القطيعة بين الأقارب (1) عقوبة قاطع الرحم

تركي بن علي الميمان
عناصر الخطبة
  1. الأمر الإلهي بصلة الأرحام والتحذير من قطيعتها .
  2. من أسباب ظاهرة الخلافات بين الأقارب .
  3. بعض العقوبات المترتبة على قطع الأرحام .
  4. ثمرات صلة الأرحام ووصْل القاطعين والتجاوز عنهم .
  5. من مظاهر قطع الأرحام .
  6. البِدار بصلة الأرحام والإصلاح بين الناس .

اقتباس

وقاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، ولَعَذابُ الآخرة أشدّ وأبقى! عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " رواه أبو داود والترمذي وصحّحاه وابن ماجة.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائل: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا".

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن بِرُّوها وصِلُوها، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

عباد الله: لقد أمر الله -تعالى- بصلة الأرحام، ورغب فيها، ورتب على ذلك الأجر والمثوبة والفوز برضا الرحمن، ونهى وحذّر عن القطيعة؛ لأنها طريق للخسار والبوار، واللعنة وسوء الدار، بل عدّ -صلى الله عليه وسلم- القطيعة مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين.

وعلى الرغم من وصية الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بصلة القرابات؛ وعدّ الإسلام ذلك من الحقوق العشرة التي أمر الله بها كما في قوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) [النساء:36]، إلا أن بعض المسلمين بسبب طغيان المادة على الترابط الأسري، أضاعوا هذا الحق مثل غيره من الحقوق أو أشد، مما جعل الحقد والبغضاء والشحناء تحلُّ محل الألفة والمحبة والرحمة بين أقرب الأقربين.

ولنعلم -عباد الله- أن قطيعة الرحم سبب للعذاب والعقوبة الربانية، فهي كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، والعياذ بالله.

فالخلافات مع الأقارب صارت ظاهرة منتشرة في الأزمنة الأخيرة؛ بسبب ضعف الديانة، وقلة التقوى.

أيها المسلمون: اعلموا أن قاطع الرحم ملعون في كتاب الله، قال الله -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].

قال ابن كثير -رحمه الله-: وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً، وعن قطع الأرحام خصوصاً؛ بل وقد أمر الله -تعالى- بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال، وبذل الأموال. اهـ.

قال علي بن الحسين لولده: يا بني، لا تصحبن قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن.

وقاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين: قال -تعالى-: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة:26-27].

وقاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، ولَعَذابُ الآخرة أشدّ وأبقى! عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" رواه أبو داود والترمذي وصحّحاه وابن ماجة.

وبالقطيعة قطع للوصل مع الله: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ" متفق عليه.

قال ابن عثيمين -رحمه الله-: الرحم متعلقة بالعرش، تقول:"من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله"، يعني: يحتمل أن الرحم تخبر بهذا، أو تدعو الله -عز وجل- به، وعلى كل حال فهو دليل على عظم شأن الرحم وصلتها. اهـ.

فاختر لنفسك -أيها القاطع- أي الطريقين تريد: أن تدعو لك الرحم بصلة الله لك، فتكون من الفائزين المفلحين؛ أم تدعو عليك بقطيعة الله لك، فتكون من الخاسرين المخذولين في الدنيا والآخرة.

واحذروا -عباد الله- عقوبة الرحم في الآخرة، وإنها لأعظم عقوبة يعاقب بها إنسان قط، وهي الحرمان من الجنة: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ" متفق عليه.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا قطيعة الرحم، وقوموا بصلتها ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، ورجاء الأجر والثواب.

ولا تقابل من قطعك بالقطيعة، واصبر واحتسب الأجر والمثوبة؛ لأن صلة الرحم سبب في دخول الجنة، وصلة الله للعبد في الدنيا والآخرة. اقرؤوا قول الله -تعالى- عن المؤمنين: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:21-22].

فهنيئاً لقريبٍ أعان على صلته بقبول العذر والصفح والعفو والتغاضي عن الهفوات والتغافل عن الزلات، يشارك أقاربَه آلامهم وآمالهم، ويشاطرهم أفراحهم وأتراحهم.

إذَا التقى المسلمان في يوم وقد باعدت بينهما الخلافاتُ، أو قعدت بهما الحزازات، فأعظمُهما أجراً البادئ أخاه بالسلام. وهذا في حق من استحل قطيعة الرحم والعياذ بالله.

ومن كان بينه وبين رحمٍ له عداوة فليبادِر بالصّلة، وليعفُ وليصفح، (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40].

لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم، (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:92].

فصلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر، وصلة الرحم تجلب صلة الله للواصل، وصلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة، وصلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" متفق عليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ  يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد:21].

نسأل الله أن يعافينا في أقاربنا وأرحامنا وعلاقاتنا وأموالنا، إنه سميع مجيب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا  تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ  فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103]

عباد الله: لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظاً وحقداً على أقاربه وذوي رحمه، فيقاطعهم بل يعاديهم، ويخاصمهم بل يقاضيهم، من أجل أمر تافهٍ حقير، يتعلَّق بحفنة من الحطام، أو وشاية غِرٍ لئيم، أو زلة لسان، أو شجار بين الأطفال، أو سوء الخلق من بعض الزوجات، أو غيرها.

وكل ذلك سببه الشيطان؛ فقد حذرنا الله من نزغات الشيطان، فقال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء:53]، وحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ" رواه مسلم.

فبذلك تحصل القطيعة، فتمرُّ الأشهر والسنوات والقطيعة تزداد يوماً بعد يوم؛ فمن الإخوة المتقاطعين من لا يجتمعون عند والدتهم بوقت واحد بل يتفاوتون في المجيء والذهاب، ولا يسلم أحدهما على الآخر! وما بالكم بمن يورثون القطيعة؟ ويقول لأولاده: أنا أمنع أن يمشي عمكم في جنازتي، وإذا مشى عمكم في جنازتي أنا غضبان عليكم إلى يوم الدين!.

وبعضهم لا يحضر زواج أخيه أو ابن أخيه بسبب القطيعة؛ وما بالكم بمن يهجر أخاه في النسب فوق ثلاثين سنة؟ يقول: حلفت ما أدخل بيته! تطور الأمر إلى قطيعة، وفضائح بين الناس، لتصبح سيرتهم تلاك بالألسن، الفضيحة بالدنيا قبل الآخرة عياذاً بالله من ذلك.

أيها المؤمنون: اعلموا أن قاطع الرحم لا يرفع له عمل، ولا يقبله الله: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" رواه مسلم.

فإن كنت من أهل الصلاح والاستقامة فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك؛ لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وإن كنت من أهل صيام الاثنين والخميس فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك؛ لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وإن كنت ممن يتصدق وينفق أغلى شيء عنده وهو المال، فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك، لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وإن كنت ممن يقوم الليل فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك؛ لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وإن كنت ممن يأتي إلى المسجد قبل الأذان ويختم القرآن في كل أسبوع مرة فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك؛ لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وإن كنت مضطراً وفي أمسِّ الحاجة إلى الدعاء وتأمل الإجابة، فلن يرفع لك عمل ما دمت على ذلك؛ لأنه يقال: "أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". فكيف بمن دونهم يا عباد الله؟! فـــ "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ " متفق عليه.

أخي: كأني أراك تريد الإصلاح بعد سماع هذه النصوص فلا يخذّلنك الشيطان بعد خروجك من المسجد، وكن جاداً مع الله،  وبادر بالإصلاح تجد الخير والفلاح.

هيا استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن وساوس النفس، وصل رحمك، وأبق على الود، واحفظ العهد؛ وانثر المحبة والسعادة والسلام، فصِلْ من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك.

وكن هيناً ليناً سمحاً، ترجو من الله الأجر والثواب، وتقابل الإساءة بالعفو والصفح: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].

فأحسن -يا عبد الله- يحببك الله، بل ويغفر لك بعفوك، فلن تكون أكرم من الله القائل: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22].

وإياك إياك أن يغرك الشيطان! فطهر قلبك من الآن، ونقِّ صدرك في هذا المكان، وكن من أفضل الناس.

عبادَ الله: إنَّ مِن خُلُق المسلم حبَّ الخير لإخوانِه المسلمين؛ لذا  تراه يسعى في الإصلاحِ بينهم والتوفيق فيما بينهم وتضييقِ هُوّةِ النزاع والاختلاف، وهذا الخُلُق الكريم يسعى فيه ذوو التّقى والمروءة والأخلاق الكريمة: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

فإذا علمت أن بين اثنين من إخوانك أو قرابتك أو أرحامك أو أصحابك أو جيرانك شحناء أو قطيعة، فعليك أن تبذل وسعك وغاية جهدك في الإصلاح بينهما، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].

فالصلة وعدم القطيعة سبب لشيوع المحبة بين الأقارب، وبهذا يصفو عيشهم وتكثر مسراتهم.

جعلنا الله وإياكم من أهل البر والصلة، والرحمة والإحسان؛ وجنبا طريق الغواية والقطيعة، إنه جواد كريم.   

وصلوا وسلموا...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي