إن الناظر في كيفية صلاة بعض المصلين يرى أخطاء كثيرة، وبُعدًا عن السُّنة، وهذا شيء مؤلم، ويحزّ في الصدر، أن يجهل كثير من المصلين صفة الصلاة الصحيحة، ونحن في مهبط الوحي، مسلمون أبًا عن جد، وفي مجتمع النساء أعظم من ذلك أخطاءً، فمن هذا المنطلق جعلت هذه الخطبة عن بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين، واقتصرت على المهم منها لضيق الوقت.
الحمد لله..
أما بعد فيا أيها المصلون: إن أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، الصلاة، التي من ضيعها فهو لما سواها أضيع، ومن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن فضل الصلاة أنها فُرضت من الله على رسوله بدون واسطة، فقد أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وفرضت عليه الصلاة في ملكوت السموات لبيان أهميتها، وهي أول الأركان فرضًا بعد الشهادتين.
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلّم الصحابة صفة الصلاة فرادى وجماعات، بل صلى على المنبر ليروه ويقتدوا به، وأمر الجميع أن يصلوا كصلاته، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث قال -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
معاشر المسلمين: إن الناظر في كيفية صلاة بعض المصلين يرى أخطاء كثيرة، وبُعدًا عن السُّنة، وهذا شيء مؤلم، ويحزّ في الصدر، أن يجهل كثير من المصلين صفة الصلاة الصحيحة، ونحن في مهبط الوحي، مسلمون أبًا عن جد، وفي مجتمع النساء أعظم من ذلك أخطاءً، فمن هذا المنطلق جعلت هذه الخطبة عن بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين، واقتصرت على المهم منها لضيق الوقت.
فمن الأخطاء التي يقع فيها المصلون بل ويجعلهم يستمرون على أخطائهم: عدم التعرف على صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رُويت، مع أن الكتب المؤلَّفة في ذلك كثيرة جدًّا، وفي كل مسجد وبيت، فليس للمسلم عذر في عدم سلوك سبيل السنة.
ومن الأخطاء كذلك: التقليد بلا دليل، فالبعض يرى أخاه المصلي يفعل شيئًا فيستحسنه، ثم يقلده بلا معرفة للدليل، ولم تنتشر البدع والأخطاء إلا بمثل هذا التقليد.
ومن الأخطاء أيضًا: الاعتداء في الطهور، فتجد العجلة أثناء الوضوء وعدم استيعاب الفروض غسلاً، وهذا يؤثر على صلاة العبد من حيث القبول والخشوع، بل إنه ليؤثر على صلاة الجماعة كلها فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَبِيبًا أَبَا رَوْحٍ مِنْ ذِي الْكَلَاعِ, أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الصُّبْحَ فَقَرَأَ بِالرُّومِ، فَتَرَدَّدَ فِي آيَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إِنَّهُ يَلْبِسُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ أَنَّ أَقْوَامًا مِنْكُمْ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الْوُضُوءَ، فَمَنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ".
ومنها كذلك: عدم الإتيان بتكبيرة الإحرام عن قيام، فالقيام في الصلاة ركن من أركانها وتكبيرة الإحرام ركن، ولا يؤتى بها إلا عن قيام إلا من كان عاجزًا عن ذلك فيسقط ركن القيام عنه، غير أني ألحظ بعض المصلين يكبر وهو قد انحنى راكعًا، وذلك إذا دخل المصلى والإمام في الركوع ركع قبل التكبير، وهذا مبطل للصلاة، فلا بد أن ينتصب قائمًا ثم يكبر للإحرام ثم ينحني للركوع.
ومن الأخطاء كذلك: تفويت تكبيرة الإحرام مع الإمام والانشغال بقراءة القرآن أو أداء السنة، مع أن تكبيرة الإحرام مع الإمام خير من قراءة القرآن، وإكمال السنة في ذلك الوقت، فتكبيرة الإحرام ركن، والركن أفضل من النوافل عند الله، واختلف أهل العلم متى تدرك تكبيرة الإحرام، أرجحها هو حضور التكبيرة في الصف، وعدم الاشتغال عنها بغير الاستعداد للصلاة المفروضة، فمن كبّر الإمام للإحرام وهو لا يزال يقرأ القرآن أو يتم صلاة النافلة، أو يتحدث مع جاره فقد فاتته تكبيرة الإحرام.
ومن الأخطاء كذلك: عدم التراص في الصفوف وعدم تسويتها، وتسوية الصفوف على الصحيح من أقوال أهل العلم من الواجبات، فقد بيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عدم تسوية الصفوف سببٌ في اختلاف قلوب المصلين، وأن الشيطان يدخل بين الصفوف في الفُرَج، ويوسوس ويلْبس على المصلين صلاتهم.
أخرج مسلم (432) في صحيحه من حديث أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا, وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ".
وأخرج البخاري ( 717 ) ومسلم (436) من حديث النُّعْمَان بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: "عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
وإن من تسوية الصفوف: إتمام الصف الأول فالأول وسد الفرج، والتراص في الصف، وإن من أسباب انتشار الخلل في الصفوف هو إهمال الأئمة في تسوية الصفوف، وضجر الجماعة من الإمام الذي يسوّي الصفوف، ألا فلنتواضع لتطبيق هذه السنة، فإننا سنقف بين يدي الله جل في علاه.
اللهم وفقنا لفعل السنة لوجهك الكريم، أقول قولي هذا ...
أما بعد فيا أيها الناس: إن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، فما أحرانا أن نسعى لإصلاحها، فهي الأساس يوم الحساب، فإن صلَحت صلح سائر العمل، وإن فسدت فسد سائر العمل.
ولنكمل ما بدأناه من بيان للأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين، فتلحظون كثرة من يصلي وهو جالس على الكرسي، وهؤلاء نسأل الله لهم الشفاء والعافية، ولكن البعض يخطئ، فتجد أن الطبيب منعه من السجود من أجل عملية في عينه، فتراه يجلس من أول الصلاة حتى نهايتها، وهذا خطأ، فأركان الصلاة لا تسقط إلا عند العجز عنها، فإذا عجزت عن السجود فلا يجوز لك ترك القيام والركوع والجلوس بين السجدتين وهكذا، حتى العاجز عن الركوع والسجود، نقول له: كبّر للإحرام واقفًا، واقرأ الفاتحة واقفًا فهذه أركان تستطيع فعلها، ثم اجلس بعد ذلك، ثم ليحذر المسلم أن يصلي وهو جالس وليس من أهل الأعذار المبيحة للجلوس، فالملاحظ على البعض التساهل في ذلك.
ومن الأخطاء لدى البعض في صلاتهم: السرعة المخلة بالواجبات، فضلا عن أن يأتوا بالمسنونات، وكأنهم في سباق، علمًا بأن الطمأنينة في الصلاة من الأركان، والذي لا يقيم ظهره في الركوع والسجود من العجلة، صلاته باطلة، ووصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس: "صل صلاة مودع"، فقد أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي أيوب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس".
فمما يقل أن تراه في المساجد للأسف، أن ترى رجلاً خاشعًا في صلاته ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين: مسابقة الإمام في الصلاة، فتجده يسجد قبله أو يرفع قبله، والمسابقة إذا وَقعتْ في تكبيرة الإحرام لم تنعقد الصلاة ولا تصحّ؛ لأن الذي كبّر قبل الإمام لم يقتدِ بإمامه ولا صلى مُنفرِداً.
وكذلك إذا سابق الإمام في التسليم من الصلاة من غير عُذر بَطَلتْ صلاته.
وفعل ذلك في سائر الصلاة مُحرّم.
أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار"، فشبّه بالحمار؛ لأنه لا صلى لوحده ولا اقتدى بإمامه، ولن يسلم إلا بعده فلِمَ العجلة؟!
ومن المشاهد من البعض العجلة في الانصراف من المسجد بعد التسليم مباشرة بلا استغفار ولا ذِكْر، وحتى لو حدث الإمام أو تكلم واعظ لم يسمع منه، وسارع بالانصراف، فلِمَ العجلة؟! ألا تعلم أن العجلة من الشيطان، وأن هذه الأوقات ينبغي أن تكون لله، ليطهر قلبك ويغفر ذنبك، ولنحذر من الجري خلف الدنيا وشهواتها، فلقد مات الناس ولم ينتهوا من أعمال الدنيا.
وأخيرًا: نلحظ البعض من المصلين يرفع يديه ويدعو بعد الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة ويعتاد ذلك وكأنه سنة ثابتة، والصحيح أنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته الدعاء دبر الصلاة، بل بالأذكار يشتغلون بالأذكار، أو ينصرفون.
عباد الله: تعلموا صفة الصلاة، وسيروا على خطى نبيكم تفلحوا..
اللهم علمنا ما ينفعنا ... اللهم اغفر للمسلمين ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي