من الظواهر الاجتماعية في حياة البشر: أن الإنسان بطبعه إلى التقليد والمحاكاة خصوصاً لمن يرى فيه أنه أفضل منه، فالصغير يقلّد الكبير، والضعيف يقلّد القوي، والمتعلم يقلّد المعلّم، وهذه الظاهرة لها خطورتها، خصوصاً إذا كان المقلّد منحرفاً عن جادة الصواب، فإن...
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله وآمنوا برسوله: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].
عباد الله: من الظواهر الاجتماعية في حياة البشر: أن الإنسان بطبعه إلى التقليد والمحاكاة خصوصاً لمن يرى فيه أنه أفضل منه، فالصغير يقلّد الكبير، والضعيف يقلّد القوي، والمتعلم يقلّد المعلّم، وهذه الظاهرة لها خطورتها، خصوصاً إذا كان المقلّد منحرفاً عن جادة الصواب، فإن المقلّد ينحرف معه بقدر تقليده له ويتأثر بأخلاقه بقدر ميوله إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقةٍ مَّا في الأخلاق والأعمال.
وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد في نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك، إلا أن يمنعه مانع..." انتهى.
ولذلك شرع الله لنا الاقتداء بالأخيار، ونهانا عن الاقتداء بالأشرار، ورأس الأخيار هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أمرنا الله بالاقتداء به خاصة، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
فشرع الله للمسلمين الاقتداء برسوله -صلى الله عليه وسلم- في جميع أعمالهم وأحوالهم، وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً بغزوة الأحزاب، فهي عامّة في كل شيء.
ومثلها قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ) [الحشر: 7].
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "هذه الآية أصل كبير في التأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، وكما شرع الله الاقتداء برسوله شرع الاقتداء بأصحاب رسوله الكرام، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].
فأخبر سبحانه: أنه رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وأعدّ لهم الجنات من غير تقييد. وقيد رضاه عن غيرهم ممّن جاء بعدهم إلى يوم القيامة بشرط اتباعه للمهاجرين والأنصار بإحسان، أي حالة كونه محسناً باتباعه لهم في الأقوال والأعمال؟
وهذا يدل على مشروعية الاقتداء بهؤلاء الصحابة الكرام.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: فيا ويل مَن من أبغضهم أو سبّهم أو أبغض أو سبّ بعضهم.
ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخيرهم وأفضلهم، أعني الصدّيق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر -رضي الله عنه-، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبّونهم -عياذاً بالله من ذلك-، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبّون مَن مدحهم الله ويبغضون من أحبّهم الله، ويسخطون على مَن رضي الله عنهم؟
عباد الله: وكما شرع الله الاقتداء برسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- واتباعه في جميع الأعمال، فقد شرع الله الاقتداء بهم في البراءة من المشركين وفي مخالفتهم لهم، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة: 4].
إلى قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الممتحنة: 6].
فقد شرع الله الاقتداء بالخليلين وأتباعهما في عبادة الله، وترك عبادة ما سواه، وفي البراءة من المشركين، ومعاداتهم في الله، والبراءة من دينهم وأخلاقهم وعاداتهم الخاصة بهم، وهذه هي الحنيفية ملّة إبراهيم التي أمر الله عبده محمداً -صلى الله عليه وسلم- باتباعها في قوله: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 123].
فهذا أصل القدوة.
ومن القدوة الحسنة والتقليد المحمود: اقتداء الذرية بالآباء الصالحين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) [الطور: 21].
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: على هذه الآية: يخبر تعالى عن فضله وكرمه ولطفه بخلقه وإحسانه: إن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم، لتقرّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك.
ومن اقتداء الذريّة بالآباء في اتباع الحق اقتداء نبي الله يوسف -عليه السلام- حين قال: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [يوسف: 37 -38].
يقول عليه السلام: "هجرت طريق الكفر والشرك الذي عليه الكَفَرة والمشركون، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين، فصار ذلك سبباً في هداية الله لي وتعليمه إيّاي، وهكذا يكون حال مَن سلك طريق الهدى، وترك طريق الضلال، وهكذا يكون الصالحون خلفاً لمن سلف، يكون الآباء قدوة لأبنائهم في الخير، وتكون الذريّة تبعاً لهم في ذلك في سلسلة متصلة تسير إلى الجنة على هدىً ونور.
ولكن المصيبة إذا فسد الآباء وكانوا قدوة سيئة لأولادهم في الضلال، كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) [البقرة: 170].
ما ظنكم إذا كان الأب لا يصلي ولا يعرف المساجد، وإذا كان يتعاطى المسكِرات والمخدرات، أو يشرب الدخان الخبيث أمام أولاده؟ ما ظنكم إذا كان الأب لا يتورّع عن كسب المال الحرام، ولو عن طريق الربا والقمار والرشوة وبيع المواد المحرّمة كالتصاوير والأفلام الخليعة وأدوات اللهو؟ ما ظنّكم إذا كان الأب لا يتورع عن الغش في المعاملة والفجور في الخصومة والتزوير في الشهادة، والكذب في اليمين؟ ماذا تظنون في الذرية التي تشاهد كل هذه الجرائم تُفعل أمامها وفي محيطها ويمارسها أبوهم وأقرب الناس إليهم؟
إنهم سيكونون؛ كما قال الشاعر:
إذا كان ربُّ البيت بالدف مولعاً *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وكما قال آخر:
ويـنشأ نـاشئ الفـتيـان مـنّـا *** عـلى مـا كـان عوَّده أبـوه
إنهم في الغالب سيقولون كما قال أسلافهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف: 23].
ولقد حرم الله على الأولاد الاقتداء بهؤلاء الآباء المنحرفين، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ) [المجادلة: 22] الآية.
وقال تعالى في النهي عن طاعة الوالدين المنحرفين: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان: 15].
فاتقوا الله -أيُّها الآباء- وكونوا قدوة صالحة لأولادكم، كما أمركم الله بذلك في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].
ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].
كيف نطلب من الشباب أن يبكروا إلى المساجد لانتظار الجمع والجماعات وتلاوة القرآن في بيوت الله وهم يشاهدون آباءهم ممّن هم في سن الستين أو السبعين وهم آخر مَن يأتي إلى المساجد، وأول مَن يخرج منها، وأقلّ الناس رغبة فيها وفي عمارتها، لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، متأخرون يبخلون في أوقاتهم أن يصرفوا شيئاً منها في المساجد؟
وإذا غلط أحدهم بعض المرات وجاء مبكِّراً ندم على ذلك واعتبره وقتاً ضائعاً حيث لم يشغله بأمور الدنيا.
وإذا رأيتم مصداق ذلك، فانظروا فراغ المساجد فيما بين الأذان والإقامة في الأوقات الخمسة، ومَن تفوتهم الصلاة أو بعضها بصفة مستمرة، وانظروا تأخرهم في الحضور لصلاة الجمعة التي يشرع التبكير لها.
فاتقوا الله -أيّها الآباء- وحاسبوا أنفسكم، واعلموا أنكم محلّ القدوة، وأن سوق التجارة الرابحة، هو بذكر الله في المساجد والصلوات، وتلاوة السور والآيات، والإحسان والبرّ والصدقات، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر (30 - 29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الحمد لله رب العالمين، أمرنا بالاقتداء بأهل الخير والرشاد، ونهانا عن الاقتداء بأهل الشر والفساد، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع قائلها يوم المعاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من سائر العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أن العلماء والمعلمين والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، هم طليعة مَن يُقتدى بهم، فإن كانوا صالحين ومستقيمين، فهم قدوة صالحة، وهم من أعظم الناس أجراً، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
وإن كانوا غير مستقيمين وغير عاملين بعملهم، وما يدعون الناس إليه، فهم قدوة سيئة، وهم من أشد الناس عذاباً، قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 2 - 3].
فاقتدوا -رحمكم الله- بالعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، واختاروا لأولادكم المعلمين الصالحين، واحذروا من علماء الضلال، ودعاة الفساد والانحلال، والمعلمين المنحرفين في عقائدهم وأخلاقهم، فإن هؤلاء أخطر على الأمة من الأسلحة الفتّاكة، والأمراض الوبائية، ومن أشدّ ما يتأثر به الأطفال والنساء وضِعاف الإيمان ما يشاهدونه على شاشة التلفاز، أو الفيديو من الأفلام الخليعة والمسلسلات الإجرامية التي تعرض الفحش في الأعراض، وتدرس طرق السرقة واللصوصية، وتغري باستماع المعازف والأغاني الماجنة.
فأبعدوا عن أولادكم ونسائكم هذه الوسائل الخبيثة، لتسلم لهم فطرتهم، وتستطيعوا تربيتهم.
عباد الله: ومن أهم أنواع القدوة: الجلساء والقرناء والأصحاب، فإن كان هؤلاء طيبين في عقيدتهم وأخلاقهم صاروا قدوة صالحة لمن جالسهم وصاحبهم، وأثّروا فيه صلاحاً واستقامة، وإن كانوا فاسدين في أخلاقهم ومنحرفين في عقيدتهم صاروا قدوة سيئة لمن جالسهم وصاحبهم، وقد شبه صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك الذي يكتسب منه مُجالسه خيراً، إما بحصوله على شيء من المسك، أو بتمتعه برائحته الطيبة وقت جلوسه معه، وشبّه الجليس السيّئ بنافخ الكير الذي إذا جلست عنده نالك منه مضرّه، إما بإحراق ثيابك أو تأذّيك برائحة كريهة وقت جلوسك عنده.
فاتقوا الله، وانظروا مَن تجالسون وتصاحبون، ومَن يُجالس ويُصاحب أولادكم، فإن المرء على دين خليله وسيندم من صاحب الفجار والأشرار، وترك مصاحبة الأخيار، قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 27 - 29].
أيها المسلمون: لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحصول الأجر العظيم لمن كان قدوة في الخير؛ لأنه سنّ في الإسلام سنّة حسنة، وأخبر بحصول الإثم العظيم لمن كان قدوة الشرّ؛ لأنه سنّ في الإسلام سنّة حسنة، وأخبر بحصول الإثم العظيم لمن كان قدوة الشرّ؛ لأنه سنّ في الإسلام سنّة سيئة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أُجورهم شيء، ومَن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا قدوة لغيركم في الخير ولا تكونوا قدوة في الشر.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي