التعلق بالله

مراد كرامة سعيد باخريصة
عناصر الخطبة
  1. الإيمان يظهر عند الشدائد .
  2. سيطرة الدنيا على القلوب .
  3. وجوب الثقة واليقين برب العالمين .
  4. بث الأمل في أوقات الأزمات سنة نبوية .
  5. للكون إله حكيم قادر مدبر. .

اقتباس

علينا عند الشدائد أن نلجأ إلى الله ونأوي إلى ركنه، ونجنح إلى منهجه، ونفكر فيه وحده -سبحانه وتعالى-، فهذا والله هو الفلاح، وهذا هو النصر وهذا هو الفوز العظيم والصراط المستقيم. أما إذا جعلنا آمالنا هنا وهناك؛ فإن الله -جل جلاله- سيتخلى عنا ويكلنا إلى أنفسنا ويتركنا نعيش في تيه وضياع وضلال مثلما هو حالنا وواقعنا، والله المستعان. سنوات طوال ونحن نتخبط تخبط العشواء، ونتيه تيه التائهين، مع أن صراط الله أمامنا، وكتاب الله بين أيدينا وحكمه عندنا، ولكننا للأسف الشديد نبحث عن غير منهج الله ونتمسك بالحبال الواهية وخيوط العنكبوت، وننسى حبل الله، ولا يزال بعضنا إلى اليوم يفكر في أنظمة بالية وحكومات سابقة وأواني مستعملة، ولا يفكر في مستقبل الإسلام والخلافة الإسلامية الراشدة التي بشّرنا بها سيد الأنام نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

الخطبة الأولى:

عباد الله: ما أحوجنا في هذا الزمان إلى تعليق القلوب الله، والثبات على منهج الله، والإكثار من ذكر الله وربط النفوس بالله وتقوية الصلات مع الله، فإن الأحداث الأخيرة كشفت ضعفاً كبيراً وخللاً عظيماً عندنا في هذا الجانب.

ضاعت نفوسنا في لحظة وغاب الإيمان من قلوب كثير منا، وتهنا في الغفلة وتحير الناس في برهة، وظهر التلون والتناقض والاضطراب فينا بين ساعة وساعة.

فما أحوجنا إلى الله وما أشد حاجتنا إلى تذكير القلوب وتعليق النفوس بالله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : 28] ويقول -جل وعلا- عن حال المؤمنين والمنافقين يوم الأحزاب: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، وقال عن المؤمنين: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب : 22].

فأين إيماننا بالله وأين خوفنا من الله؟! وأين رجاؤنا في الله؟! وأين أملنا فيه؟! وأين توكلنا عليه؟! وأين ثقتنا به؟! كل ذلك غاب في لحظات قليلة، والله المستعان، مع أن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51]، ويقول: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

لقد ظهرت ثغرات كثيرة وكبيرة وحُفَر عميقة تدل على هو سحيقة وبُعد عظيم عن الله -سبحانه وتعالى- وجاءت هذه الأحداث العظيمة، فكشفت أننا لم نقدر الله حق قدره ولم نعظمه حق تعظيمه، ولم نجلّه حق إجلاله وتقديره.

أصبح الكثير منا -والله المستعان- يفكّر بتفكير دنيوي مادي بحت، ويتكلم ويحلل وكأن الله ليس بموجود، ويحسب ألف حساب للشرق، وألف حساب للغرب، وألف حساب للدولة الفلانية والرئيس الفلاني، ثم لا يذكر الله إلا قليلاً ولا يتذكر عظمة الله لحظة واحدة، فإذا تكلم قال أمريكا، وإذا نطق نطقَ عن منطق قوة الدول وتدخلات الأمم، دون أن يتكلم عن قوة الله وقدرته، وإذا تفوه عن شيء وتحدث عنه لا تسمع منه إلا الحديث عن القوة المحسوسة والأشياء الموجودة دون أن يكترث بقدرة الله وتدخله وإراداته، وقوله للشيء كن فيكون، وتسمعه يحصي جنود الأمم كلها، ويتذكر جيوش العالم من أقصاه إلى أقصاه ويغيب عن باله جند الله وجنوده (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر : 31]، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح : 4].

تعلقت قلوبنا بالدنيا وآثرناها على الآخرة وأحببناها حبّاً جمّاً، وتعلقنا بها تعلقاً شديداً حتى وصل بنا الحال -والعياذ بالله- إلى أن نفضّل الدنيا على الآخرة، ونؤثر الفانية على الباقية، ونخلد إلى الراحة والدعة، ونتمسك تمسكاً شديداً بالحياة، ونكره لقاء الله ونخاف من الموت في سبيل الله.

يقول الله سبحانه: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقائه"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ولينزعن الله المهابة في قلوب أعدائكم منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

أصبحنا والله المستعان نخشى من غضب الناس، دون أن نخشى من غضب الله، ونحسب حسابات طويلة عريضة للبشر دون أن نحسب حساباً لرب البشر، ونؤمن بالقدرات البشرية والقوات المادية دون أن نفكر في قوة الله وقدرته وعظمته (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سبحانه وتعالى- عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر : 67].

عندما قارب الحوثيون على الدخول إلى عدن في بداية الأمر وكانوا على مشارفها بعد سقوط العند، وقبل أن تبدأ عاصفة الحزم رأينا أنفسنا، وقد فقدنا الأمل وخاب فينا الرجاء، وصار كل تفكيرنا في الحسابات البشرية، وتوقعنا الاكتساح المدمر والدخول المزلزل في لحظة واحدة، ولم يخطر ببال الكثير منا أن الله قادر على كل شيء، وأن الأمر من قبل ومن بعد بيد الله، وأن تسيير الأمور وتصريف الأحوال هو من عند الله.

ونام الناس ليلتهم تلك في همّ شديد وكرب عظيم وقلق بالغ وأسى وحزن، ناموا وفي نظرهم أن الصبح لن يصبح إلا وقد سيطر الحوثي على كل شيء، وأكلوا الدنيا أكلاً وكأنهم هم المسيّرون للكون والمتصرفون فيه والمنفّذون له، ولكن المفاجأة حصلت حينما فتح الناس أعينهم على الأخبار في الصباح، فإذا بهم يتفاجئون بانطلاق العاصفة دون أن يتوقعوا ذلك لحظة واحدة ودون أن يظن أحد – مجرد ظن – أن يحدث هذا الأمر بهذه الطريقة وهذه الكيفية.

فلما رأى الناس ذلك تنفسوا الصعداء، وفرحوا بذلك، ولكنهم عادوا لنفس الخطأ وربطوا تعلقهم بالعاصفة، وجعلوا أملهم الكامل فيها وعادوا من حيث بدءوا في التعلق بغير الله، وظنوا أن العاصفة هي المنجية لهم، وعقدوا آمالهم ورجاءهم وتعلقهم عليها، ونسوا الله وقدرته وتدبيره ومكره وحكمته وتسييره وتصرفه وإرادته، وغاب عنا أن الأمر من قبل ومن بعد بيد الله، وأن هذه كلها ما هي إلا أسباب يسوقها الله، فالمسبب لها هو الله والمحرك للأمور كلها هو الله، فليكن أملنا في الله ورجاؤنا فيه واعتمادنا عليه وتعلقنا به وتوكلنا عليه حتى لا تنعكس علينا الأمور وتتغير الأحوال، ويبدل الله الحال من حال إلى حال وتنقلب علينا النعم إلى نقم، مثلما انقلبت الوحدة علينا من قبل من منحة في البداية إلى محنة في النهاية، ومثلما صارت الهبة مفرحة في أول الأمر وتذمر في آخره، ونخشى إذا لم تتعلق قلوبنا بالله وحده، وينعقد الرجاء فيه وحده، ونعتقد أن الله وقدرته وقوته هي كل شيء إذا لم نستيقن بهذا اليقين؛ فإننا نخشى أن تتحول الحزم إلى شقاء وهدم.

ولهذا ربط الله -سبحانه وتعالى- قلوب الناس به بعد معركة الأحزاب وحدوث الرياح والعواصف فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب : 9]، فربط الله نفوس المؤمنين به وبنصره ونعمه وليس بالريح والعواصف والقواصم، فهذه كلها ما هي إلا أسباب فلا نجعل الأسباب تنسينا مسبب الأسباب ومدبر الأمور -جل جلاله سبحانه وتعالى-.

علينا أن نتوب إلى الله ونحسن الظن بالله، ونحقق التوحيد الخالص لله، ونجعل أملنا ورجائنا وتعلقنا في الله -سبحانه وتعالى- وحده فلا رجاء في مخلوق ولا أمل في دول ولا نافع ولا ضار إلا الله وحده -سبحانه وتعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل : 62]، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر : 38].

بارك الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

علينا عند الشدائد أن نلجأ إلى الله ونأوي إلى ركنه، ونجنح إلى منهجه، ونفكر فيه وحده -سبحانه وتعالى-، فهذا والله هو الفلاح، وهذا هو النصر وهذا هو الفوز العظيم والصراط المستقيم.

أما إذا جعلنا آمالنا هنا وهناك؛ فإن الله -جل جلاله- سيتخلى عنا ويكلنا إلى أنفسنا ويتركنا نعيش في تيه وضياع وضلال مثلما هو حالنا وواقعنا، والله المستعان.

سنوات طوال ونحن نتخبط تخبط العشواء، ونتيه تيه التائهين، مع أن صراط الله أمامنا وكتاب الله بين أيدينا وحكمه عندنا، ولكننا للأسف الشديد نبحث عن غير منهج الله ونتمسك بالحبال الواهية وخيوط العنكبوت، وننسى حبل الله ولا يزال بعضنا إلى اليوم يفكر في أنظمة بالية وحكومات سابقة وأواني مستعملة، ولا يفكر في مستقبل الإسلام والخلافة الإسلامية الراشدة التي بشّرنا بها سيد الأنام نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يبشر الناس في وسط الأزمة، ويفتح لهم النور في وقت الشدة والظلمة، ويبشرهم بالنصر العظيم والفتح الكبير في ساعة الكربة حتى أنه -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب يبشر الصحابة الكرام -رضي الله عنهم وأرضاهم- بفتح فارس والروم – أعظم دولتين في ذلك الزمان – مع أن المسلمين كانوا يوم الأحزاب من شدة الوجل والخوف قد بلغت بهم القلوب الحناجر، وصار أحدهم لا يستطيع أن يذهب للبول بعيداً عن الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يبشّرهم في تلك اللحظات الحرجة بنصر الله وفرجه وفتحه ويبشرهم بفتح فارس والروم.

فلماذا لا نبشر أنفسنا اليوم ونحن نعيش في هذه الشدائد والمحن والظلمات والفتن؟: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة : 214].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ" (أحمد: 18406).

صلوا وسلموا ..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي