لقد وضَّح الله -عز وجل- في كتابه أعظم التوضيح، وأدل البيان، على خطر التفرق في دين الله -سبحانه وتعالى-، بيَّن ذلك، وبيَّن الوعيد الشديد لمن خرق في دين الله -سبحانه وتعالى- تفرقا، قال -تعالى-: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115].
أما بعد: عباد الله، كلمةُ (جمعٍ) تدل على التضامّ والتآلف والترابط والوحدة والتلاحم، إذاً؛ اجتماع المسلمين وتآلفهم وارتباطهم ولمّ شملهم واتحاد صفهم، مقصود شرعي.
بل إن الله -سبحانه وتعالى- بيَّن أن أهل الجماعة هم أهل الرحمة، وأن أهل الافتراق هم أهل العذاب، قال -تعالى-: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) [هود:118-119].
لما ذكر اختلاف البشر، ذكر أن هناك طائفة قد اجتمعت على الخير، فهم أهل الرحمة، ولذا أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نتمسك بحبل متين وثيق، ذلكم الحبل فسره ابن مسعود -رضي الله عنه- بأنه الاجتماع، قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً)، ثم أكد ذلك... فقال: (وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، ثم نوه ونبه على عظيم نعمته على الأوس والخزرج، لما كانوا متناحرين متعادين: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103]، بنعمة الله.
اجتماع الأمة لا يمكن أن يحصل لا بقومية، ولا بعروبة، ولا بعصبية قبلية، ولا بأموال، ولا بأي شيء من أغراض الدنيا؛ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63].
يقول القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103]: يأمر الله -سبحانه وتعالى- بالاجتماع، وينهى الأمة عن الافتراق، لأن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة، ولا أدل ولا أصدق من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند الإمام أحمد: "الجماعة رحمة، والفرقة عذاب". اهـ.
ويقول ابن كثير -رحمه الله- تحت هذه الآية: أمر الله -سبحانه وتعالى- الأمة بالجماعة، ونهاهم عن الفرقة، وقد ضمن لهم العصمة مع الاجتماع، وخيف عليهم الخطأ والزلل مع الافتراق والاختلاف، وقد وقع في هذه الأمة أن افترقت على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا طائفة واحدة، تلك الطائفة هي ناجية إلى الجنة، ومُسَلَّمة من العذاب. اهـ.
من هي هذه الطائفة؟ كلٌ يزعم أنه على نهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أنه على الحق، أو أنه على الهدى، أو أن معه الصواب، فهناك أحزاب وطوائف ظهرت ونشأت، كلٌّ منها تزعم أنها على الحق وأن الصواب معها وأن الحق معها، وهذا لا يجوز في شرع الله، إذاً؛ لا أحزاب ولا طوائف ولا أشتات في شرع الله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:32].
كلٌّ فرح بما عنده، يقول: معي الحق ومعي الصواب ومعي الهدى! إذاً؛ لا يُلتفت إلى مثل هذه الأقوال حتى تعرض على الكتاب والسنة، من هي تلك الطائفة؟ لما سئل عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في السنن، قال: "هي على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
مَنْ كان قوله ومن كان فعله ومن كانت طريقته على مثل ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام -رضي الله عنهم- فهو على طريق الحق.
الطوائف والمذاهب لا تجوز في دين الله، ولذا، شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى نبَّه على ذلك وبين خطأه، ثم ذكر آيات وأحاديث تدل على تحذير الإسلام من التفرق في دين الله، ثم ذكر أثرا "أن رجلا أتى ابن عباس -رضي الله عنهما-"، انظروا إلى الفقه وإلى العلم والفهم وإلى بعد النظر، "قال: يا ابن عباس، أأنت على ملة عثمان بن عفان أم أنت على ملة علي بن أبي طالب؟ رضي الله عنهما، لما ظهر ما ظهر في الأمة من التفرق والشتات سأله هذا السؤال، سبحان الله! ملة عثمان ملة خير، ملة عليّ ملة خير، شُهِد لهما بالجنة، ومن أفاضل الصحابة -رضي الله عنهم-، ومع ذلك، فما هو جواب ابن عباس -رضي الله عنهما-؟ قال: لا على ملة عثمان ولا على ملة علي، إنما على ملة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
ابن مسعود -رضي الله عنه- لما فسَّر حبل الله بالجماعة، لأنه ذو بُعد نظر، لأن الحبل متين، فالحبل يتمسك به في النجاة من المخاطر والمهالك، ابن مسعود -رضي الله عنه- لما كان في منى مع عثمان في حجه في خلافته -رضي الله عنه-، عثمان -رضي الله عنه- اجتهد، فكان يُتم الرباعية، فما كان يقصر كفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعل أبي بكر وفعل عمر، بل إنه في أول عهده -رضي الله عنه- كان يقصر، لكن لديه اجتهاد، فلما قام عثمان -رضي الله عنه- إلى الركعة الثالثة أتم الرباعية، وكان من المستحب والمسنون أن تقصر، لما فرغ عثمان -رضي الله عنه- من تلك الصلاة استرجع ابن مسعود، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لأن هناك ما هو خطأ وخلل في نظره ولم يلتفت إلى اجتهاد عثمان، فقيل لابن مسعود -رضي الله عنه-: ألا تخالف عثمان؟ إلا تصدع بالاختلاف أمام عثمان؟ فقال -رضي الله عنه- كما ثبت عنه في سنن أبي داود: "الخلاف شر".
لقد وضَّح الله -عز وجل- في كتابه أعظم التوضيح، وأدل البيان، على خطر التفرق في دين الله -سبحانه وتعالى-، بيَّن ذلك، وبيَّن الوعيد الشديد لمن خرق في دين الله -سبحانه وتعالى- تفرقا، قال -تعالى-: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115].
الإسلام عظيم! تصوروا، لو أن الأمة اجتمعت، ماذا يكون حالها؟ اسمعوا: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ،كما عند الترمذي: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة! فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أبعد".
إذاً؛ ما ظنكم بالثلاثة؟ ما ظنكم بالألف؟ ما ظنكم بالمليون؟ ما ظنكم بمليار مسلم على وجه هذه الأرض لو اجتمعوا؟.
إذا كان الشيطان مع الاثنين أبعد، فما ظنكم بملايين البشر من هذه الأمة؟ ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن طريقة الاجتماع هي الطريقة الموصلة إلى الجنة، قال في تتمة هذا الحديث: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة".
أذكر نماذج وأطرافا من الاجتماع على طاعة من الطاعات: في صحيح مسلم، ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "ما اجتمع"، انظروا في أمر من أمور العبادة، فكيف لو اجتمعت الأمة على أمورها كلها؟ قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم". ما الثمار؟ ما الفوائد؟ ما الآثار الطيبة؟ "إلا نزلت عليهم السكينة"، اطمئنان، راحة، سعادة، استقرار، "إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
بل إن الاجتماع على طاعة من الطاعات تقي العبد يوم القيامة من لهيب الشمس إذا دنت من الرؤوس مقدار ميل، في الصحيحين: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، من بين هؤلاء السبعة: "رجلان تحابا في الله"، انقطعت هذه المحبة؟ لا، "رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرّقا عليه".
بل إن البركة والنمو والزيادة تحصل مع الجماعة، في سنن ابن ماجة من حديث وحشي بن حرب -رضي الله عنه-: قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا نأكل ولا نشبع، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجتمعوا على طعامكم". انظروا إلى أثر من آثار الاجتماع في جزء من جزئيات الاجتماع على أكل، قال:
"اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم".
حذيفة -رضي الله عنه- كان من الصحابة الأجلاء الذي كان كثيرا ما يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشر، يقول -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم: "كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، فسأله أسئلة، من بينها: لما ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن هناك دعاة على أبواب جهنم، يدعون البشر أن هلموا إلى أبواب وطرق جهنم، ما صفتهم؟ هل هم بعيدون عنا؟ هل هم ناؤون عن مجتمعنا؟ لا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، وهذا ما يعرض ويحصل في بعض المقالات التي يبثها من لا دين له ولا ورع، فقال حذيفة -رضي الله عنه-: "فما تأمرني يا رسول الله؟" قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
ولا يمكن أن يحصل اجتماع للأمة إلا إذا كان هناك إمام، فإذا لم يكن هناك أئمة وولاة يسوسون الناس، تفرق الناس، ولذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح، قال: "منْ أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم، فاقتلوه"، لا حل آخر.
ولذا؛ ابن عباس -رضي الله عنهما- لما قيل له: إن الولاة يشتموننا ويعيبوننا ويطلبون منا صدقاتنا، أفنمنعهم؟ قال: "لا، أعطوهم! الجماعةَ الجماعةَ!"، يعني: الزموا الجماعة، "فإنما هلكت الأمم الخالية بتفرقهم"، ثم ذكر قوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ).
ابن عمر -رضي الله عنهما- لما أتاه رجل فقال: إنا نعطي زكاة أموالنا أمراءنا، ولكنهم يأكلون بها الخنزير، ويشربون بها الخمور، أفنمنعهم؟ فقال -رضي الله عنهما: "أعطوهم، ولو أكلوا بها الخنزير وشربوا بها الخمور".
إن فعلتَ برئت ذمتك، لكن لا يجوز أن تُحدث صدوعا وشقوقا في الأمة، الإمام أحمد -رحمه الله-، وانظروا إلى الفقه، نحن بحاجة ماسة إلى أمثال هؤلاء الأئمة، الذين يؤصلون هذا المبدأ، وهو مبدأ الاجتماع في نفوس الأمة وفي نفوس الأجيال، الإمام أحمد -رحمه الله- كان يرى أن القنوت في الفرائض من غير النوازل بدعة، إذا وجدت نازلة يقنت في الفرائض، وإذا قنت في الفريضة من غير نازلة فهو بدعة، فسُئل -رحمه الله-: لو أنه صادف رجلا يقنت في الفريضة من غير نازلة، أيخالفه وينصرف عنه؟ فقال الإمام أحمد -رحمه الله؛ لأن نظره كان بعيدا- قال: تؤمّن مع إمامك. مع أنه يرى أن هذا القنوت بدعة، لم؟ لأن الاجتماع أمر مهم جدا في الدين، ولا أدل من أن الأحاديث جاءت متضافرة في فضل صلاة الجماعة بسبع وعشرين درجة على صلاة الفذ؛ ولذا، النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، بيَّن أن الله -سبحانه وتعالى- لا يرضى للأمة إلا الاجتماع، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".
والحديث عن هذا الموضوع يجب أن يكرر ويثنى بالتكرار إلى ما لا نهاية؛ لأن قوة المسلمين إنما تكمن في اجتماعهم، إذا اجتمعت الأمة قويت، وإذا تفرقت -ولو كانوا أعدادا هائلة- ضعفت.
كم لدينا من مصادر القوة في هذه الحياة من المعادن والأموال الطائلة والأراضي الزراعية الغنية بالثروات؟ كم لدينا من الأعداد الهائلة؟ ومع ذلك ترى الأمة ضعيفة لا ينظر إليها إلا بنظرة بؤس واحتقار وازدراء! لم؟ بسبب تفرقها.
لم لا تكون الأمة مثل البنيان الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا". وأكد ذلك -عليه الصلاة والسلام- بأسلوب فعلي، إذ شبك بين أصابعه، كما في الحديث.
بل إن الأمة يجب -وهذا مما نحتاج إليه- يجب أن تكون كالجسد الواحد، إذا اشتكى عضو من هذا الجسد اشتكت بقية الأعضاء، وهذا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائل الجسد بالسهر والحمى".
تأبى الرماحُ إذا اجْتمعنَ تكسُّراً *** وإذا افترقن تكسَّرت أفرادا
يقول ابن حجر -رحمه الله-، كما في الفتح، يقول: "لماذا حث الإسلام على صلاة الجماعة، ولا سيما في صلاتي الفجر والعشاء، وأخبر أن المتخلف عنهما من المنافقين؟"، قال -رحمه الله-: "لأن الألفة تحصل للجيران بعضهم ببعض إذا اجتمعوا في هاتين الصلاتين". كيف؟ يقول -رحمه الله-: "لأنهم يفتتحون نهارهم بالاجتماع على الطاعة، ويختتمون نهارهم بالاجتماع على الطاعة"، ما هي هذه الطاعة؟ هي صلاة العشاء والفجر.
نسأل الله -عز وجل- أن يعيد للأمة وحدتها واجتماعها وعزها ومجدها.
أما بعد: فيا عباد الله، الاجتماع له فوائد، ومن ثمَّ؛ فإنه لا يجوز لأي فرد من أفراد الأمة أن ينضم أو أن يندرج تحت طائفة من الطوائف، حتى ولو كانت تلك الطائفة تزعم أنها على الخير والهدى، فلا يجوز لإنسان أن ينضم أو أن يندرج تحت طائفة من الطوائف.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفرق بين آحاد الأمة، لا يقل أحد: أنا من الطائفة الفلانية، لا يجوز هذا في شرع الله، النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في صحيح البخاري، فصل في الموضوع، في التعامل بين آحاد وأفراد الأمة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم".
أنا أتعامل معك على أنك مسلم، لا أنك من طائفة أو من فئة، "فهو المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا".
ومن؛ ثمَّ إذا تلاشى واضمحل ذلك الأمر، وهو التفرق، وأصبحت الأمة تحت لواء واحد وهو لواء الإسلام، وهو لواء الدين، فإن الأمة تجني ثماراً كثيرة.
من بين هذه الثمار أن الأمة إذا اجتمعت تعي ثقافتها وقدرها وتحافظ على لغتها، وهي لغة القرآن، أسألكم بالله: أين لغة القرآن من مجالسنا، من حديثنا، من مرورها على ألسنتنا؟ اللغة العربية ضعيفة في التطبيق، بل صعبة في الفهم النظري على كثير من الطلاب، بسبب ماذا؟ بسبب التفرق؛ ولذا، قد يتحدث إنسان مع آخر في قرية نائية عنه وهما في بلدة واحدة ومع ذلك قد لا يفهم بعض ما يقول، لم؟ لأنهم ابتعدوا عن المصدر الأساسي.
ومن فوائد اجتماع الأمةِ أنّ الأمة تواجه التحديات التي تراد بها، حتى إن الأعداء إذا علموا أن هذه الأمة الإسلامية قد اجتمعت، خافوا من شوكتها ومن قوتها، لكن إذا علموا أنها ضعيفة، نخرت في قواها، كما هو مشاهد ومعلوم ومحسوس في واقعنا.
ومن فوائد اجتماع الأمة أن الأمة تتحرر من التبعية، تتحرر من أسر الثقافات، بل بالاجتماع يحصل الإبداع، تبدع الأمة، وقد أبدعت الأمة في صدر هذه الأمة لما كانت مجتمعة، الإبداع لا يحصل إلا باجتماع الأمة وتلاقح أفكارها ومعلوماتها وثقافتها.
ومن فوائد اجتماع الأمة: أنه يبرز الإسلام وعظمته، وتظهر العدالة الإسلامية في أفراد المجتمع، وتزول أو تنعدم أو -على الأقل- تقل الجريمة في المجتمع.
ومن فوائد اجتماع الأمة: أنه يقوي جانب العقيدة، نعم، ولذلك؛ لو قرأتم في كتب العقيدة مما ألفه العلماء من السلف ما وجدتم متن عقيدة إلا وهو يتحدث عن الاجتماع؛ لأن الاجتماع له صلة وثيقة وطيدة بالعقيدة، النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما عند الترمذي، قال: "يد الله مع الجماعة".
معية الله، توفيق الله، تسديد الله، نصرة الله لعباده إنما هي بالجماعة، وفي رواية: "يد الله على الجماعة"، على: حرف استعلاء في اللغة يدل على أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تعلو ويرتفع قدرها إلا بالاجتماع.
ومن فوائد اجتماع الأمة أن الأمراض النفسية والقلق تتلاشى من المجتمعات الإسلامية؛ لأنه إذا حصل تفرق وشتات في الأمة أصبح في بعض الأمة قلقا، لأن بعض أفراد الأمة قد لا يأمن من شر أخيه المنتسب للإسلام ومن ضرره، ومن هنا قد يحصل قلق واضطراب.
ومن فوائد اجتماع الأمة أن العصبية القبلية تزول، وأن الدعوة إلى الانضمام إلى العروبة أو إلى القومية العربية أو ما شابه ذلك تضمحل، ولا يمكن -والله!- أن تجمع عروبة ولا قومية الأمة أبدا، وقد دعوا إلى ذلك فيما سبق من سنين على أن تجتمع الأمة على عروبتها وعلى قوميتها، ومع ذلك ما أفلحت، فلا يمكن أن يجمع الأمة إلا هذا الدين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي