهم في دنياهم وأخراهم.
فيا سعادة من وعى وصية مولاه والتزمها، يا سعادة من نفّذ وصية مولاه واستقام عليها عندها تتحقق للعبد المصالح والمنافع الدينية والدنيوية وتندثر المضار والمفاسد والشرور العاجلة والآجلة.
ألا فاتقوا الله -عباد الله- تقوى عبد يدرك عظمة من يتقيه وقدرته وعلمه ومراقبته، اجتهدوا -رحمكم الله- أن تكون أفعالكم كلها تقوى وأقوالكم كلها تقوى وهديكم وسمتكم وأخلاقكم كلها تقوى، وذلك بطاعة الله، والحرص على مراضيه واجتناب ما يغضبه ويسخطه.
أسأل الله -عز وجل- المانّ علينا بالإسلام والإيمان والمتفضل علينا وحده بالرزق والعافية والمغدق علينا من سائر النعم والمنن ما لا يحصى أسأله -سبحانه- أن يمن علينا بتقواه، وأن يجعلنا من أهل طاعته ورضاه، وأن يجعلنا في سلك أحباه المتقين وأوليائه الصالحين إنه سميع قريب.
أيها الإخوة المسلمون: إن ما يجب اعتقاده على كل مسلم ومسلمة: الإيمان الجازم بأن جميع ما يحصل في هذا الكون كله من خيرات وشرور، وأفراح وأحزان، ومصائب وفجائع، وأمراض وأوبئة وغير ذلك مما يحدث في الكون آناء الليل وأطراف النهار على المستوى الخاص والعام، على المستوى الفردي والجماعي؛ أن ذلك كله إنما هو بتقدير العزيز الحكيم، فهو -سبحانه وبحمده- الذي قدَّر الأقدار وعلمها قبل حدوثها وكتبها سبحانه، وشاءها وأوجدها؛ لا يعزبُ شيء عن علمه ولا يخرج شيء عن قضائه وقدره (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49]، وقال سبحانه: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2].
وفي الحديث: "إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب فجرى في تلك الساعة القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة".
ألا وإن مما قدَّره الله -عز وجل- على عباده ابتلاؤهم بالسراء والضراء والشدة والرخاء والأمراض والأوبئة والكوارث كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم -سبحانه وتعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22- 23].
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11]، وإذا تقرر هذا فإن لله -سبحانه وتعالى- حِكَمًا فيما يقدره ويقضيه لعباده، وإن من حكم الله -عز وجل- فيما قدر وقضى الابتلاء والامتحان، فيبتلي عباده -سبحانه- بأقداره ومنها ابتلائهم بالأمراض والأوبئة والفيروسات التي يقف الطب أحيانًا عاجزًا عن علاجها أو اكتشاف أسبابها ودواء لها، وما هذه الفيروسات التي نسمع عنها ما بين فترة وأخرى كفيروس الأيبولا والكارونا وغيرها والتي تقضي على المئات من الناس إلا نوع من هذا الابتلاء والاختبار للعباد من لدن العزيز الحكيم.
وهو -سبحانه- القائل: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، ويقول سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]، ويقول سبحانه: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، ويقول سبحانه (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف: 168].
هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يدركها كل مسلم ومسلمة أن الأمراض والأوبئة تارة تكون تكفيرًا لسيئات وقعت من العبد وإصلاح لحاله: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]، وتارة لا تكون المصائب عقوبة للعبد على سيئات منه، وإنما هي ابتلاء له على الصبر لترفع درجاته، ويحصل على وصف الصبر الذي وعد الله أهله بعظيم الأجر ووافر الجزاء والثواب (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 20].
والمسلم في كلا الحالتين يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، بل كل شيء بتقدير العزيز الحكيم لا رادّ لقضائه ولا معقّب لحكمه، و"اعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
وإذا علم المسلم هذا فإن له مع المرض أربع مقامات:
المقام الأول: مقام التسخط، وهو حرام سواء كان التسخط في القلب أم كان التسخط باللسان أو الجوارح، فالتسخط في القلب أن يرى العبد أن الله -تعالى- ظلمه بهذه المصيبة والمرض، وأن العبد ليس أهلاً للمصائب والأمراض، وهذا والله على خطر عظيم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11].
والتسخط بالقول أن يدعو الإنسان بدعوى الجاهلية عند نزول المرض والمصيبة به كقوله: وانقطاع ظهراه وغيره، ونحو ذلك من الأقوال التي تنبئ عن تسخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله وقدره.
وأما التسخط بالأفعال عند نزول الأمراض والمصائب فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب، وقد تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا كله: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".
والمقام الثاني للمرء عند نزول المرض والمصيبة مقام الصبر، وهو حبس النفس عن التسخط، وهو أمر ثقيل على النفس، لكنه واجب على العبد؛ لأنه إذا لم يصبر عند نزول المصيبة والمرض به إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب.
والمقام الثالث: مقام الرضا بأن يرضى العبد بما قدّر الله عليه من هذه الأمراض والمصائب رضا تام، وهو مقام مستحب للمسلم مثاب ومأجور عليه، فالعبد في هذا المقام مقام الرضا يقول عند نزول المرض أو المصيبة به: أنا عبد الله وهو ربي إن فعل بي ما يسوؤني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر، فالأحوال عنده متساوية.
والمقام الرابع: وهو أرفع المقامات وهو مقام الشكر، وهو أن يشكر الإنسان ربه -عز وجل- على هذه المصيبة أو المرض الذي نزل به، وهو مقام قد لا يحصل للعبد أول وقوع المصيبة أو المرض، ولكنه الاستسلام والتأني قد يصل العبد إليه فيشكر الإنسان ربه على المصيبة، ويرى أنها أهون من غيرها، أو أن ألمها يزول بزوال الحياة، ويحصل بعد ذلك للعبد بصبره ورضاه وشكره الأجر العظيم والثواب الجسيم من لدن الرب الرحيم.
أيها الإخوة في الله: وإن مما ينبغي العلم: أن الأمراض التي قد يسلطها الله على بعض المجتمعات لا تعدي بنفسها كما كان يعتقد أهل الجاهلية من أن المرض ينتقل من المريض إلى السليم بنفسه حتمًا وقطعا، بل لا ينتقل المرض من المريض إلى السليم إلا بإذن الله -عز وجل-، فالعدوى لا تكون إلا من الله -عز وجل- إذا أرادها كانت وإذا لم يردها لم تكن وفي هذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة".
ولما قيل له -صلى الله عليه وسلم-: إن الرجل يأتي إبله السليمة يأتيها بعير أجرب فتجرب أي: يصيبها الجرب، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم- ردًّا على هذا الإشكال: "فمن أعدى الأول"، أي: من جعل في البعير الأول المرض، من أصاب البعير الأول بمرض. وعلى هذا فالمرض لا يعدي بنفسه، ولكنه بتقدير العزيز الحكيم الذي جعل لكل شيء سببًا.
ومن أسباب الإصابة بالمرض: اختلاط المريض بالسليم، فقد يكون سببًا للعدوى ونقل المرض، ولهذا جاء في الحديث الآخر "فِرّ من المجذوم فرارك للأسد"، وهذا الحديث أصل شرعي في اجتناب الأسباب التي قد ينشأ بسبها المرض.
ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُورَد مُمرض على مُصِحّ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يورد ممرض على مصح"، وهذا أصل طبي فيما يعرف الآن بالحِجْر الصحي.
فانظر -يا رعاك الله- إلى كمال هذا الدين وعظمته؛ علق الخلق بالخالق -سبحانه وتعالى- وأن المقدِّر المدبِّر الذي يجب أن تتعلق القلوب به رغبةً ورهبةً وخوفًا وطمعًا وأمرهم في الوقت ذاته بفعل الأسباب الشرعية فجمع للعباد بين المصلحتين وفي هذا تمام التوحيد وكماله.
نسأل الله -عز وجل- أن يحفظنا جميعًا بحفظه وأن يكلأنا برعايته، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يرفع البلاء عنا والمسلمين، إن ربنا هو البر الرحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83- 84].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- فإن تقوى الله مفاتح الخيرات، ومجلبة الحسنات ومطردة الشرور والسيئات، جعلني الله وإياكم ممن عمرت التقوى قلوبهم، إن ربي قريب مجيب.
أيها الإخوة في الله: إن الواجب عند حدوث الأمراض والأوبئة يتطلب منا فعل ثلاثة أمور رئيسة:
أولها: تجديد التوبة لله رب العالمين من جميع الذنوب والمعاصي والآثام؛ فإن ما نزل بالعباد بلاء إلا بذنب، وما رُفع عنهم إلا بتوبة، والمعاصي والسيئات ومخالفة أمر الله -عز وجل- وترك الواجبات وفعل المحرمات وأكل الحرام وقطيعة الأرحام وعقوق الوالدين وغيرها من الكبائر والمآثم أمور تورث الأمراض والمصائب والبلايا (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
وفي الحديث: "وما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم".
ألا فلنجدد التوبة لله رب العالمين من كل ذنب وخطيئة، صغر هذا الذنب أم عظم، ولنلازم الاستغفار، فإن من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية.
والأمر الثاني: الإتيان بالأسباب الشرعية التي تقي من المرض بمشيئة الله، وتكون سببًا للشفاء منه كقراءة القرآن الكريم، وعلى وجه الخصوص آية الكرسي منه عند النوم وفي أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وقراءة المعوذتين وسورة الفاتحة، بل القرآن كله شفاء ورحمة وهدى من الأمراض القلبية والبدنية: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82].
والعناية بالأذكار والأوراد الشرعية عند الصباح والمساء والإتيان بها بخشوع ويقين؛ فإنها من أعظم ما يقي من الأمراض والشرور، ومنها الذكر المشهور الذي يقوله المسلم: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم".
ومن ذلك: الدعاء والإكثار منه، فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، والله -عز وجل- يقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
وفي قصة أيوب يقول الله -عز وجل- بعد أن مسه الضر والمرض (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83- 84].
إنه أثر الدعاء متى ما صدر من المسلم بيقين صابر وتضرع وإنابة لله رب العالمين يأتيه الفرج مباشرة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
ومن ذلك الاستعانة بالصلاة؛ فإن الصلاة وبخاصة قيام الليل بما يتيسر للمرء الإتيان به من صلاة ليل مطردة للداء عن الجسد.
ومنها كذلك الحرص على الصدقة فقد جاء في الحديث: "داووا مرضاكم بالصدقة".
ومنها كذلك التصبح بسبع تمرات، والاستشفاء بالعسل، والحبة السوداء، والمحافظة على الطهارة الشرعية، والوضوء والحرص فيها على الاستنشاق التام، ونحو ذلك من الأسباب التي جاء ذكرها في النصوص الشرعية.
والأمر الثالث مما يجب فعله: اتباع الإرشادات الطبية التي تعلنها الجهات المختصة؛ من الحرص على النظافة في الملبس والمأكل والبدن والبيت والمنزل، وعدم مخالطة المرضى المصابين بالأمراض المعدية، فيلبس كمامات في الأماكن المزدحمة ونحوها، والمبادرة بزيارة المراكز الطبية عند ظهور علامات الإصابة بالمرض.
وأخيرا فإن مما ينبغي أن يعلم -أيها الإخوة في- الله أن الموت إنما يكون بقضاء الله وقدره (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].
كم من سليم مات من غير علت *** وكم من مريض عاش حين من الدهر
وما أنزل الله من داء إلا وله دواء علمه من علم وجهله من جهله.
وعلى الجهات الطبية المختصة أن تبذل قصارى جهوده في التثقيف والتوعية في هذه الأمراض والأوبئة، ونشر الوسائل الوقائية التي تقي الناس شررها وضررها، وبذل كل ما تستطيع من توفير الدواء والعلاج والمصحات والمستشفيات لمعاجلة هذه الأوبئة والأمراض.
نسأل الله -عز وجل- بمنّه وكرمه -وهو على كل شيء قدير- أن يرفع البلاء عنا وعن سائر إخواننا المسلمين؛ إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي