أكدت الدراسات والبحوث: أن السهر من أقوى العوامل المؤثرة على الجهاز المناعي والمثبطة لنشاط ذاكرة الجسم المناعية، وحركة خلايا الجهاز المناعي، وقد ثبت أيضًا: أن السهر يعوق طرفيات الجهاز العصبي، وخلايا الإحساس من أداء عملها بشكل فعال، وللسهر تأثير سلبي حاد على...
عباد الله: من الظواهر التي تبرز مع بداية الإجازة، وأصبحت عادة لا تحلو الإجازة إلا بها: ظاهرة السهر إلى أوقات متأخرة من الليل، أو إلى الفجر، فترى هؤلاء بالليل قيامًا وبالنهار نيامًا، ويفتخرون بذلك ويعدونه تطورًا وتقدمًا، بل إن الذي ينام بعد صلاة العشاء يشبهونه بالدجاج.
نسأل الله السلامة والعافية، أصبحت سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- تشبه بمثل هذا التشبيه السيئ الذي يخشى على قائله، إذا لم يتدارك نفسه، ويعود إلى رشده.
أيها المسلمون: إن للسهر بالليل آثارًا وأضرارًا، نذكر بعضها:
أولاً: السهر يخالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي نهى عن الحديث بعد صلاة العشاء؛ كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "جدب إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم- السهر بعد العشاء" أي: عابه وذمه [أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني].
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إياك والسهر بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه" [أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة].
ثانيًا: من آثار السهر وأضراره: إضاعة صلاة الفجر، أو تفويتها، وقد جاء الوعيد الشديد للذي ينام عن الصلاة المكتوبة، ففي صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الرؤيا الطويل، قال: "أما الذي يثلغ رأسه -أي: يكسر ويشج- بالحجر، فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".
وقد أنكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الذي أحيا الليل بالصلاة، ثم غلبته عيناه، ونام عن الصلاة المكتوبة" -أي: عن صلاة الفجر- وقال عمر له: "لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إليّ من أن أقوم ليلة" [أخرجه مالك في الموطأ].
هذا يقال فيمن قام الليل، فكيف بمن أسهر ليله على الأغاني والمعازف؟! كيف بمن أسهر ليله على الأفلام والمسلسلات؟!
نسأل الله السلامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من آثار السهر وأضراره: أنه يخالف السنة الكونية الإلهية، فالله قد جعل الليل للنوم والراحة، وجعل النهار للانتشار، وطلب الرزق، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47].
عباد الله: ومن آثار السهر الصحية، ونريد أن نطيل في هذه النقطة؛ لأن كثيرًا من الناس يهتمون بكلام الأطباء أكثر من غيرهم، وما سنذكره من أضرار السهر على صحة الإنسان إنما هو تفسير وتوضيح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا السهر جهد وثقل" [رواه الدارمي وصححه الألباني].
وإليكم ما قاله الأطباء في أضرار السهر:
أضرار السهر على بدن الإنسان متنوعة، فمنها:
1 -سوء التغذية، يقول الدكتور محمد الفراج: "فمع تغيُّر مواعيد النوم يصحو الإنسان متأخرًا أو مبكرًا، وتتغير مواعيد وجباته الغذائية، خاصة لدى صغار السن والشباب، وهذا بدوره يؤدي إلى البنية الهزيلة، وضعف المقاومة، ويعرض الجسم لمختلف الأمراض بسهولة".
2- أضرار نفسية، يقول الدكتور طارق الحبيب: "إذا استمر -أي: على السهر- وأصبح عادة لديه فقد يصبح ذلك التأثير دائمًا، وتصطبغ به شخصية الفرد وسلوكياته، فيبدو متعكّر المزاج، سريع الاستثارة بعض الشيء غير قادر على تحمّل المهام التي تتطلّب الجهد والتركيز".
ويقول الدكتور محمد الصغير: "كثيرًا ما يراجع العيادة النفسية أشخاص لديهم مشكلات نفسية وبدنية ناتجة عن اضطرابات في النوم، وأهم ذلك الكآبة والحزن، تعكر المزاج وسرعة الانفعال، القلق والتوتر، ضعف التركيز، سرعة النسيان، الكسل، الفتور وسرعة الإجهاد".
ويقول الدكتور محمد عاطف: "أما ما يخص الناحية النفسية، فإن الإنسان يصاب بالهذيان والتشتت الذهني، وقد سجلت بعض الحالات التي أصيب أصحابها بالجنون من كثرة السهر ليلاً".
3- أضراره على ذاكرة الإنسان، والجهاز العصبي، يقول الدكتور فهد الخضيري: "أكدت الدراسات والبحوث: أن السهر من أقوى العوامل المؤثرة على الجهاز المناعي، والمثبطة لنشاط ذاكرة الجسم المناعية، وحركة خلايا الجهاز المناعي.
وقد ثبت أيضًا: أن السهر يعوق طرفيات الجهاز العصبي، وخلايا الإحساس من أداء عملها بشكل فعال، وللسهر تأثير سلبي حاد على الجهاز العصبي والمخ، ويتسبب السهر في فقدان التركيز، وضعف الذاكرة، وبطء الاستجابة العصبية، وينصح من يريد الإبداع والإنتاج وزيادة القدرة العقلية والجسدية بالنوم مبكرًا بعد العشاء بساعة والاستيقاظ مبكرًا، لكي تنتظم حياته، وتستقر صحته".
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
فنكمل أضرار السهر الصحية، ومنها:
4- أضراره في نمو الإنسان، وتكامل بنيته، يقول الدكتور محمد عاطف: "لقد أثبتت الأبحاث العلمية، وأوضحت أن الكثير من الهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء ساعات النوم، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر-: هرمون النمو، وهو مسؤول عن إكساب الجسم المزيد من القوة العضلية والقوة الذهنية، ومع طول السهر يحرم الإنسان من إفراز الهرمونات بالصورة الطبيعية، ولوحظ كذلك زيادة إفراز هرمون الميلاتونين أثناء النوم ليلاً، وهو المسؤول عن إعطاء الجسم المزيد من الحيوية والنشاط وإكسابه المزيد من المناعة ضد الإصابة بالأمراض المختلفة بما فيها الأورام الخبيثة، ولذلك نلاحظ أن الذين يدمنون سهر الليالي يعانون من الكسل والهزال، وضعف البنية الجسدية".
وفي تقرير آخر: ذكر أن سهر الأطفال يؤدي إلى التأخير في نموهم أو حتى توقفه، وذلك لعدم إفراز هرمون النمو بكمية كافية، وهذه الهرمونات تنشط البروتينات التي تساعد على بناء خلايا الجسم التي يموت منها عشرات الآلاف يوميًا، وتقوي العظام، وتعطي الطاقة للعضلات.
كما أن هرمون النوم الذي تقوم بإفرازه الغدة النخامية، ينظم نشاط الهرمونات التي تساعد على التئام كسور العظام، وتقلل نسبة الكوليسترول في الدم.
إضافة إلى أن المعادن التي يحتاج إليها الجسم لا تثبت إلا ليلاً، وثبت علميًا: أن النوم مهم لأعضاء الجسم الأخرى.
أما الذين يسهرون في الليل وينامون في النهار، فإنهم يفتقدون لتلك العملية الحيوية المهمة للجسم؛ لأن نوم النهار لا يعوض ولا يعتبر بديلاً عن نوم الليل، وذلك بسبب اختلاف الجاذبية، وطبيعة السكون، وعوامل فيزيائية كثيرة، وصدق الله العظيم حينما قال: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ: 10 - 11].
ولا يمكن تغيير هذه الطبيعة الفيزيائية، ولا تغيير طباع الإنسان، لكي يتعايش معها، فالليل هو السكن، وهو وقت الراحة، ويقول الدكتور محمد عاطف: "ولا شك أن النوم ليلاً له فوائد، ومن تلك الفوائد: إبطاء عمل الجهاز العصبي، وهذا يؤدي بدوره إلى مزيد من الراحة لجميع أجهزة الجسم، وخصوصًا القلب والجهاز التنفسي، وهذه فائدة المحرومون منها المدمنون على سهر الليالي، فيصابون بأمراض القلب المختلفة والتوترات والقلق الدائم".
عباد الله: صلوا وسلموا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي