ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي؟! أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سبباً للتنفير عن دين الإسلام؟! ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟! إن أعداءهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا ..
الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه في هديه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وكونوا مع الصادقين في عبادة الله اصدقوا الله -تعالى- في عبادته اعبدوه مخلصين له غير مرائين في عبادته ولا مسمعين، امتثلوا أمره طلباً للقرب منه والحصول على ثوابه، اجتنبوا نهيه خوفاً من البعد عنه والوقوع في عقابه لا تبتغوا في عبادته أن يراكم الناس أو يسمعوكم فيمدحوكم عليها؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معه غيره تركه وشركه.
اصدقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في اتباعه ظاهراً وباطناً غير مقصرين في سنته ولا زائدين عليها.
اصدقوا الناس في معاملتهم أخبروهم بالواقع فيما تخبرونهم به وبينوا لهم الحقيقة فيما تعاملونهم به ذلك هو الصدق الذي أمركم الله به ورسوله يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عن الله صديقاً". لقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن للصدق غاية وللصادق مرتبة أما غاية الصدق فهي البر والخير ثم الجنة وأما مرتبة الصادق فهي الصديقية وهي المرتبة التي تلي مرتبة النبوة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) [النساء:69]. وإن الصادق لمعتبر بين الناس في حياته ومماته، فهو موضع ثقة فيهم في أخباره ومعاملته وموضع ثناء حسن وترحم عليه بعد وفاته.
واحذروا -أيها المسلمون- من الكذب احذروا من الكذب في عبادة الله لا تعبدوا الله رياء وسمعة وخداعاً ونفاقاً، واحذروا من الكذب في اتباع رسول الله لا تبتدعوا في شريعته ولا تخالفوه في هديه، واحذروا من الكذب مع الناس لا تخبروهم بخلاف الواقع ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة.
إن المؤمن لا يمكن أن يكذب؛ لأن الكذب من خصال المنافقين (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1]، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10]، (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105].
إن المؤمن لا يمكن أن يكذب؛ لأنه يؤمن بآيات الله يؤمن برسوله يؤمن بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عن الله كذاباً".
ما أقبح غاية الكذب وما أسفل مرتبة الكاذب، الكذب يفضي إلى الفجور وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي ثم إلى النار -ويا ويل أهل النار-؟
والكاذب سافل؛ لأنه مكتوب عند الله وبئس هذا الوصف لمن اتصف به إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس يا كذاب؛ فكيف يُقِرُّ أن يكتب عند خالقه كذاباً، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته، ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]؛ فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجاً لحياته لقد كان الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم لا يمتطون الكذب ولا يتخذونه منهجاً لحياتهم أو بلوغ مآربهم.
هذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من قريش تجار إلى الشام، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان: "فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه أو عليه".
هكذا -أيها المؤمنون- الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن الكذب، ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم، فكيف بكم أنتم -أيها المؤمنون- وقد حباكم الله -تعالى- بهذا الدين الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه ويبين لكم نتائجه وثمراته الطيبة، وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه ويبين لكم نتائجه و ثمراته الخبيثة.
إن أبا سفيان في حال كفره تنزه أن يوصف بالكذب -ولو مرة واحدة- مع أنه كان يرى أن له مصلحة في كذبه عما يخبر به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!.
وإن بعض المنخدعين من هذه الأمة ليستمرئ الكذب، ويفتي نفسه بحله؛ إما لتهاونٍ بالكذب، وإما لاعتقاد فاسد يظن أن الكذب لا يحرم إلا إذا تضمن أكل مال، وإما لطمع مادي يتمتع به في دنياه، وإما لتقليد أعمى لا هداية فيه.. وكل ذلك خداع لنفسه وتضيل لفكره؛ فالتهاون بالكذب عنوان الرذيلة فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينك وبين الكذب حتى لا يبقى دونه حائل.
فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية فإذا وقعت فيه مرة هان عليها شأنه، ثم تقع منه ثانية فيهون عليها أكثر حتى يصبح كأنه سجية وطبيعة فيكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل؛ إذ لم يكن في كتاب الله -تعالى- ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن تحريمه مشروط بذلك، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرماً وأشد عقوبة؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عد الكبائر وفيها "اليمين الغموس" قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: "التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب" رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة" فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك" رواه أحمد ومسلم.
إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم، فيألف ذلك؛ لما يرى من ضحك الناس، ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له" أخرجه الثلاثة وإسناده قوي.
وإن بعض الناس يكذب على الصبيان؛ لأنهم يوجهون إليه النقد، ولكنه -في الحقيقة- أوقع نفسه في الكذب، وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه. وعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- أن أمه دعته فقالت: تعال أعطك فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أردت أن تعطيه؟" قالت: تمراً فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمَا إنك لو لم تعطه شيئاً لكتبت عليه كذبة" رواه أبو داود والبيهقي.
فاتق الله -أيها المسلم- اتق الله في نفسك، واتق الله في مجتمعك، واتق الله في دينك؛ ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي؟! أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سبباً للتنفير عن دين الإسلام؟! ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟!
إن أعداءهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا رأوهم على تلك الحال؛ كذب في المقال، وخيانة في الأمانة، وغدر في العهد، وفجور في الخصومة، وإن أعدائهم ليفخرون عليهم إذا رأوهم يقلدونهم حتى في رذائل الأخلاق التي يحذرهم الإسلام منها؛ فعجباً وأسفاً لأمثال هؤلاء القوم الذين ألبسوا أنفسهم ما تعروا به أمام أعدائهم، واتبعوا سبيل الهالكين، وابتعدوا عن سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الشهداء والصالحين.
اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي